رونين بيرغمن / أزمة الثقة
يديعوت – بقلم رونين بيرغمن – 3/6/2018
هل كان أم لم يكن أمر من رئيس الوزراء بالتنصت على رئيس الموساد ورئيس الاركان؟ هذا السؤال يعصف بالجمهور وبالساحة السياسية منذ نشر لاول مرة النبأ في برنامج “عوفدا” يوم الخميس الماضي.
بداية ينبغي القول – لا توجد هنا قضية ووترغيت. فنتنياهو كرئيس وزراء مخول بان يأمر بالتنصت على مواطنين اسرائيليين (تبعا للتشاور مع المستشار القانوني للحكومة) لفترة بضعة اشهر، واستئناف الامر في كل مرة من جديد.
في خلال سنتي 2012 و 2013 استعد جهاز الامن لمشروع كبير وسري تطلب استثمارا كبيرا في القوى البشرية والمال. وكان لبعض من هذا المشروع شركاء سر كثيرون، ولكن لكله ولمعانيه – بضع عشرات فقط.
نتنياهو خشي جدا من كشف المشروع لدرجة أنه اخفاه حتى تقريبا عن كل وزراء الحكومة والنواب، بمن في ذلك معظم اعضاء اللجنة الفرعية للخدمات السرية، الذين يفترض بهم أن يطلعوا على كل مادة سرية في الدولة. ومن اجل نقل الميزانية عين عضوين كشريكي سر وكذا مفوض عنه في وزارة المالية. ووفقا لمصدر مطلع – ليس كل تحويل مالي كان يمكن أن يقر بهذه الطريقة – ولهذا فالامر الاول الذي فعله نتنياهو كوزير للمالية، بعد أن اقال لبيد واستلم منصب وزير المالية، هو التوقيع على تحويل الميزانية موضع الحديث.
بالتوازي مع هذه الامور، اشتد في 2013 خوف نتنياهو من التجسس الاجنبي في اسرائيل وبدأ يأمر باتخاذ وسائل متطرفة اكثر فأكثر لمنعه. وحسب مصدر عني بالحراسة حول رئيس الوزراء، أمر نتنياهو بقطع كل بيت رئيس الوزراء عن الربط بالكوابل في اثناء جلسات حساسة عنده، خشية أن تستخدم هذه لتسلل الكتروني أجنبي. اضافة الى ذلك، أمر باقامة ستار مادي في مناطق هبطت فيها قافلته، كي لا تتمكن الاقمار الصناعية من معرفة أي يوجد. “لقد كان نتنياهو مقتنع بانهم يتجسسون عليه بكل الوسائل وفي كل زاوية”، يقول مصدر كبير سابق في المخابرات.
لقد خشي نتنياهو جدا من التسريبات عن المشروع الخاص ولهذا فقد عقد في 2013 جلسة مع المستشار القانوني للحكومة، رئيس المخابرات وجهات اخرى، طلب فيها فحص امكانية اصدار تعليمات بخطوات خطيرة على نحو خاص كي يتأكد من الا يكون تسريب للمعلومات من المشروع. وجاءت هذه الامور على خلفية أزمة ثقة خطيرة بين نتنياهو وبين محافل في جهاز الامن.
في هذا اللقاء طلب نتنياهو من رئيس المخابرات كوهن فرض رقابة ومتابعة، بما في ذلك التنصت، على كل مشاركي السر في المشروع. لم يقل صراحة انه يطلب متابعة رئيس الاركان غانتس ورئيس الموساد باردو، ولكنهما بالتأكيد كانا في رأس قائمة شركاء السر. ليس واضحا اذا كانت القائمة التي طلبها نتنياهو كأهداف للمتابعة والتنصت تضمنت ايضا الوزراء الذين كانوا شركاء سر في المشروع. وعليه فهذا موضوع حساس ومركب جدا. كوهن اعرب عن معارضته للامور لاسباب مختلفة ولهذا فقد نقل الموضوع الى عناية المسؤول عن الامن في جهاز الامن. في نهاية المطاف نال الموضوع عناية طفيفة للغاية اذا كان نالها على الاطلاق. ومن حيث جوهر الامر من المهم الملاحظة بان وجود المشروع لم يتسرب ابدا.
في اعقاب العاصفة الكبرى نشر يوم الجمعة رئيس المخابرات في فترة القضية يورام كوهن بيانا جاء فيه ان “”المنشورات في وسائل الاعلام عن تعليمات رئيس الوزراء التي يزعم أنها صدرت لي حين كنت رئيسا للمخابرات – في التنصت بشكل محدد على هواتف رئيس الاركان غانتس ورئيس الموساد باردو – ليست صحيحة”.
يختلف هذا البيان عما اقتبس على لسان مقربي كوهن صباح يوم الجمعة، حيث جرى الحديث عن النفي التام. في البيان الثاني ينبغي الانتباه لما كتبه كوهن، الكلمة “بشكل محدد”، وكذا لما لم يكتبه – بانه تلقى أمرا من نتنياهو بالتنصت، وانه عارض تنفيذه.
تمير باردو قال لـ “يديعوت احرونوت” امس انه “على مدى خمس سنواته كرئيس للموساد، لم يبد رئيس الوزراء ولم يعرب في أي مرحلة عن عدم الثقة. بل العكس، تحدثت معه بانفتاح كامل عن كل شيء، امامه وامام الكابنت”.
في كل الاحوال يدور الحديث عن حدث استثنائي: رئيس الوزراء يأمر بفرض رقابة على مجموعة اشخاص يحظون بالثقة الكبيرة من جهة اسرة الاستخبارات، جهاز الامن والقيادة السياسية. وهم لا يحظون بهذه الثقة بين الحين والاخر، بل كل يوم وكل ساعة، ولهم صلة بالامور الحساسة كل الوقت اذا كان نتنياهو لا يثق بهم – فقد كان عليه أن يأمر بتحقيق عميق، فوري، ويبعثهم جميعا الى آلة الكذب.
لم تحصل الامور هكذا عبثا في 2013 بل نبتت على ارض سامة جدا منذ بداية ولاية نتنياهو. في الخلفية كان الاخفاق الذي نسب للموساد في دبي واحتدام الخلاف بين نتنياهو ودغان بشأن امكانية الهجوم في ايران. وعلى المستوى الشخصي، فان نتنياهو ودغان ببساطة لم ينسجما. كما أن علاقات رئيس الوزراء مع باقي رؤساء اسرة الاستخبارات كانت اشكالية. ويستعيد مستشار الامن القومي، عوزي اراد الذاكرة فيقول ان “نتنياهو لا يثق باحد وبالتالي اتخذ خطوات دبلوماسية سرية ولم يبلغ رؤساء الاسرة. ومن لحظة الى لحظة رأيت كيف تنفتح هوة عدم ثقه بينه وبينهم”.
ليست هذه هي المرة الاولى في اسرائيل التي يؤمر فيها بالرقابة، التنصت ومحاولة العثور على المسربين. ولكن كل الاحداث السابقة تدنو في شدتها عن مستوى عدم الثقة التي طورها نتنياهو تجاه رؤساء اجهزته نفسه.