أقلام وأراء

زياد أبو زياد يكتب – “الشخصنة ” في اختيار مرشحي القوائم

بقلم المحامي زياد أبو زياد *- 28/3/2021

تتحدث أنباء رام الله عن أن اللجنة المركزية لحركة فتح تواصل المناقشات بشأن تحديد الخطوط العريضة لاختيار أعضاء قائمة مرشحي الحركة للانتخابات التشريعية. ويُفهم من هذا الكلام أن اللجنة المركزية هي التي ستختار أسماء مرشحي الحركة من بين قوائم الأسماء التي سترشحها لجان الأقاليم . والسؤال الذي يطرح نفسه هو لماذا لم تكن هناك انتخابات أولية حقيقية وشفافة بين أبناء الحركة (برايمرز) تمكن القاعدة من اختيار مرشحيها للانتخابات ، وطالما لم يكن ذلك فهل ستكون هناك معايير واضحة يتم تطبيقها على الجميع وأن من تنطبق عليه تلك المعايير سيتم اختياره للقائمة أم أن هذه المعايير ستكون فضفاضة ولا يتم التقيد بها فعلا بل سيُترك لأعضاء المركزية وحسب مزاجهم وتحالفاتهم اختيار الأسماء وفق معايير تخضع للعلاقات الشخصية والمصالح والمجاملات وتُفضي الى اختيار شخصيات لا تصلح بالضرورة للمهام التي سُتناط بعضو المجلس التشريعي في المجلس القادم على فرض أنه ستكون هناك انتخابات وسيكون هناك مجلس تشريعي.

لا شك بأن حجم التحديات والمهام التي ستواجه المجلس التشريعي القادم ستكون على مستوى غير عادي يتطلب أشخاص غير عاديين لمواجهة هذه التحديات والقيام بهذه المهام.

ولعل أول تحد يواجه قيادات العمل الوطني التي سينبثق عنها المجلس التشريعي القادم على المستوى السياسي هو ضرورة تحديد شكل وواقع وجوهر النظام السياسي الفلسطيني القائم وكيف يمكن المواءمة بينها وبين التطلعات الوطنية للشعب الفلسطيني في الداخل والشتات. فالمفروض أن السلطة الفلسطينية هي كيان مؤقت كان يجب أن ينتهي في أيار 1999 بقيام الدولة الفلسطينية ولكن ها قد مضى اثنان وعشرون عاما على انتهاء ذلك الأجل الذي كان قد حدد لها. فهل ستستمر هذه السلطة الى ما لا نهاية أم أنه يجب تغييرها شكلا وموضوعا.

وإذ أقول هذا فإنني أؤكد بأنه لا يكفي تغيير اسم السلطة من سلطة الى دولة وتغيير كل المسميات الرسمية الوظيفية الأخرى لتتناسب مع مسمى “دولة” مع بقاء الحال كما هو من استمرار للاحتلال والاستيطان وفرض حقائق الأمر الواقع الاحتلالي على الأرض.

فهل سيكون التشريعي الجديد هو تشريعي يكرس بقاء السلطة التي لا حول ولا قوة لها في مواجهة عملية القضم اليومية التي تقضم الأرض من تحت أقدامها وتنتقص من صلاحياتها بشكل يومي ممنهج وتضيق الخناق من حولها ، أم أنه سيكون رافعة لاستنهاض الهمم وتوظيف الطاقات والموارد للعمل النضالي المقاوم الذي سيرفض تحنيط الأمر الواقع أي أل status quo المتمثل في وهم اسمه دولة وواقع هو احتلال ، وهو خداع للذات بنظام يسمى عالميا سلطة وفلسطينيا ً دولة !

نحن نتحدث عن انتخابات قادمة ولكننا لا نتحدث عن برامج سياسية واقتصادية واجتماعية على فرض أن الناخب يجب أن يُعطي صوته للبرنامج الانتخابي الذي يتماهى مع تطلعاته ورغباته. فأين هو البرنامج السياسي والاقتصادي والاجتماعي لقائمة فتح التي ستخوض الانتخابات على أساسه ! والسؤال لا يقتصر على حركة فتح بل الى كل الفصائل وكل القوائم المستقلة.

وعلى صعيد آخر ، هناك تصريحات صدرت عن بعض الفصائل تتحدث عن الغاء اتفاق أوسلو ووقف التنسيق الأمني وسحب الاعتراف باسرائيل وهذه الفصائل وبكل أسف لا تدرك بأن الانتخابات هي لسلطة إدارية اسمها ” السلطة الفلسطينية ” وأن القرار السياسي ولو نظريا ً هو بيد منظمة ألتحرير الفلسطينية وأنه لا يوجد ولا يجوز أن يوجد دور سياسي للسلطة لأنها لا تتمتع بالصفة التمثيلية للشعب الفلسطيني الذي رفع منذ أكثر من خمسين عاما ً شعار أن م.ت.ف هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.

فالمجلس التشريعي الذي سيتم انتخابه لا يمثل الشعب الفلسطيني بأسره بل يمثل شريحة عريضة منه ولكنها ليست كله ، ولذلك فإن المجلس التشريعي القادم لا يستطيع أن يبت في الشأن السياسي العام الذي هو من اختصاص الكل الفلسطيني الذي تمثله م.ت.ف ولكنه يستطيع أن يكون رافعة نضالية لتحريك المياه الراكدة وإعادة وضع الأمور في سياقها الصحيح وهو سياق رفض استمرار الوضع القادم ومواجهته لتغييره.

ومن أجل هذا فإنه لا بد من العودة الى م.ت.ف. والفصل بينها وبين السلطة وإحياء دورها من خلال إعادة الحياة الى مؤسساتها بجعلها فعلا ً ممثلة لكل ألوان الطيف السياسي الفلسطيني ذو الوجود الفعلي على الأرض. ولا يجوز استمرار الجمع بين المواقع القيادية بالمنظمة والسلطة لأن المفروض أن تكون المنظمة فوق السلطة ومرجعية لها لا جزءا ً منها بل وتتلقى ميزانيتها منها ، ونحن نعلم أن صاحب المال هو صاحب القرار ، فلا يُعقل مثلا ً أن يكون شخص عضوا ً في اللجنة التنفيذية وبنفس الوقت وزيرا في السلطة.

نحن في اشتباك مع احتلال يجثم على صدورنا ولا يمضي يوم دون أن تحمل لنا وسائل الإعلام أو نشاهد بأنفسنا هذا الاحتلال يقوم بقتل الناس والاعتداء على ممتلكاتهم بنهب الأراضي والمصادر الطبيعية وهدم المنازل واقتلاع الأشجار واعتقال المواطنين وزجهم بالسجون وبناء المستوطنات وتوسيع المستوطنات القائمة وتغيير معالم القدس والاعتداء على المقدسات. ولا شك أن من بين مهام المجلس التشريعي القادم التصدي لوقف هذه الاعتداءات وتجنيد كل المصادر البشرية والمادية الممكنة للمواجهة.

والتحدي الآخر الذي يواجه المجلس التشريعي القادم هو إعادة ترتيب البيت من الداخل بعد خمسة عشر عاما من غياب الرقابة البرلمانية وانهيار مبدأ الفصل بين السلطات وهيمنة السلطة التنفيذية على كل مرافق الحياة بما في ذلك السلطة التشريعية فأنتجت كما هائلا من الفوضى الإدارية والقانونية والخلل القضائي الذي أدى الى تدمير منظومة العدالة وأفقدت الناس الثقة بالقضاء وسلمت أمورهم إما للعشائر وإما لشريعة الغاب.

وعلى اللجنة المركزية لحركة فتح أن تتعامل مع المجلس التشريعي القادم ليس على أنه صالة للوجاهة وتوزيع الاستحقاقات كما تعاملت مع قائمتها في انتخابات عام 2006 وفشلت في اختيار أفضل ما عندها وإنما على أساس أنه سيكون ورشة عمل دؤوب لتصويب الوضع الخراب الذي نتج خلال فترة حكم الانفلاش المنصرمة التي نأمل أن لا تستمر وبنفس الوقت رافعة وطنية لتصويب الوضع السياسي وقلب الطاولة بما عليها. وما أقوله عن فتح من حيث المعايير التي يجب أن تتوفر فيمن تختاره للمرحلة القادمة ينطبق على كل القوائم الفصائلية والمستقلة.

وأما الفتحاويين ، سواء منهم من اكتسب الانتماء من خلال العمل الميداني وبوابة السجن أو من تسلق على أكتاف الآخرين وأصبح فتحاويا بالإنتهازية الفهلوية، فإنني أقول لهم ارحموا الحركة وارحموا أنفسكم واجعلوا رحمة الله تهبط عليكم من خلال الامتثال لمقولة عمر بن عبد العزيز لابنه : ” رحم الله امرئ عرف قدر نفسه” .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى