أقلام وأراء

زياد أبو زياد يكتب – لكي لا يتحول النصر المعنوي إلى هزيمة

بقلم  المحامي زياد أبو زياد *- 13/6/2021

يخطيء من يعتقد بأن العدوان الأخير على قطاع غزة حقق انتصارا غيّر موازين القوى على الساحة الفلسطينية تعطي حماس وغيرها من فصائل المقاومة الحق لرفع سقف طلباتها واشتراطاتها في سياق الحوار الوطني الذي نحن في أمس الحاجة له لحشد الطاقات الوطنية الفلسطينية والتأهب لمواجهة المرحلة القادمة بموقف موحد وقيادة واحدة وقرار واحد.

وفي المقابل يخطيء من يعتقد بأن كونه هو الذي يتمتع بالإعتراف الدولي والشرعية الدولية يستطيع أن يتجاهل إنجازات المقاومة ويتعامل معها بفوقية.

لقد حققت المقاومة في نهاية العدوان على القطاع نصرا ً معنويا ً تمثل في صمودها وعدم رضوخها للإملاءات الإسرائيلية وبوقوفها موقف الند وقدرتها على توجيه الضربات الموجعة لإسرائيل رغم توفقها العسكري بالسلاح والتكنولوجيا. وهذا الصمود لم يكن ليتحقق لولا صمود شعبنا في القطاع ورفضه رفع الرايات البيضاء ووقوفه مع المقاومة المسلحة وفي خندقها.

ولكن علينا جميعا ألا نؤخذ بنشوة الانتصار وأن نتذكر دائما بأننا انتصرنا في معركة، ولكن الحرب لم تنته بعد، فالحرب هي سلسلة معارك فيها كر وفر والمنتصر هو من ينتصر في نهاية الحرب وليس في إحدى معاركها.

ومن أجل عدم التفريط بالانتصار المعنوي الذي حققته المقاومة في معركة أيار 2021 والبناء عليه فإن من الضروري والضروري جدا ً الحفاظ على هذا المكسب والبناء عليه من خلال تطويره الى نصر سياسي يفتح آفاقا ً للتغيير الجذري على الساحة الفلسطينية ليس فقط على صعيد الحياة اليومية في القطاع وإنما على صعيد دحر الاحتلال والعمل على انحساره عن الأرض الفلسطينية والى غير رجعة.

لقد تناقلت أنباء القاهرة نبأ قرار القيادة المصرية تأجيل لقاءات الحوار الوطني الذي كانت تنوي استضافته بعد أن أظهر اللقاء الثنائي الأولي بين فتح وحماس ما وصف بالتصعيد في مواقف الطرفين تمثل حسب التقارير الصحفية بمطالبة فتح بتشكيل حكومة وحدة وطنية بدون اجراء انتخابات وإصرارها بأن الحكومة هي ذات الولاية لحمل ملف إعمار غزة ، وإصرار حركة حماس والجهاد في المقابل على رفض التحاور مع وفد فتح بقيادة جبريل الرجوب وعضوية كل من الأخوين عضوي اللجنة المركزية لحركة فتح روحي فتوح وأحمد حلس وإصرارها على ضرورة حضور الرئيس محمود عباس شخصيا والجلوس على الطاولة مقابل الأخ إسماعيل هنية باعتباره رئيسا لفتح وهو الأمر الذي يرفضه الرئيس عباس لأنه لا يرى بنفسه رئيسا فقط لفتح وإنما رئيسا للشعب الفلسطيني من موقعه كرئيس للمنظمة وللسلطة الفلسطينية. ثم إضافة لذلك مطالبة حماس والجهاد بتشكيل قيادة وطنية جديدة هي في الواقع بديل لمنظمة التحرير الفلسطينية بشكلها الحالي وكذلك تشكيل مجلس وطني جديد من خلال الانتخابات وخلال ثلاثة أشهر!

وقد أدى هذا التشدد في مواقف الطرفين إضافة الى خلافات جذرية حول من يتولى مسؤولية إعمار غزة وملفات أخرى الى قيام القاهرة بتأجيل الحوار الى اشعار آخر تجنبا للدخول في حوار عقيم ينتهي بالتفجير والفشل ويضيف عوائق جديدة على الوضع الفلسطيني المتأزم بطبيعته.

والسؤال هو: الى أين نحن ذاهبون؟ والجواب بكل بساطة هو أن علينا من اجل الإجابة على هذا السؤال أن ندرس المعطيات التي أمامنا على الساحة الفلسطينية أولا ً ثم على الساحة الفلسطينية الإسرائيلية بشكل خاص مععدم تجاهل الاعتبارات الإقليمية والدولية.

فعلى الساحة الفلسطينية هناك احتقان شديد نتيجة لفشل القيادة الفلسطينية في التفاعل مع نبض الشعب وظهر هذا الفشل في أقبح صوره من خلال قرار تأجيل الانتخابات التشريعية بحجة تعذر إجرائها بالقدس، ثم تأجيل إجراء انتخابات المجالس البلدية والمحلية بدون أي مبرر أو مسوغ قانوني ومن خلال استمرار حالة الخلل في الجهاز القضائي والفراغ الدستوري الذي أدى بشكل تلقائي الى استفحال الفساد في مختلف المرافق. ولعل ما يتواتر من انتقادات لسوء أداء وسوء إدارة الجهاز الدبلوماسي الفلسطيني في عواصم العالم ليس إلا إحدى صور ذلك الفساد.

وهذا الوضع المؤسف والمحزن في الضفة الغربية ليس بأكثر سوءا ً منه في قطاع غزة حيث يعاني شعبنا هناك من سوء الإدارة والفساد والتسلط والإرهاب الأمني الداخلي والإقصاء وتحبيذ ناس على أناس آخرين تبعا لانتماءاتهم السياسية والحصار الخانق المفروض على القطاع منذ أكثر من أربعة عشر عاما وغياب سيادة حكم القانون والحكم الرشيد.

هذا على الصعيد الداخلي في شطري الوطن أما على الصعيد السياسي العام فنحن أمام مشكلة أدهى وأمر. فقد أدى استحواذ حركة فتح على منظمة التحرير الفلسطينية منذ عدة عقود الى الدمج التدريجي بين فتح وسلطة أوسلو بالتوازي مع تفريغ المنظمة من محتواها وشل جميع أذرعها وتحويلها الى هيكل شبه فارغ وتمركز جميع صلاحياتها وقرارها بيد شخص واحد.

وإذا كانت المطالبة بإعادة تفعيل منظمة التحرير وإعادة صياغتها من خلال استيعاب القوى الحقيقية الفاعلة على الأرض مثل حماس والجهاد هي مطالبة محقة مئة بالمئة فإن الآلية لذلك لا يجوز أن تكون من خلال خلق البدائل لها بل البدء بعملية تدريجية تأخذ بالحسبان كل المعوقات التي تفرضها ظروف الشتات والبدء من الدائرة الداخلية الأضيق والانطلاق نحو الأوسع وأقصد البدء بإجراء انتخابات تشريعية تفرز مجلسا تشريعيا منتخبا بشفافية وديمقراطية يمثل الضفة وفي قلبها القدس ، وقطاع غزة كنواة للمجلس الوطني الذي يمكن انتخابه وفقا للآليات التي كانت متبعة منذ قيام م ت ف نظرا لتعذر إجراء انتخابات حقيقية في كثير من أماكن تواجده إما بسبب الحساسيات السياسية كما هو الحال في الأردن مثلا وإما بسبب ظروف خارجة عن إرادتنا في الأماكن الأخرى.

وأما على الساحة الفلسطينية الإسرائيلية فنحن أمام وضع إسرائيلي متأزم داخليا ً منقسم على نفسه ينحدر نحو الفاشية العنصرية وهو وضع ترى قوى رئيسية فيه أن نجاتها تكمن في افتعال الأزمات وترويج الحرب واستخدام فزاعة الخوف الخارجي لأنها العامل الوحيد الذي أثبت نجاعته في توحيد الإسرائيليين الذين قال الله سبحانه وتعالى فيهم: “.. بأسهم بينهم شديد تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى…”. وعلينا ألا نستبعد أبدا لجوءهم الى جولات أخرى من الحرب للخروج من أزماتهم الداخلية ولذلك فقد قلت في بداية هذا المقال أن النصر الذي تحقق في معركة أيار 2021 لا يجوز اعتباره نصرا والركون إليه بل البناء عليه كي لا يذهب هدرا.

والحقيقة هي أن مصيبة الشعب الفلسطيني ليست في أدائه ولا في قدرته على النضال والتضحية من أجل نيل الحرية والاستقلال وإنما مصيبته وعلى مر عشرات العقود من الزمن تكمن في فشل قياداته في تحمل مسؤولياتها والسير به نحو هدفه المرجو وإنما انشغالها في صراعاتها الداخلية التي تتحول مع الوقت الى صراعات أشخاص ومصالح.

نحن اليوم أمام مفترق تاريخي نملك فيه رصيدا معنويا عاليا حققته المقاومة من خلال دعم وصمود وتضحيات شعبنا التي تفوق الخيال ولكننا لا نملك ترف استمرار المناكفة والانقسام والصراع لاعتبارات برستيج شخصية أو فصائلية لا تمت لمصلحة الوطن بشيء.

والرئيس محمود عباس وبحكم موقعه القيادي يواجه مسؤوليته التاريخية في تغليب مصلحة الوطن على مصلحة الفصيل وأخذ زمام المبادرة لتحقيق الوحدة الوطنية وإحداث انتفاضة حقيقية داخل فتح وداخل كل هياكل السلطة ومؤسساتها ووضع المركبة على طريق إعادة الدور للمنظمة وخوض معركة التحرر والحسم. ويقينا أنه لن يستطيع ذلك إلا إذا رأى في المقاومة شريكا حقيقيا في عملية البناء والتطوير وتخلت قيادة المقاومة عن حساباتها الفصائلية ووضعت يدها بيده. وإذا لم يكن الرئيس عباس قادرا على ذلك كما يمكن أن يدعي البعض فإن الأيام القادمة كفيلة للرد عليهم.

*المحامي زياد أبو زياد – وزير سابق ومحرر مجلة “فلسطين- إسرائيل” الفصلية الصادرة بالإنجليزية- القدس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى