أقلام وأراء

زياد أبو زياد يكتب – مضاعفات حديث الرئيس أمام المجلس الثوري في ظل انتخابات تتراوح بين الحمل الحقيقي والكاذب

بقلم  المحامي زياد أبو زياد *- 31/1/2021

لا شك بأن إصدار الرئيس للمراسيم التي حددت مواعيد الإنتخابات التشريعية والرئاسية قد خلق حالة من الحراك في الشارع الفلسطيني بالرغم من تعدد أشكال هذا الحراك ومراوحتها بين التشكيك والتقليل من الأهمية والحماس والترحيب والنظر إليها كرافعة يمكن أن تشكل بداية للإنهاء الحقيقي للإنقسام وإعادة إحياء العملية الديمقراطية الفلسطينية التي يمكن أن تؤسس لشرعنة المؤسسات الدستورية من جهة وتساعد في استطلاع آفاق المستقبل واحتمالاته والتهيؤ لمواجهة تلك الاحتمالات في إطار جبهة وطنية موحدة تضم كافة فصائل العمل الوطنية والإسلامية وبرنامج وطني واحد.

ولم يكن من المفروض أن يثيرالإعلان عن مواعيد الإنتخابات كل هذا الاهتمام الفلسطيني والإسرائيلي والدولي لولا أنه كان قد تم اغتصاب السلطة والضرب عرض الحائط بحكم القانون والشرعية الدستورية طيلة خمسة عشر عاما منذ الانقسام الذي وقع في حزيران 2007 وتلاه قطيعة بين الضفة والقطاع أفرزت حقائق على أرض الواقع كلما مر الوقت عليها كلما ازدادت صعوبة إعادة توحيد شطري الوطن وتوحيد كافة المؤسسات والأطر الدستورية والحكومية ، وأصبح هناك من يراهنون على استمرار هذا الوضع واستحالة إعادة عقارب الساعة الى الوراء.

وبالرغم من إعلان الرئيس عن مواعيد إجراء الانتخابات إلا أنه ما زال لدى البعض مخاوف من إمكانية حدوث أي خلل في الحوار بين الطرفين فتح وحماس أو افتعال خلاف يُستغل لتأجيل الانتخابات من قبل جهات داخلية وإسرائيلية أيضا ً لا ترغب في أن ترى وحدة وطنية وإنهاء ً للإنقسام وتفرغا ً لمواجهة الاحتلال. وكل ما نأمله هو نجاح اللقاء القادم في القاهرة لكي يظل القطار سائرا ً وتُجرى الإنتخابات في الموعد المحدد لها لتبدأ مسيرة التجديد والتغيير.

وما دمنا نتحدث عن التجديد والتغيير فلا بد من التوقف عند ما أعلنه الرئيس محمود عباس يوم الثلاثاء 26-1-2021 في حديثه أمام المجلس الثوري لحركة فتح وتناقلته وسائل الإعلام ونسبت للرئيس قوله وبلهجة لم تخلو من الحزم بأنه لن يُسمح لأي عضو من الحركة بالترشح خارج إطار القائمة التي تمثل الحركة وأنه لن يُسمح لأعضاء الأطر القيادية في الحركة بالترشُح وهذا يشمل أعضاء اللجنة المركزية والمجلس الثوري والمجلس الاستشاري والوزراء والسفراء والمحافظين وقادة الأجهزة الأمنية. بل وذهبت بعض الروايات الى حد القول بأن الرئيس قال بأنه لن يسمح لمن تجاوز سن الخمسين بالترشح.

ولا شك بأن التجديد وإعطاء الفرصة لعنصر الشباب مطلوب وليس مرغوبا ً فيه فقط ، ولكن الرئيس الذي بدا حازما ً جدا ً في الحديث عن التجديد وإدخال الدماء الشابة الى الحياة السياسية الفلسطينية هو نفسه الذي يحتفظ بالعديد من السفراء الذين تجاوزوا سن السبعين بل وبعضهم تجاوز الثمانين رغم أدائهم المتدني والذي ينُسب إليه فشل الدبلوماسية الفلسطينية سواء في العلاقة مع بعض الدول العربية أو على مستوى العالم ، والرئيس هو نفسه الذي قام في منتصف الشهر الحالي بتعيين رئيس لمجلس القضاء الأعلى تجاوز الخامسة والثمانين من العمر كان رئيسا ً لمجلس القضاء الأعلى ويُعتبر مسؤلا ً هو نفسه عن الخلل في الجهاز القضائي لأنه لم يقم في حينه بمعالجة الخلل ثم تقاعد في سن السبعين ليُعاد استدعاؤه ليترأس مجلسا ً قضائيا ً مؤقتا ً أنيطت به مهمة إصلاح القضاء انتهت مدته بعد عام وتمدد له نصف عام آخر وحين انتهى نصف العام أوصى المجلس المؤقت بأن يكون رئيسه رئيسا ً لمجلس دائم بحجة إصلاح القضاء !

ويا حبذا لو يشمل منهج التجديد وضخ الدماء الشابة جميع السفارات والممثليات والدوائر والمؤسسات التي لا تخضع لقانون الخدمة المدنية أو يتمتع العاملون فيها بالإستثناءات من قانون الخدمة المدنية بما في ذلك المؤسسات التابعة لمنظمة التحرير التي أصبحت أرشيفا أو مستودعا ً للمسنين.

وأعود لإعلان الرئيس فأقول بأنه دون شك خطوة إيجابية هامة إذا تم تطبيقها دون استثناءات لأنها سترفع الحرج عن قيادة الحركة من جهة ، وستفسح المجال الواسع أمام عنصر الشباب ومتوسطي العمر للدخول للحياة السياسية وتوظيف علمهم وأفكارهم في تحسين أداء المجلس التشريعي ودعمه بدماء وطاقات جديدة. والذي أقصده برفع الحرج عن قيادة الحركة هو بالذات منع أعضاء اللجنة المركزية من الترشح للمجلس التشريعي لأن سقوط عضو اللجنة المركزية في الانتخابات التشريعية يسيء للحركة ولمكانتها الشعبية أكثر مما يسيء له شخصيا ً وهذا ينطبق الى حد ما على أعضاء المجلس الثوري.

وأما الترشح لمنصب الرئيس فهو حق لكل عضو من اللجنة المركزية بغض النظر عن النتيجة لأنه ترشح لمنصب أعلى من عضوية اللجنة المركزية لحركة فتح. ولا بد من القول بأن من مصلحة الحركة أن يكون هناك إجماع داخل اللجنة المركزية على مرشحها للرئاسة دون تحفظ أو تردد.

والمفروض أيضا ً أن لا يقتصر هذا المنهج على حركة فتح بل أن تتبناه الفصائل الأخرى ولو جزئيا. لأَن ضخ دماء شابة في عروق المجلس التشريعي سينعكس مستقبلا ً على تشكيل الحكومة وعلى كل الهيئات والمؤسسات الحكومية فلا يجوز لأي فصيل استمرار اجترار القيادات التي ما زالت تتصدر المشهد منذ عشرات السنين رغم الفشل أو عدم القدرة على تحقيق أي إنجاز وطني طيلة سنوات تربعها أمام عجلة القيادة.

وسؤال المليون على طريقة جورج قرداحي هو: هل سيتم تطبيق ما أعلنه الرئيس بحذافيره أم ستبدأ سلسلة التراجعات عنه بشكل استثناءات متتالية تُفرغ منهج التجديد من محتواه ، وهل سيلتزم جميع أعضاء حركة فتح بقرار الحركة أم سيخرجون عن قرارها وتبدأ الصراعات الداخلية تطفو على السطح وتبدأ عمليات الفصل من الحركة والإنقسامات العلنية والمهاترات في الوقت الذي هي بأمس الحاجة الى لملمة صفوفها وتحقيق مصالحة داخلها تضمن وحدتها وقدرتها على مواجهة التحديات المفروضة عليها وأولها تحدي الانتخابات القادمة لأنها ستحسم مصير الحركة ودورها القيادي التاريخي لحركة التحرر الوطني الفلسطيني أمام منافس قوي هو حركة حماس التي تحظى الى حد ما بقدر عال من الانضباط الداخلي والالتزام بالقرارات القيادية.

المعيار لانضباط أفراد الحركة والتزامهم بقرارات القيادة أو التمرد عليها يكمن في أمرين: الأول أن تكون أية قرارات بمنع أعضاء الأطر القيادية في الحركة من المشاركة أو السماح لهم هي قرارات موضوعية مجردة وأن لا تكون قرارات ذات بعد شخصي تستهدف منع زيد أو عمرو من المشاركة لخصومات أو خلافات معه. والأمر الثاني هو أن توجِد الحركة الآلية الصالحة لاختيار أفضل ما عندها من أعضاء لخوض الانتخابات باسمها وأن لا يتم تشكيل قائمة المرشحين بناء على ولاءات أو اعتبارات شخصية أو عائلية أو مصالح كما حدث في انتخابات 2006 فكانت النتيجة كما يعرف الجميع.

وإذا ما أراد أحد أن يترشح خارج نطاق الحركة ضمن قائمة سواء قام هو بتشكيلها أو انضم لقائمة شكلها غيره فهذا حق له وعندها يكون الاحتكام الى النظام الداخلي للحركة فيما يتعلق بعضويته.

حركة فتح هي الحركة التاريخية الرائدة حاملة مشعل النضال الوطني ، ولا شك بأن قاعدتها الشعبية أعرض وأوسع من قاعدتها التنظيمية ولذا فقد كانت دائما ترى في المستقلين رصيدا وامتدادا ً لها. وعليها حين اختيار مرشحيها للانتخابات القادمة أن تضع المعايير والأسس غير ” المشخصنة ” وأن توسع وتعزز تلاحمها مع شريحة المستقلين وأن لا يكون اختيار المرشح هو تحقيق لاستحقاق معين لأن ليس كل من ينتمي للحركة يستطيع أن يجلس تحت قبة البرلمان حيث أن لعضو المجلس التشريعي دور تشريعي ودور رقابي ودور مساءلة وهذه تحتاج الى الكفاءة العلمية والخبرة والميزات الفردية أكثر من حاجتها الى حمل السلاح أو ضرب الحجارة ، مع كل محبتي واحترامي لكل من فعلوا ذلك والذين يجب تكريمهم ومكافأتهم بوضع كل واحد منهم في المكان الأنسب له والذي يمكّنه من استمرار الأداء والعطاء.

* وزير سابق ومحرر مجلة “فلسطين- إسرائيل” الفصلية الصادرة بالإنجليزية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى