أقلام وأراء

رياض قهوجي يكتب – المفاوضات بين طهران وواشنطن بين عقد الانتخابات الإيرانيّة وسيادة دول عربيّة

رياض قهوجي  *- 11/2/2021    

من يبدأ الخطوة الأولى في رحلة الألف ميل للتوصل الى اتفاق أميركي – إيراني جديد، ومن سيدفع الثمن خلال مرحلة بناء الثقة وبعدها؟ سؤالانيفرضان نفسيهما أمام مشهد ضبابي تسوده الفوضى على جبهات إقليمية ودولية عدة. وتتحدث المصادر في عواصم القرار الغربية عن جهود واتصالات خلف الكواليس لإعادة أقنية التواصل بين طهران وواشنطن، والتي كانت قد انقطعت خلال رئاسة الرئيس دونالد ترامب. وفيما يبدي مسؤولو الإدارة الأميركية الجديدة حماسة لاستئناف المفاوضات لإحياء الاتفاق الجديد والبناء عليه للتوصل الى اتفاقية تشمل مواضيع الصواريخ البالستية وسياسة إيران الإقليمية، لا يبدي المسؤولون الإيرانيون حماسة كبيرة. قد يكون ذلك جزءاً من التكتيك الإيراني لجس نبض حماسة إدارة الرئيس جو بايدن الجديدة ونوع التنازلات التي يمكن أن تقدمها. فالعقوبات الأميركية على إيران مؤلمة وتزيد يومياً من حجم معاناة النظام.

لكن الوضع الداخلي الإيراني اليوم منشغل بالانتخابات الرئاسية التي ستشهدها الجمهورية الإسلامية في شهر حزيران (يونيو) المقبل. يبدو أن حظوظ التيار المتشدد أفضل من ذي قبل، وقد تشهد إيران تحولاً دراماتيكياً يؤدي الى خروج الرئيس حسن روحاني ووزير خارجيته محمد جواد ظريف من السلطة ودخول لاعبين جدد، ما قد يعقّد ويصعّب فرص المفاوضات مع أميركا. فلقد أحدث تراجع أميركا عن الاتفاق النووي الذي وقع عام 2015، إحراجاً كبيراً للرئيس روحاني الذي خرج أخيراً مدافعاً عن المحادثات مع “الشيطان الأكبر” وتوقيع اتفاق مع “أعداء إيران”. فحجم التصعيد الخطابي والإعلامي ضد أميركا خلال إدارة ترامب قد يؤدي الى هزيمة روحاني ودخول أحد مرشحي الحرس الثوري الإيراني مكتب الرئاسة، ما سيبقي أجواء التوتر قائمة لفترة طويلة.

قد تشكل الانتخابات الإيرانية وإمكان عودة المتشددين عاملاً إضافياً ضاغطاً للمتحمسين داخل إدارة بايدن للتسريع باستئناف المفاوضات مع طهران. أما بالنسبة الى الحذرين في إدارة بايدن، فقد تكون عاملاً لعدم التسرع والانتظار لمعرفة من سيكون الرئيس المقبل للبناء على ذلك. فمن أجل اسئناف المفاوضات يجب على الطرفين الإقدام على خطوات ومبادرات لبناء الثقة تسهل العودة لطاولة المباحثات. وتكون هذه الخطوات مثل الإفراج عن مسجونين لدى الطرفين، أو تسهيلات اقتصادية مثل منح قرض من صندوق النقد الدولي لإيران، أو تسهيل تشكيل حكومة في لبنان أو التوصل الى اتفاق هدنة في اليمن، وغيرها من الملفات والأوراق بيد الجانبين. والتساؤل هنا لدى بعض الجهات الأميركية عن جدوى بدء التفاوض مع حكومة قد لا تبقى في السلطة بعد أربعة أشهر. فهل حكومة روحاني قادرة على تقديم أي نوع من المبادرات والتنازلات في هذه الفترة الحرجة انتخابياً؟ وهل يمكن استئناف ما يمكن أن تبدأ به حكومة روحاني مع حكومة تحت رئيس جديد؟

الكثير من التساؤلات من دون إجابات، أقله واضحة ومبنية على اليقين. فصاحب القرار في النظام الإيراني هو المرشد الأعلى علي الخامنئي. إنما هو أيضاً يتناغم مع مراكز القوى داخل إيران ومع ما قد تتطلبه الظروف لضمان استمرارية بقاء النظام. فالتجربة التي مر بها النظام بين إدارتي الرئيس باراك أوباما التي كانت منفتحة على إيران ووقّعت الاتفاق النووي معها، وإدارة ترامب المتشددة التي ألغت الاتفاق – وكله خلال فترة ثلاث سنوات – لا شك بأنها ستؤثر كثيراً في قرار خامنئي والمسؤولين الإيرانيين بما يخص التفاوض مع أميركا وآليته وأهدافه. فبرغم كل شيء، لا تستطيع إيران أن تتجاهل أميركا ومدى تأثير العقوبات فيها. فهي بحاجة لإنهاء هذه العقوبات في أقرب فرصة ممكنة مع أقل حجم من الخسائر والتنازلات. لكن هل الظروف الحالية تسمح بذلك من دون الإضرار بالرصيد السياسي للمسؤولين في طهران؟

المطلوب من أميركا بالنسبة الى إيران هو واضح ويختصره المسؤولون الإيرانيون بموضوع رفع العقوبات، وعليه فإن ما يتوقع أن يراه المجتمع الدولي من واشنطن في مرحلة ما هي خطوات تتمثل برفع جزئي وتدريجي لبعض العقوبات قبل المفاوضات وخلالها وبعدها. أما ما الأشياء المطلوبة من إيران من جانب أميركا وحلفائها فهي كثيرة وكثيرة جداً، تبدأ من ملف اليمن ومن ثم العراق فسوريا فـ”حزب الله” في لبنان، بالإضافة الى الموضوعين الأساسيين بالنسبة الى واشنطن وتل أبيب، وهما البرنامج النووي والصواريخ البالستية. وما يطالب به ويتمناه الجانب الأميركي (والحلفاء) قد يختلف كثيراً عما يفكر الجانب الإيراني بتقديمه، أو ما يسمّيه تنازلات.

فعلى سبيل المثال لا الحصر، هناك جهود ومطالب أميركية وغربية وعربية ومن جهات لبنانية بنزع سلاح “حزب الله” في لبنان، حيث الدولة في حالة انهيار شبه تام. فهل يمكن لطهران أن تتخلى عن التنظيم الذي ساعدها على بناء نفوذ في العالم العربي يمتد من اليمن الى العراق وسوريا ويعتبر الأداة الأقوى لتهديد إسرائيل وابتزازها؟ طبعاً من المستبعد جداً حصول ذلك من دون تغيير جذري في النظام الإيراني أو حدوث هزيمة استراتيجية كبيرة لإيران في المنطقة. فجل ما قد تقدمه إيران هو الضغط على “حزب الله” لتسهيل تشكيل حكومة في لبنان والسماح للدولة اللبنانية بالوجود وممارسة مهامها السيادية بحدها الأدنى. والأمر عينه في العراق حيث من المستبعد جداً أن تتخلى إيران عن دعم ميليشيات الحشد الشعبي التي توفر لها نفوذاً في دولة حاربت يوماً ما ضدها حرباً ضروساً لثماني سنوات. فأكثر ما يمكن أن تقدمه إيران هو تسهيل وجود حكومة فاعلة تتمثل فيها قوى مدعومة من دول عربية والغرب.

وبناءً عليه، فإن إيران ستكون الرابح الأكبر في أي مفاوضات مستقبلية مع أميركا عندما تستأنف. فهي لن تقدم تنازلات “من جيبها” بل مما تملكه من سيادة الدول العربية التي تسيطر عليها اليوم عبر ميليشياتها. فلقد باتت هذه القوى متجذرة في الدول الموجودة فيها ولا يمكن اقتلاعها من دون حرب أو حروب داخلية وجهود دولية جبارة. ولا يبدو أن واشنطن مهتمة جدياً بإنهاء هذا الواقع الذي نشأ وكبر خلال مراحل وجود إدارات أميركية للجمهوريين والديموقراطيين. وحتى أوروبا لم تبادر جدياً لوقف إيران وثنيها عن الاستمرار بهذه السياسة التوسعية. والأمر نفسه ينطبق على الصين وروسيا. وبالتالي، فإن الدول العربية اليوم هي وحيدة بمواجهة هذا التمدد الإيراني والذي يتطلب إعادة تموضع وخططاً وسبلاً جديدة للتعامل معه. ولقد بات جلياً، بناءً على التطورات التي شهدتها المنطقة خلال الأشهر الماضية، أن هناك مساراً بدأته بعض الدول العربية يعيد رسم خريطة التحالفات في المنطقة بشكل تظهر فيه إيران كمصدر التهديد الرئيسي الى جانب التنظيمات الإرهابية مثل “داعش” و”القاعدة”. ولا يمكن لإدارة الرئيس بايدن تجاهل هذه التطورات، لا قبل التفاوض مع إيران ولا خلاله. ولا يمكن الاستمرار بتجنب الحلول الجذرية للمشكلات الإقليمية والاكتفاء بحلول مرحلية لتمرير صفقات ما، لأن هذا الواقع يدفع بالأمور يوماً بعد يوم نحو الانفجار الكبير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى