ترجمات عبرية

زلمان شوفال – المستقبل مقابل الماضي

معاريف – مقال – 19/12/2018

بقلم: زلمان شوفال

بعد بضع سنوات من قيام دولة اسرائيل، ألمحت اسبانيا فرانكو بانها مستعدة لان تقيم معها علاقات دبلوماسية، ولكن الحكومة رفضتها لاعتبارات “ايديولوجية”. وبالمناسبة، فان موسكو بالذات اقامت في حينه علاقات دبلوماسية كاملة مع اسبانيا، وأمريكا وبريطانيا لم تقطع أبدا علاقاتهامعها، ولا حتى في الحرب العالمية الثانية.

وعندما ندمت اسرائيل، فان اسبانيا، التي تحولت في هذه الاثناء الى ديمقراطية، قررت الا تسرع، ربما كي تعلمنا درسا. فقد اقرت لـ م.ت.ف ان تفتح في مدريد ممثلية دائمة واصبحت ساحة لعب مفضلة للدعاية والنشاط المناهض لاسرائيل من جانب محافل عربية.

تركت مدريد لاسرائيل تنتظر خارج الباب حتى 1986. فهذه المعضلة بين الاعتبار السياسي من جهة والموقف الاخلاقي او القيمي من جهة اخرى تكرر نفسها بين الحين والاخر. وفي الزمن الاخير تظهر بوتيرة متسارعة في ضوء التغييرات في الخريطة السياسية العالمية وامكانية ان تشارك محافل سياسية متزايدة، من اليمين ومن اليسار، في الحكم في دولها.

لعله اسهل على دول اخرى التغلب على مثل هذه الترددات، ولكن من ناحية اسرائيل وتاريخ الشعب اليهودي هذه مشكلة اصعب. فالحديث يدور عن حكومات، وان كانت سياستها الخارجية مريحة لنا، ولكن لقسم من مركباتها يوجد ماض، واحيانا حاضر ايضا مشكوك فيه، ولا سيما في موضوع اللاسامية. هكذا النمسا، هكذا هنغاريا وهكذا غدا ربما ايضا دول اخرى.

اذا ما نزعنا عن الموضوع المزاح وكلام الحسن، فان السؤال الواجب هو التالي: هل الواجب الاول لاسرائيل كالدولة القومية اليهودية هو العمل في كل سبيل ممكن لضمان مستقبلها وامنها وفي اطار ذلك ايضا مستقبل الشعب اليهودي ام ان عليها ان تخضع مصالحها السياسية لاعتبارات اخرى، تاريخية وقيمية.

المعادلة هي المستقبل مقابل الماضي. المسألة ليست بسيطة. فما بالك ان دولا غير قليلة، وبخاصة في غربي اوروبا من ناحية انظمتها ونمط حياتها الديمقراطي والليبرالي اقرب الينا من دول اخرى، تتخذ احيانا سياسة مناهضة لاسرائيل بوضوح، تصوت ضدنا في الامم المتحدة، تتجاهل تهديدات قتل الشعب تجاه اسرائيل من جانب ايران، تمنح شهادات تميز لمنظمات مؤيدة للارهاب وتسمح بضخ الاموال لمحافل معادية لاسرائيل.

لقد وقعت المعركة الاخيرة  في هذا السياق مؤخرا حول زيارة نائب رئيس وزراء ايطاليا، متاو سلفيني الى اسرائيل. ايطاليا هي دولة هامة، بل وهامة جدا، لاصدقاء اسرائيل، وسلفيني يقف على رأس الحزب المتصدر في حكومتها. قبل بضعة اشهر غرد آنف الذكر بقول ما لموسوليني. يا آلهي! موسوليني في النظرة التاريخية كان بالتأكيد احد الاشرار، وان كان مقارنة بستالين مثلا (الذي يجلس ممثلوه الان في كنيست اسرائيل)، كان شاة بريئة. في اسرائيل كان من طرح مقاطعة سلفيني، ولكن العقل السليم تغلب على هذه الافكار الشوهاء ومرت الزيارة بنجاح.

مؤخرا، قررت “واشنطن بوست” ايضا على ما يبدو ان تساهم بشيء ما في الجدال. مراسلها الكبير للشؤون الدولية، ايشان تهرور، نشر تقريرا طويلا عن نزعة اسرائيل بقيادة نتنياهو لتعزيز علاقاتها بالذات مع دول الجناح المتطرف اليميني للعالم الغربي، ممن قرر بعضهم ايضا “نقل سفاراتهم الى القدس”. (والذي هو بالطبع خطيئة لا تغتفر في نظر الكاتب). وكانت مرفوضة على نحو خاص في نظره اقوال سلفيني التي وصفت حزب الله بالارهابيين ووقفت على العلاقة بين الاسلام المتطرف واللاسامية. يحرك “واشنطن بوست” وكذا وسائل اعلام يسارية اخرى في الولايات المتحدة وفي اوروبا بالطبع، مواقفهم السلبية تجاه ادارة ترامب التي تبرر علاقاتها الطيبة مع حكومة اسرائيل في نظرهم الانتقاد لاسرائيل في مواضيع اخرى ايضا.

خلاصة الامر، مثلما في كل موضوع، ولا سيما في الدبلوماسية، ينبغي رؤية الامور في توازنها الصحيح: الاعتبار السياسي بالفعل يجب أن يحسم، ولكن ليس بثمن التخلي عن المعارضة بلا هوادة لكل ظاهرة لاسامية، كما لا ينبغي السير بعيدا والتشويش بين المصالح السياسية وبين التماثل الايديولوجي مع حركات سياسية هي على اي حال لا تتوقع ذلك منا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى