أقلام وأراء

زياد أبو زياد- معادلة غوار وأبو كلبشه … والفرار الأخير إلى الحرية

العلاقة بين السجين والسجان لخصها غوار الطوشه (دريد لحام) بمشهد كوميدي في أحد مسلسلاته حين قال للسجان أبو كلبشه: ” أنا أحسن منك. أنا بقضي نص عمري بالسجن لكن أنت مقضي كل عمرك بالسجن”. وحين اشتاط أبو كلبشه غضبا ً وسأله ساخرا ً: “كيف ” !!! رد عليه غوار بقوله: ” أنا في النهار بالسجن وفي الليل بحلم إني بره السجن. لكن انت في النهار بالسجن وفي الليل بتنام وانت تحلم انك بالسجن لأنك خايف المساجين يهربوا. يعني أنت مؤبد، ليل نهار بالسجن”.

وهذه المعادلة تقول بأن السجان يعمل كل ما بوسعه ليمنع السجين من الهرب والسجين يحلم بالحرية ويتلمس طريقا للوصول إليها، حتى لو كان من خلال الحلم.

وإذا كان هذا هو واقع السجناء العاديين وأعني المدنيين أي الجزائيين فإن الوضع يختلف بالنسبة للسجناء السياسيين وسجناء الرأي والمقاتلين الذين يقعون في الأسر.

فالسجناء المدنيين هم أشخاص ارتكبوا جرائم بحق غيرهم فطالتهم يد القضاء والقانون وتقرر عزلهم عن المجتمع لردعهم من جهة ولإصلاحهم من جهة أخرى وبالتالي سميت السجون بدور الإصلاح. وبالطبع هناك تفاوت في الأعمال والعقوبات يتبعه تفاوت في مدد العقوبة وشروط الاحتجاز. ولكن الأمر المتفق عليه دون جدال هو أن لا عقوبة داخل السجن وأن الحكم بمصادرة حرية الفرد ووضعه قيد السجن هو من اختصاص المحاكم وحدها دون سواها وأن السجان ينفذ ما أقرته المحكمة ولا يضع أو يفرض عقوبة إلا على مخالفات يقوم بها السجين داخل السجن ولتلك المخالفات أعراف متفق عليها لا تخضع للإرادة الكيفية للسجان.

أما السجناء السياسيين فتختلف النظرة إليهم حسب الزاوية التي تنظر منها. فهم في نظر الحكومة إرهابيين ومخربين إذا كانوا ضدها أو ضد النظام وهم سجناء رأي من وجهة نظر المعارضة. وأما إذا كانوا يناضلون ضد الاحتلال أو في إطار حركة تحرر وطني فهم ارهابيون في نظر الاحتلال وأسرى ومقاتلون من أجل الحرية في نظر شعوبهم. وهذا التعريف الأخير هو ما ينطبق على الأسرى الفلسطينيين سواء من وجهة نظر الاحتلال أو من وجهة نظر شعبهم. وأذكر أنه عندما كنت أتعلم اللغة العبرية في بيت هعام في مطلع عام 1968 دار جدال في الصف حول الفدائيين حين استخدمت المعلمة كلمة مخرب لوصفهم. وحين اشتد النقاش قال موشه وهو يهودي يساري من الأرجنتين هاجر لإسرائيل وأصيب بالصدمة حين اكتشف أنها دولة احتلال وتمييز، وتبين لي لاحقا ً أنه من حركة “متسببين” المناوئة للصهيونية، قال موشه للمعلمة أن الانجليز لا يزالون يطلقون على مناحيم بيجن لقب “إرهابي” وها هو قائد ووزير فضحكت المعلمة وأرادت حسم النقاش فقالت ” نعم مخربين قبل قيام الدولة وحين يقيمون الدولة يصبحون رجال دولة statesmen”.

والإسرائيليون اليوم يتنكرون وينكرون أن المنظمات اليهودية التي خاضت حرب 1948 كانت منظمات إرهابية وأنها استهدفت المدنيين وارتكبت ضدهم أبشع الجرائم وأن أيدي العديد من أفرادها ملطخة بدم الفلسطينيين. والإسرائيليون لا يتطرقون لتلك الحقبة من تاريخهم والتي تم خلالها اعتقال العديد منهم على يد الانجليز، ويتفاخرون حتى اليوم بأعضاء المنظمات اليهودية الذين اعتقلهم الانجليز والذين نجح بعضهم في الفرار من السجون الإنجليزية.

ونحن، على الأقل من وجهة نظرهم ، نلعب اليوم نفس الدور الذي قاموا به ضد الانجليز. أسرانا في السجون الإسرائيلية يتوقون للحرية وما محاولة كسر القيد والفرار الى الحرية من داخل معتقل جلبواع إلا ممارسة لحق الأسير في البحث عن الحرية وهذا عمل معروف على مدى التاريخ تم تخليده بالروايات والأفلام العالمية وخاصة عن أسرى الحرب العالمية الثانية.

ورغم كل ما قيل ويقال فإنه لا بد من التنويه الى الحالة الخاصة التي يعيشها الأسرى الفلسطينيون الذي يقارب عددهم اليوم خمسة آلاف أسير يعيشون أقسى الظروف الإعتقالية في السجون الإسرائيلية.

أولا، لا بد من الإشارة الى الأحكام العالية جدا ً التي تُفرض على الفلسطينيين لأبسط الأسباب. ولا بد من الإشارة الى أن الأحكام المؤبدة هي أحكام بدون أي سقف زمني وهناك اليوم في السجون الإسرائيلية من أمضوا قرابة أربع عقود في الاعتقال ومن بين أسرنا من هم في العقد الثامن من العمر وبعضهم تجاوز الثمانين من العمر وبعضهم أصيبوا بالأمراض المزمنة المميتة وتركوا دون عناية أو علاج مقبول.

المحكومون بالمؤبد بالسجون الإسرائيلية لا أمل لهم سوى التفكير بإمكانية التحرر من خلال صفقة تبادل وإسرائيل تصر على ألا تشمل صفقات التبادل أشخاصا “على أيديهم دم” وهذا يعني أن المحكوم مؤبد لا شيء عنده ليخسره إذا قام بأي عمل داخل السجن. أي بعبارة أوضح عدم ترك أي فرصة أمل أمام السجين المؤبد بأنه سيغادر السجن في يوم من الأيام. وهذا الأمل يتلاشى تدريجيا ً كلما فكر المعتقل بأن أفق الحل السياسي يكاد يكون معدوما أو معدوم، وبالتالي يجب توقع أي عمل يمكن أن يُقدم عليه.

على هذه الخلفية يجب رؤية وفهم عملية الهروب الأخيرة. وعلى الإسرائيليين أن يفهموا بأن عليهم أن يعيدوا النظر أولا ً في مسلكهم إزاء المساعي السياسية للتوصل الى تسوية تضع حدا ً للعناء عندنا وعندهم، وأن يعيدوا النظر في نظام القضاء العسكري العشوائي وأن يضعوا سقفا للأحكام المؤبدة. كل هذا من جهة ومن جهة أخرى فإن على الإسرائيليين أن يتوقفوا عن الأعمال الانتقامية الحاقدة جدا ً التي تمارس ضد الأسرى المقيدين المحرومين من الحرية ومن القدرة على الدفاع عن أنفسهم وهم رهن أغلال السجن.

سنبقى نحن والإسرائيليين على خط المواجهة وفي مرجل الغليان طالما ظل هناك احتلال وإنكار لحق شعبنا في الحرية والكرامة والحياة الإنسانية. فالمخرج الوحيد من هذا الوضع هو الاعتراف بحقوق الشعب الفلسطيني وانهاء الاحتلال والتعامل مع الفلسطيني على أساس أنه إنسان ند متساو في الحقوق والواجبات مع غيره سواء في دولتين متجاورتين أو في دولة واحدة. وبدون ذلك سيبقى مسلسل العنف والعنف المتبادل…

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى