زلمان شوفال : المعركة الحقيقية
بقلم: زلمان شوفال، معاريف 25/6/2018
من الطبيعي أن تتركز عيوننا في الاسابيع الاخيرة على غلاف غزة، ولكن دون التقليل من معاناة سكان الجنوب، فان المعركة الهامة حقا تقع بالذات خلف الحدود الشمالية. فقبل بضعة اسابيع، بعد أن لاحظت الاستخبارات الاسرائيلية نية من جانب الايرانيين والمحافل الخاضعة لسيطرتهم في سوريا الشروع في هجوم صاروخي على قواعد عسكرية اسرائيلية في الشمال – شرع الجيش الاسرائيلي، حسب مصادر اجنبية، في عملية ساحقة مضادة – يعتقد كبار خبراء الامن بان نجاحها في تدمير قواعد الصواريخ الايرانية تشبه انجاز ابادة سلاح الجو المصري في صباح حرب الايام الستة.
لا يزال هناك الكثير من الغموض في المعركة، وكذا الغموض السياسي، ولكن يمكن منذ الان اجمال العملية الاسرائيلية بانها شكلت عاملا هاما في تسريع التطورات السياسية في الاسابيع الاخيرة بالنسبة لسوريا. صحيح أن الكلمة الاخيرة لم تصدر بعد، ولكن ما يلوح هو أن الاختلاط بين النشاط العسكري لاسرائيل في المجال السوري (واللبناني) والنشاط السياسي الثابت لرئيس الوزراء نتنياهو، بمساعدة الاردن ومحافل عربية اخرى، أدى بروسيا، وفقا لانباء في وسائل الاعلام العالمية، الى قرار يقضي بان على القوات العسكرية الايرانية وفروعها، بما فيها حزب الله، ان تبتعد عن الحدود الشمالية لاسرائيل في الجولان – بداية الى مسافة 20 كيلو متر وفي المرحلة الثانية، الى مسافة ثلاثة اضعاف أو أكثر. ولا تكتفي اسرائيل بذلك وتطالب بالخروج التام للقوات الايرانية وقوات حزب الله من الاراضي السورية، وعلى هذا دارت المحادثات مؤخرا بين القيادة الامنية الروسية ووزير الدفاع الاسرائيلي ليبرمان. وتتواصل هذه المحادثات في هذه الايام بالذات ايضا، سواء هاتفيا بين نتنياهو وبوتين قبل نحو اسبوع أم بين الطواقم المهنية من روسيا واسرائيل هنا في البلاد. يمكن الافتراض بان للموقف الروسي في تقليص التواجد الايراني في سوريا هناك اسباب اخرى ايضا، أي عدم رغبة موسكو في أن ترى في ايران الجهة السائدة في سوريا، ولكن النتيجة، حتى وان لم تكن كاملة حاليا، تخدم بوضوح المصالح الامنية والسياسية لاسرائيل، وكذا مصالح الاردن الذي يخاف من قرب القوات الايرانية والمؤيدة لايران من حدوده.
ولكن هذه وردة وشوكة فيها: روسيا تربط طلبها اخلاء القوات الايرانية من جنوب سوريا استبدالها بقوات الرئيس الاسد، الميل الذي تعارضه اسرائيل والاردن على حد سواء، فما بالك بعد أن تبينت النية في أن تتضمن هذه القوات قوات ايرانية تحت غطاء جنود سوريين. كما أن هذه الخطة الروسية لا تقبلها الولايات المتحدة، التي تواصل دعم الثوار ممن لا يزالون يتواجدون في هذه المنطقة، وهي على أي حال غير معنية بتعزيز حكم الاسد. في المكالمة الهاتفية آنفة الذكر بين زعيمي روسيا واسرائيل ينبغي التخمين بان اسرائيل أوضحت بانها ستكون ملزمة باتخاذ خطوات عسكرية كي تمنع التواجد العسكري الايراني المموه في الحدود الشمالية – السيناريو الذي نجد ان روسيا هي الاخرى غير معنية به.
اسرائيل وروسيا ليستا حليفتين بالمعنى الاساسي والملزم للتعريف، ولكن بخلاف ما بدا في البداية، يمكن لاسرائيل أن تتعاطى في هذه المرحلة مع التواجد الروسي في سوريا كجهة ايجابية. وبالنسبة للمستقبل: مع أنه حتى وقت غير بعيد كان الرأي السائد بان حدود سايكس بيكو ماتت ودفنت نهائيا وان سوريا والعراق سينشقان الى كيانات منفصلة، يتبين اليوم بان هذا التوقع بحاجة الى تعديل: حلم الاستقلال الكردي عطلته تركيا وامريكا، والعراق على ما يبدو سيبقى العراق (وان لم يكن واضحا انه سيمسك بالخيوط من بغداد)، ونظام الرئيس الاسد يعود لينتشر في كل الاراضي السورية، وان كان بمكانة دون لخدمة الاسياد المتواجدين في طهران وفي موسكو.
واضح إذن ان المنطقة التي على شمالنا ستبقى بؤرة اهتمام امني وسياسي خاص من جانب اسرائيل.