رونين بيرغمن : حكام الارشيفات – التاريخ يعود لنا جميعا
بقلم: رونين بيرغمن، يديعوت 7/10/2018
قرر رئيس الوزراء التمديد بعشرين سنة لزمن الكشف عن الوثائق المتعلقة بأمن الدولة، وايصال المدة الى تسعين سنة. هذا قرار بائس، عديم المنطق، يمس بحرية المعلومات وحرية التعبير. مؤسفة بقدر لا يقل حقيقة أن نتنياهو لم يتخذ القرار وحده. فقد استجاب لتوصية جهاز الامن، التي تجد اسنادا لها من وزارة العدل.
تبدأ القصة بالتماس رفعته “يديعوت احرونوت” والموقع أدناه في 2007 ضد قادة جهاز الامن، أسرة الاستخبارات وديوان رئيس الوزراء بعد أن رفضت كل هذه الجهات الاستجابة لطلبات الكشف وخرقها قانون الارشيف.
من يتحكم بالماضي يتحكم بالحاضر، وربما بالمستقبل ايضا. وكان قادة جهاز الامن فهموا هذا المبدأ، وأقاموا لأنفسهم ارشيفات مغلقة، سرية ومنقطعة عن أرشيف الدولة: ارشيف وزارة الدفاع، ارشيف شعبة الاستخبارات، ارشيف لجنة الطاقة الذرية، ارشيف الموساد، ارشيف الشباك. كل هذا تم بخلاف القانون، وفي ظل انعدام أي صلاحيات أو موطيء قدم للمسؤول عن ارشيف الدولة الذي يفترض به أن يراقب ما يجري فيها. في هذا الوضع لا يحصل فقط أن المادة التي يفترض أن تحرر لاطلاع الجمهور لا تصل الى هناك أبدا، بل إن قادة الارشيفات قرروا بناء على موقفهم هم أنفسهم ماذا ومتى وكيف يبيدون المادة وكيف يصممون تاريخ دولة اسرائيل.لا يدور الحديث هنا عن موضوع هامشي. فهذه الارشيفات تتضمن مئات الكيلومترات من الصناديق، التي تضم مادة ارشيفية ذات اهمية غير مسبوقة، والكفاح في سبيل الحفاظ عليها وكشفها للجمهور هام ليس فقط لباحثي الاكاديميا والصحفيين، بل لكل من يعد حفظ التاريخ وارث الدولة وفهمهما هاما لهم.
في الالتماس الذي رفعه المحامي ميبي موزار، قيل إن اسرة الاستخبارات وجهاز الامن لا ينقلون، بخلاف القانون، أي مادة لديهم الى ارشيف الدولة، بما في ذلك المادة التي ليس لهم فيها أي استخدام قائم. ارشيف الدولة من جهته، لا يراقب الارشيفات “الخاصة” هذه. ورجال اسرة الاستخبارات يمنعون حتى نقل سجلات وضعت عندهم، ارسلت الى جهات اخرى (مثل وزارة الخارجية) ولاحقا نقلت الى ارشيف الدولة. بكلمات اخرى، محظور على ارشيف الدولة أن يفكر اذا كان مسموحا أم ممنوعا أن يكشف للجمهور كل وثيقة تحمل شعار الشباك مثلا. فحسب القانون، فان المادة الارشيفية العادية تكشف للجمهور بعد ثلاثين سنة، أما المادة الامنية فيفترض أن تكشف للجمهور بعد خمسين سنة، تبعا لامكانية ابقاء اجزاء منها سرية. غير أن اذرع اسرة الاستخبارات لم تبدأ على الاطلاق بعملية تصنيف السجلات التي تشكلت بعد اقامة الدولة وسنواتها الاولى.
الدولة، التي لم تنف أنها تخرق القانون، وصلت عندها الى المحكمة وأعلنت بأنها ستغير القانون – تعلن عن الارشيفات المنفصلة لدى جهاز الامن كقانونية بأثر رجعي، تجعلها وحدات سند لارشيف الدولة وتزيد مدة الكشف من خمسين الى سبعين سنة. “لا تقلق، حين نصل الى السبعين سنزيد الزمن الى مئة سنة”، قال لي مسؤول كبير في اسرة الاستخبارات بابتسامة شماتة. “أنت لن ترى هذه المادة أبدا”. وادعى: مددوا الفترة الى تسعين وليس الى مئة سنة. أما الدولة فوعدت في ذاك النقاش بأنها سترفع للمحكمة تفصيلا حول الرقابة التي سيفرضها ارشيف الدولة على الارشيفات الخاصة وسيتقرر نظام لتحرير تدريجي لوثائق قديمة. هذا لم يحصل. بل إن الدولة لم تستجب للتوجهات وللاستيضاحات في هذا الشأن.
فضلا عن الفضيحة الادارية يوجد هنا موضوع مبدئي: هذه الوثائق هي ملك الجمهور. فهي لا تعود لهذه الجهة الامنية أو تلك، التي ترغب في الاحتفاظ بها حصريا – سواء بسبب الكسل وعدم الرغبة في استثمار المقدرات، بل لماذا ينبغي ومن يهمه هذا؛ سواء لمنع نشر تفاصيل محرجة وقضايا سلبية، أم بسبب “ثقافة السر” لجهاز الامن الاسرائيلي.
من الصعب التصديق بأنه توجد اسرار حقيقية في المواد من السنوات الاولى للدولة. واذا كانت توجد – فيمكن شطبها وتحرير الباقي. حتى اذا لم تكن كل الوثائق ترسم اسرائيل بضوء ايجابي، من الواجب نشرها. هكذا هو الحال في الديمقراطية. خسارة أن رئيس الوزراء استسلم بسهولة شديدة لتوصيات رجال جهاز الامن، ممن لا يريدون جدا أن يودعوا الأوراق السرية. مشوق أن نعرف ماذا كان أبوه المؤرخ سيقول.