ريسبونسيبل ستيتكرافت – صامويل راماني- إعادة تعيين سفير تركي لدى إسرائيل.. تقارب أم مناورة؟
ريسبونسيبل ستيتكرافت – صامويل راماني – 28/12/2020
في 9 ديسمبر/كانون الأول الجاري، أفاد موقع “المونيتور” أن تركيا تخطط لتعيين سفير جديد في إسرائيل هو “أوفوك أولوتاس” الذي يشغل منصب رئيس مركز البحوث الاستراتيجية بوزارة الخارجية التركية.
ويتحدث “أولوتاس” العبرية، وهو خريج الجامعة العبرية في القدس وهو واحد من المؤيدين بقوة لسياسات الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان”، كما عمل مديرا للأبحاث في مؤسسة “سيتا” المؤيدة للحكومة في أنقرة والمعروفة بتبني وجهات النظر المؤيدة جدا للفلسطينيين بشأن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
ويعد اقتراح تركيا تعيين أحد دبلوماسييها الواعدين كسفير في إسرائيل أمرا مثيرا للاهتمام، حيث إن العلاقات الثنائية بين تركيا وإسرائيل في أدنى مستوياتها تاريخيا.
ومع ذلك، فإن هذا التطور يعكس سياسة “أردوغان” ذات المسارين تجاه إسرائيل، وتميل هذه السياسة للتركيز على الخطاب المعادي لإسرائيل في الداخل فيما يحمي مصالح تركيا من أي تهديد إسرائيلي محتمل في الخارج.
وفي إطار محدد، صعّد “أردوغان” التوترات مع إسرائيل من خلال التعامل مع حركة “حماس” الفلسطينية وانتقاد إسرائيل في الأمم المتحدة كما وجه انتقادات حادة لاتفاقيات التطبيع الأخيرة بين إسرائيل وعدد من الدول العربية.
وبالرغم من ذلك، تريد تركيا توسيع علاقاتها التجارية مع إسرائيل وتفادي أي خطوات إسرائيلية عدوانية ضد طموحات أنقرة الجيوسياسية.
وفي بداية ولاية “أردوغان” كرئيس للوزراء عام 2003، كانت العلاقات التركية الإسرائيلية ودية، وبالرغم من مخاوف إسرائيل بشأن ميول “أردوغان” الإسلامية، أجرت إسرائيل وتركيا تدريبات عسكرية مشتركة.
وفي يناير/كانون الثاني 2005، التقى “أردوغان” رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك “موشيه كاتساف”، وشارك “كاتساف” قلقه بشأن البرنامج النووي الإيراني، وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2007، أصبح “شمعون بيريز” أول رئيس إسرائيلي يلقي كلمة أمام البرلمان التركي، الأمر الذي أكد متانة العلاقات التركية الإسرائيلية في ذلك الوقت.
وفيما يتعلق بفلسطين، انتقد “أردوغان” بشدة السياسات الإسرائيلية في بعض الأحيان، وشملت هذه الانتقادات وصف “أردوغان” لإسرائيل بأنها “دولة إرهابية” عام 2004، والإدانة الشديدة لاغتيال إسرائيل زعيم حماس الشيخ “أحمد ياسين”، ومع ذلك، أثرت هذه الخلافات بشكل عابر فقط علىالمسار الأوسع للعلاقات التركية الإسرائيلية.
ومع ضغط الرأي العام التركي ضد إسرائيل في أعقاب عملية الرصاص المصبوب، وهي حرب استمرت 3 أسابيع في الفترة 2008-2009 بين إسرائيل وحماس في قطاع غزة، أصبح موقف “أردوغان” المعادي لإسرائيل أكثر حدة، وتناسب تدهور العلاقات التركية الإسرائيلية مع المصالح الداخلية لـ”أردوغان” من ناحيتين.
أولا، سمح ذلك لـ”أردوغان” بإظهار تركيا في صورة الداعم الرئيسي للقضية الفلسطينية في الشرق الأوسط.
ثانيا، سمح لـ”أردوغان” بإلقاء اللوم على إسرائيل باعتبارها المحرض على الاضطرابات السياسية والضائقة الاقتصادية في تركيا.
وقد عززت هذه الخطابات المعادية لإسرائيل من الدعم المحلي لحزب العدالة والتنمية الذي يتزعمه “أردوغان”، وأظهر استطلاع أجرته مؤسسة “بيو ريسيرش” في ربيع عام 2014 أن 2% فقط من الأتراك لديهم رأي إيجابي تجاه إسرائيل، فيما ينظر 86% إلى إسرائيل بشكل سلبي.
وأظهر استطلاع أجرته جامعة “إسطنبول بيلجي” عام 2018 أن 14% من الأتراك يعتبرون إسرائيل أكبر تهديد للأمن القومي لتركيا، وكانت ثاني أعلى رقم بعد الولايات المتحدة.
وقد تعزز تحول تركيا نحو الموقف النشط المؤيد للفلسطينيين في أعقاب الغارة الإسرائيلية على سفينة مرمرة التركية، التي كانت في طريقها لكسر الحصار على غزة، في مايو/أيار 2010. ووصف “أردوغان” قتل إسرائيل لـ10 من عمال الإغاثة الأتراك بأنه “عمل غير إنساني وإرهاب دولة”.
وفي سبتمبر/أيلول 2011، طردت تركيا السفير الإسرائيلي لديها حتى اعتذر رئيس الوزراء “بنيامين نتنياهو” عن الحادث، وعندما تم حل النزاع أخيرا في يونيو/حزيران 2016، اضطلعت تركيا بدور أكبر في التنمية الاقتصادية لقطاع غزة، وتعهدت ببناء مشاريع البنية التحتية في القطاع المحاصر.
ودفع توسع العلاقات غير الرسمية بين إسرائيل ودول الخليج العربية، مثل السعودية والإمارات، تركيا إلى تصعيد نشاطها المؤيد للفلسطينيين، وفي ديسمبر/كانون الأول 2017، حث “أردوغان” الدول الإسلامية على الاعتراف بالقدس عاصمة لفلسطين، وتعهد بفتح سفارة تركية في القدس الشرقية.
كما وسعت تركيا مشاركتها في محادثات المصالحة الفلسطينية، والتي تضمنت استضافة تجمع لممثلي “حماس” و”فتح” في 22 سبتمبر/أيلول، وكذلك أكد “أردوغان” أن تركيا لن تسمح لإسرائيل بضم الضفة الغربية، بالرغم أن أنقرة لن تكون قادرة على ردع توسع إسرائيل على الأرجح.
وبالإضافة إلى تسليط الضوء على دعمه للقضية الفلسطينية، حشد حزب “العدالة والتنمية” الرأي العام التركي ضد التهديد الإسرائيلي للاستقرار الداخلي، وفي احتجاجات “حديقة جيزي” عام 2013 ألقى نائب رئيس الوزراء التركي، “بشير أتالاي”، باللوم على التواطؤ بين “يهود الشتات” ووسائل الإعلام الأجنبية.
واتهم ناشطون مؤيدون لحزب “العدالة والتنمية” إسرائيل بالتعاون مع الولايات المتحدة والمملكة المتحدة في التحريض على محاولة الانقلاب التركية عام 2016، ووصفوا “فتح الله غولن” بأنه “بيدق” بيد هذه القوى الأجنبية.
ونقلا عن تعليقات عام 2018 من الأكاديمي بجامعة “بار إيلان” “إيدي كوهين”، تتهم وسائل الإعلام التركية بانتظام “اللوبي اليهودي” بالتسبب في تخفيض قيمة الليرة، وقد أشار “أردوغان” بشكل غير مباشر إلى “لوبي معدل الفائدة” في الخطب العامة.
وفي حين أن مواقف “أردوغان” المناهضة لإسرائيل تتماشى مع الرأي العام التركي وتعزز الدعم المحلي لحزب “العدالة والتنمية”، فقد تسبب ذلك في قلق داخل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية.
وفي وقت سابق من هذا العام، ورد أن رئيس الموساد “يوسي كوهين” أخبر مسؤولي الاستخبارات في مصر والسعودية والإمارات أن “القوة الإيرانية هشة، لكن التهديد الحقيقي يأتي من تركيا”.
وتأكدت مخاوف إسرائيل من سلوك “أردوغان” من خلال تقييم الجيش الإسرائيلي لتركيا للمرة الأولى على أنها “تهديد حقيقي” في يناير/كانون الثاني 2020، كما تتهم إسرائيل السلطات التركية بتسهيل العمل لـ”حماس” من أجل شن هجمات إلكترونية وعمليات التجسس المضاد.
وبالمثل، تنظر تركيا إلى إسرائيل على أنها تهديد استراتيجي متنامٍ، وقالت الكاتبة التركية البارزة “ميرف سيبنم أوروك”، في عمود بتاريخ 20 أغسطس/آب لصحيفة “ديلي صباح”، إن تطبيع الإمارات مع إسرائيل يستهدف تركيا.
وأكدت “أوروك” أن كلا من إسرائيل والإمارات قد انحازتا ضد الجهود التركية لدعم الديمقراطية في الشرق الأوسط منذ الربيع العربي، وكان اتفاق إسرائيل في 13 نوفمبر/تشرين الثاني لتعزيز التعاون الأمني الثلاثي مع اليونان وقبرص مثالا على رغبتها في تقييد النفوذ التركي في شرق البحر المتوسط.
ولا تناسب حالة التنافس الجيوستراتيجي المطولة بين تركيا وإسرائيل مصالح أنقرة، لأنها تعرّض الصفقات التجارية المربحة للخطر، وتزيد من الضغط على القدرات العسكرية لتركيا في شرق البحر المتوسط.
وفي شهر مايو/أيار، أعرب مجلس الأعمال التركي الإسرائيلي عن تفاؤله بشأن زيادة التجارة الثنائية في أعقاب جائحة “كوفيد-19”.
وتوسعت صادرات الأطعمة والمشروبات التركية إلى إسرائيل في عام 2020، وتتنافس تركيا والإمارات أيضا على الاستحواذ على ميناء حيفا، حيث تتصادم مجموعة “يلدريم” التركية مع منافس إماراتي على عقد أحواض بناء السفن الإسرائيلية.
بالإضافة إلى ذلك، بما أن الجيش التركي ينفذ عمليات عسكرية في شمال سوريا وليبيا، فضلا عن المهام القتالية المحتملة في العراق وناغورني قره باغ، فإنه لا يمكنه تحمل مواجهة القدرات العسكرية الإسرائيلية في شرق البحر المتوسط.
ونظرا لأن “أردوغان” يريد أن يتجاوز حجم التجارة بين تركيا وإسرائيل ذروة 6.2 مليار دولار التي تم تحقيقها في عام 2018، ومنع الجيش التركي من العمل فوق طاقته، فإن تعيين “أولوتاس” المحتمل كسفير يفيد مصالح تركيا.
وبسبب انعدام الثقة المستمر بين تركيا وإسرائيل، فمن الخطأ الاعتقاد أن العلاقات الثنائية التعاونية ستعود مثلما كانت عليه في الأعوام الأولى لـ”أردوغان” في السلطة، ومع ذلك، تشير التطورات الأخيرة إلى أن هناك رغبة حقيقية في تهدئة التوترات التركية الإسرائيلية في عام 2021.