أقلام وأراء

زياد أبو زياد يكتب – لا للدولة… ولا للهدنة طويلة الأجل!

المحامي زياد أبو زياد – 12/8/2018

بعيدا عن المزايدات والخطب المقصود منها رفع المعنويات أو المزايدة السياسية بين الأحزاب المتصارعة على الحكم في إسرائيل وطرفي الإنقسام في فلسطين ، فالحقيقة التي يعرفها ذوي الشأن هي أنه في غزة لا غالب ولا مغلوب ، لا منتصر ولا مهزوم ، والذي يحافظ على بقاء هذه المعادلة هو المواطن المدني الذي يدفع من دمه ومعاناته الثمن. فالمعركة ليست عسكرية حتى لو أدارها العسكر..والمعركة لا يمكن حسمها بالوسائل العسكرية مهما كان عنف وضخامة القدرة والقوة التي تتوفر بين يدي العسكر.

هذه المقولة لا تقتصر على طرف واحد. فلا إسرائيل تستطيع حسم الموقف لصالحها بالوسائل العسكرية ولا المقاومة. والذي يمكن أن يتحقق ، وقد تحقق الى حد ما ، هو توازن الرعب والردع بالردع دون الحسم.

أسمع أصواتا ً في إسرائيل تحاول مناكفة الحكومة اليمينية تدعوها للحسم واقتلاع حماس من الجذور. فهل تستطيع إسرائيل ذلك؟ بالتأكيد لا. وأجزم بأن الذين يحرضون ضد غزة ويطالبون حكومتهم أن تدخل غزة وتنهي وجود المقاومة بما في ذلك حماس يعرفون في قرارة أنفسهم استحالة ذلك وأن الخروج من غزة لن يكون أسهل من الدخول اليها.

وأسمع في نفس الوقت أصواتا على الجانب الفلسطيني تنتقد أو تهاجم المقاومة بما في ذلك حماس وتتهمها بجلب الدمار على غزة . فهل يعتقد هؤلاء بأن المقاومة تستطيع الإستسلام ورفع الرايات البيضاء ، وأنها لو فعلت ذلك ستحصل على بديل من الإحتلال غير المزيد من التضييق والحصار ومحاولات التركيع!

لقد مضى عهد كان فيه الجيش الإسرائيلي يدخل في نزهة إلى الأرض الفلسطينية يقتل ويدمر ويعتقل ويختطف ثم يخرج في تظاهرة قوة لا تخلو من العنجهية. كانت أول بداية نهاية ذلك العهد وأول مرة تعلم فيها الجيش الإسرائيلي هذا الدرس في الثامن والعشرين من آذار عام 1968 حين دخل بزهو وخيلاء الى الكرامة ليلقن

” المخربين” درسا ً لن ينسوه ويدمر أوكارهم ويقتلعهم من الجذور. ثم كانت المفاجأة حين واجهته بسالة المقاومة الأردنية – الفلسطينية فانقلبت على رأسه كل معاييره وخرج يجرجر أذيال الهزيمة مخلفا ً وراءه الآليات والعتاد. وكان كل ذلك لأن ” المخربين” انحازوا لخيار المقاومة ، وثبتوا ببسالة ورجولة إلى جانب رفاقهم في السلاح أبطال الجيش الأردني فغيروا كل المعايير والموازين وأثبتوا أن إرادة المقاومة لا تُقهر.

منذ ذلك الحين مضت سنوات طويلة وتقلبات وتطورات كثيرة وتكالبت على الثورة الفلسطينية قوى كثيرة كانت تسعى كلها الى إرغام الشعب الفلسطيني على التخلي عن خيار المقاومة والدخول في دهاليز السياسة…وحين نجحت في ذلك ضاع وضاعت معه القضية..

واليوم تشتد رياح المؤامرة لجني ثمار التصفية… تصفية القضية وفرض الإستسلام للأمر الواقع…ومع ذلك فلا الذين دخلوا دهاليز السياسة قادرين على الإستسلام ، ولا الذين أعادوا إحياء خيار المقاومة قادرين على ذلك …مع فرق واحد وهو أن الذين دخلوا دهاليز السياسة تخلوا عمليا عن كل أوراق الضغط أو المساومة ، بينما الذين أعادوا إحياء خيار المقاومة استطاعوا الإحتفاظ ولو بورقة واحدة للضغط والمساومة وأن يُبقوا رؤوسهم فوق الماء رغم التيارات العاتية التي تحاول أن تجرفهم وبقي في يدهم خيار البعوضة التي تُدمي مقلة الأسد على رأي الشاعر العربي:” لا تحقرن صغيرا ً في مخاصمة …إن البعوضة تُدمي مقلة الأسد” .

في هذا البحر المتلاطم الأمواج ، على الطرفين ، سواء من دخلوا دهاليز السياسة أو من أحيوا خيار المقاومة أن يُدركا أن أيا منهما غير مخوّل من الشعب الذي ينتمون إليه بأن يدخل في صفقة سياسية مع الطرف الآخر تؤدي في المحصلة الى التنازل عن حقوق الشعب الفلسطيني الذي لم يُخول أو يُفوض أيا ً منهما بالتفاوض أو التنازل باسمه وإضفاء صفة الشرعية على أبشع عملية قرصنة في التاريخ الحديث ، ذلك لأن موازين القوى في هذه المرحلة ليست في صالح الشعب الفلسطيني وأية صفقة قي ظل المعطيات العربية والإقليمية والدولية الحالية في هذه المرحلة تعني التفريط والتنازل على حساب الشعب الفلسطيني.

وأعتقد جازما بأن المصلحة الوطنية للشعب الفلسطيني في هذه المرحلة هي التخلي نهائيا عن فكرة الحل السياسي للصراع سواء أولئك الذين في رام الله ويطالبون بدولة فلسطينية مستقلة الى جانب دولة إسرائيل أم الذين في غزة الذين يتحدثون عن هدنة طويلة الأجل ، ولكن في إطار حل سياسي للصراع.

فالدولة الفلسطينية المستقلة التي يطالب بها الطرف الأول لن تكون مستقلة ، ولن تكون حتى على كامل الضفة والقطاع والقدس الشرقية وإنما على أقل بكثير من ذلك، والذين يتحدثون عن الهدنة طويلة الأجل إنما يتحدثون أيضا ً عن حل سياسي مغلف باسم ” الهدنة ” ليتيحوا لأنفسهم فرصة النزول عن الشجرة التي تسلقوا عليها.

المطلوب اليوم هو التخلي العلني والقطعي عن فكرة المطالبة بحل سياسي للصراع في هذه المرحلة سواء كان دولة أو دويلة أو هدنة ، وإعادة الوحدة واللحمة للصف الفلسطيني بإنهاء التشرذم والتفرد والإنقسام ، والتفرغ والتمركز كليا ً في أمر واحد: كيف يمكن تعزيز صمود المواطن وتحسين ظروف معيشته وتمكينه من التمسك والدفاع عن نفسه وأرضه وعرضه والإحتفاظ بما تبقى بين يديه من أرض وطنه الى أن تتغير معادلة القوة بتغير الظروف الفلسطينية العربية والإقليمية المحيطة بنا وتتحول الى صالحنا . ولا أظن ذلك بصعب ولا ببعيد.

abuzayyadz@gmail.com

1

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى