رياض قهوجى: الردّ الإيراني: نجاح للرّدع وهزالة للنتائج الميدانيّة وتثبيت التّفوق الإسرائيلي وآفاق التّصعيد
رياض قهوجى 15-4-2024: الردّ الإيراني: نجاح للرّدع وهزالة للنتائج الميدانيّة وتثبيت التّفوق الإسرائيلي وآفاق التّصعيد
وردت إيران بعد طول انتظار ووجهت أول ضربة مباشرة من أراضيها ضد إسرائيل منذ ولادة الدولة العبرية. فحتى تاريخ 13 نيسان (أبريل)، كانت طهران تحارب إسرائيل وتستهدفها عبر وكلائها في المنطقة. ورغم ضربات إسرائيل المتكررة لقيادات الحرس الثوري الإيراني وقواعده في سوريا على مدى السنوات الماضية، كانت إيران تلجأ دائماً إلى الرد بواسطة ميليشياتها في محور الممانعة.
وبعدما اعتبرت القيادة الإيرانية أن استهداف قنصليتها هو اعتداء مباشر على سيادتها، وجدت نفسها محشورة ومضطرة للرد مباشرة من أجل الحفاظ على هيبة ردعها وإظهار نفسها أمام دول الجوار عامة وأعضاء محور الممانعة خاصة كقوة إقليمية لها قدرات عسكرية كبيرة. ويمكن القول إن طهران تمكنت من تحقيق هذين الهدفين. لكنها في الوقت عينه كشفت عن أماكن ضعف وقوة في قدراتها ستؤثر حتماً على التعاطي الإسرائيلي والإقليمي والدولي معها في المرحلة المقبلة.
أهم ما كشفه الهجوم الإيراني مدى القلق الدولي والإقليمي من تداعيات حرب إقليمية. فالحرب النفسية التي كانت تمارسها إيران على تل أبيب لم تؤثر على إسرائيل فحسب، بل أثرت على غالبية القوى الدولية التي سعت لمنع الهجوم أو الحد من زخمه والتحضير لاستيعاب تبعاته منعاً لتطوره. فالوضع الاقتصادي العالمي لا يتحمل حرباً كبيرة في الشرق الأوسط، بخاصة في المنطقة الغنية بالنفط والغاز نظراً إلى آثارها على الأسواق العالمية.
وأظهرت المواجهات العسكرية الأخيرة أن إسرائيل، بفضل الدعم الأميركي – الغربي غير المحدود، لا تزال الدولة الأقوى عسكرياً في المنطقة. فلقد تمكنت شبكة دفاعها الجوية والتي تعتبر الأكثر تطوراً عالمياً من صد المسيرات والصواريخ الجوالة التي أطلقتها إيران والتي بلغ عددها مجتمعة نحو مئتين. بل إن جزءاً كبيراً منها أسقطته المقاتلات الأميركية والبريطانية والإسرائيلية فوق الأراضي السورية والعراقية، بينما تكفلت منظومات إسرائيل للدفاع الجوي مثل القبة الحديدية ومقلاع داوود من تولي أمر ما وصل منها إلى أجواء إسرائيل. أما الصواريخ البالستية التي أطلقتها إيران والتي قدر عددها بحوالى 110 صواريخ فقد تمكنت منظومات أرو-3 الإسرائيلية بمساندة منظومات الباتريوت الأميركية من تدمير 103 منها بالجو، فيما سقط فقط سبعة صواريخ في داخل قاعدة جوية إسرائيلية ومحيطها في صحراء النقب مخلفة أضراراً مادية خفيفة ولم تؤد إلى إغلاق القاعدة. لم يسقط أي إصابات ولا خسائر في البنية التحتية والعتاد الإسرائيلي رغم ضخامة الرد الإيراني، والذي ترافق مع قصف صاروخي من جانب “حزب الله” في لبنان.
لا بد من أن القيادات العسكرية والسياسية الإيرانية أدركت بوضوح محدودية قدراتها أمام التقدم التكنولوجي العسكري الأميركي-الإسرائيلي. فأفضل مسيراتها وأشهرها وهي شاهد-136، لم تصب أي هدف، كما حال صواريخها الجوالة. كما أن صواريخها البالستية البعيدة المدى مثل شهاب-3 وخيبر وغيرها تم اعتراض أكثر من 90 في المئة منها. فعدد كبير من القيادات الإيرانية لم يشهد نتائج جهد عسكري أميركي-إسرائيلي مشترك ميدانياً، وهذه فرصة لها لإعادة حساباتها. يبقى أن نرى في وقت ما فعالية ما تتغنى به إيران من امتلاكها منظومة دفاع جوي مكونة بمعظمها من صواريخ مصنعة محلياً وهي نتاج هندسة عكسية لصواريخ صينية أو روسية مثل اس-300. فإذا ما قررت إسرائيل الرد فهي تستطيع أن تقصف إيران بصواريخ بالستية متقدمة طراز أريحا-3 وصواريخ جوالة طراز بوباي يمكن إطلاقها من طائرات حربية أو غواصات الدولفن-2 الألمانية الصنع والتي تملك إسرائيل خمساً منها ويصل مداها حتى 1500 كلم. كما أن إسرائيل تملك أسراباً من مقاتلات الجيل الخامس الشبحية طراز اف-35 ومقاتلات إف-15 وإف-16 مخصصة للعمليات البعيدة والتي يمكنها ضرب العمق الإيراني إذا ما تأمن لها التزود بالوقود جواً.
السؤال الذي سيناقش في إسرائيل في الأيام المقبلة هو: هل يجب أن ترد إسرائيل رغم الضغط الأميركي بتجنب الرد على إيران منعاً للتصعيد؟ فهناك انقسام في الآراء حيث يدعو البعض رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى عدم التحرك ضد تمنيات الشريك الأميركي حفاظاً على دعمه المهم لأمن إسرائيل واستمرار تفوقها العسكري في الشرق الأوسط. ويعتبر هذا المعسكر أن الرد الإيراني كان هزيلاً وفشل في تدمير أي أهداف عسكرية في إسرائيل، وبالتالي لا يستأهل الرد. أما المعسكر الآخر والذي يقوده اليمين المتشدد وبعض الجنرالات، فيعتبر أن عدم الرد سيضر بهيبة الردع الإسرائيلي ويشجع إيران وحلفاءها على التمادي في استهداف إسرائيل. كما يعتقد هذا الطرف أن عدم الرد سيخلق قواعد اشتباك جديدة تعتبر فيها إيران أي استهداف لقيادات الحرس الثوري في سوريا ولبنان مبرراً لقصف الأراضي الإسرائيلية مباشرة.
قد تقرر القيادة الإسرائيلية ممارسة اللعبة الإيرانية، أي أن تحتفظ بحق الرد وتتوعد به لممارسة حرب نفسية ضد إيران لفترة من الزمن قبل أن تقرر شكل الرد وآليته أو للحصول على تنازلات من محور الممانعة ولاعبين إقليميين ودوليين. وقد تجد في ما حصل فرصة لتصعد من حجم عملياتها ضد “حزب الله” والتركيز أكثر على الجبهة مع لبنان. فقد شهدت هذه الجبهة سخونة إضافية في الأيام الأخيرة مع تراجع حجم العمليات على جبهة قطاع غزة، ما يؤشر لاستعداد حكومة الحرب الإسرائيلية لإمكان التفرغ لحسم الوضع على الجبهة الشمالية. وقد تساهم نتائج الهجوم الإيراني الهزيلة عسكرياً من ناحية النتائج الميدانية في إقناع طهران بالبقاء بعيداً وعدم التدخل المباشر لنجدة “حزب الله” إذا ما شنت إسرائيل عملية عسكرية كبيرة لإضعافه في لبنان وسوريا.
وشكلت التهديدات التي وجهتها إيران للأردن بعدم تدخله في هجومها على إسرائيل فرصة للمراقبين لمعرفة التعقيدات الجيوسياسية في المنطقة، والتي تجعلها عرضة للانزلاق إلى حرب إقليمية ما لم تنته حرب غزة. فالأردن، بعكس العراق، مارس حقه السيادي ضمن القانون الدولي في الدفاع عن أجوائه وتصدى للمسيرات الإيرانية التي حلقت في أجوائه. فلقد اعتادت إيران على انتهاك أجواء الدول التي تضم ميليشيات محور الممانعة من دون أن تقول حكومات هذه الدول أي شيء. وهددت إيران بمعاقبة أي من دول الجوار تسمح لإسرائيل وأميركا باستخدام أجوائها لضرب أراضيها. تجدر الإشارة إلى أن المقاتلات والقاذفات الأميركية تستطيع توجيه ضربات لإيران انطلاقاًمن قواعد خارج الشرق الأوسط. أما إسرائيل فقدرات مقاتلاتها محدودة في العمليات الطويلة المدى من دون دعم لوجستي غربي. لذلك، فإن كل محاولة من قبل إيران أو إسرائيل لاستهداف الآخر ستواجه مشكلة تحليق مسيراته وطائراته وصواريخه الجوالة في أجواء دول الجوار، الأمر الذي سيؤدي لتوسع دائرة الحرب إقليمياً.
أهم ما حققه نتنياهو في مواجهته الأخيرة مع إيران هو صرف انتباه المجتمع الدولي عن حرب غزة والمأساة الإنسانية المتفاقمة هناك ومن تنكيل في الفلسطينيين في الضفة الغربية أيضاً. وبات واضحاً أن نتنياهو المتسلح بتأييد غالبية الإسرائيليين للاستمرار في الحرب ضد “حماس”، يؤخر الحسم في غزة لمصلحة توسيع الحرب على جبهات أخرى من أجل شراء الوقت والبقاء فترة أطول في السلطة. كما تسعى طهران لتحقيق مكاسب إقليمية أخرى عبر سياسة توحيد الساحات، التي يبدو أنها قد تضم ساحاتها قريباً، لتكون المرة الأولى منذ تأسيس ما يعرف بمحور الممانعة.