ترجمات عبرية

رونيت مارزن: دعوة بطولية لالقاء السلاح

هآرتس – بقلم  رونيت مارزن – 23/5/2018

في  16 أيار بعد يومين من المصادمة على الجدار الحدودي بين غزة واسرائيل اعطى يحيى السنوار رئيس المكتب السياسي لحماس في غزة مقابلة هامة لقناة “الجزيرة”. ومن بين ما قاله فيها “…هؤلاء الشباب الذين امطروا في الماضي صواريخ على مدن الاحتلال قرروا خلع زيهم العسكري وأن يلقوا مؤقتا سلاحهم من اجل تبني وسيلة مقاومة ثقافية مدهشة يحترمها العالم، التي تناسب الظروف… هذا القرار يستند الى اتفاق وطني… لقد اخترنا هذا البديل من خلال منطق الشعور بالقوة… لقد ارسلنا مع جهات دولية واقليمية رسائل الى قادة الاحتلال بأنه اذا استمر الحصار فاننا لن نخشى من استخدام القوة العسكرية”.

هذه المقابلة تكشف عن التناقض المعرفي الذي يعمل في داخله السنوار، والذي يتراوح بين الرغبة في الحفاظ على خطاب وطني صادق وفخور وغير مستخذي والذي كل الفصائل العسكرية وعلى رأسها كتائب عز الدين القسام يمكنها التماهي معه وبين التطلع الى ادخال تغيير وعي في فهم النضال، الذي يعني الانتقال من المقاومة المسلحة الى مقاومة شعبية بسبب الظروف الداخلية والدولية والاقليمية.

هناك اربعة مكونات اساسية بارزة في رؤية النضال الجديدة التي يرسمها السنوار: الاول يمكن تسميته “مرونة بطولية”. السنوار يعترف بأن الظروف تقتضي سلوك حذر ومتزن، لكن فقط من خلال موقف قوة وبطولة وليس من خلال ضعف واهانة. طوال المقابلة تحرك بين تعبيرات مثل بطولة وقوة ومقاومة مسلحة وبين تعبيرات مثل عقلانية وحكمة ومقاومة شعبية. هو يرفض الادعاء الاسرائيلي القائل إن حماس استخدمت النساء والاطفال كدرع بشري ويوضح أن معظم القتلى على جدار الحدود كانوا بالتحديد مقاتلي الاجنحة العسكرية وليسوا مدنيين. الرسالة مزدوجة: للفلسطينيين – فقط كتائب عز الدين يمكنها الانتصار في المعركة وليس منظمات المجتمع المدني؛ للرأي العام العالمي – حماس هي حركة تحرير مشروعة ترسل الى الجبهة مقاتلين وليس مدنيين.

مهم للسنوار أن يحافظ على الصورة البطولية والوطنية لكتائب عز الدين القسام وضمان أن حماس لن تفقد شعبيتها في نظر سكان غزة من جهة، وتحظى بشرعية سياسية في اوساط جهات اقليمية ودولية من جهة اخرى. هذه الاعتبارات تقف في اساس تطلع حماس للسيطرة على خطاب التمرد المدني – الذي بادرت اليه منظمات المجتمع المدني والمثقفين من اجل منعهم من عرضها كمن تتاجر بدم سكان القطاع وطرح انفسهم  باعتبارهم بديل مدني مناسب.

المكون الثاني في رؤية النضال التي يطرحها السنوار هو العملية. هو يحسن فهم خطاب الاحتجاج الدولي الذي يخلق تناقض بين المحتل والواقع تحت الاحتلال، بين القوي والضعيف، بين من يقصي والمقصى. هو يريد استخدام القوة الناعمة للفلسطينيين في نظر العالم. التحديات الاقليمية والدولية وايضا التحديات التي تضعها منظمات المجتمع المدني تجبره على خلق تناسب بين لغة النضال الثقافية العالمية ولغة النضال المحلية. إن استخدامه لافعال “تنازلوا عن” أو “وضعوا سلاحهم” من اجل وصف انتقال ممكن من نموذج مقاومة مسلحة الى نموذج مقاومة مدنية غير عنيفة تعطي نموذج عن العملية اللفظية – الثقافية التي يقوم بها من اجل أن يحظى بشرعية في العالم الغربي واحداث تغيير في الوعي في اوساط الكتائب وفي اوساط من سيضطر الى اتخاذ قرار بدمجهم في الاجهزة الامنية الرسمية.

المكون الثالث هو التعاون. من المهم له جدا الحفاظ على التعاون بين حماس وفصائل المقاومة الاخرى ومنظمات المجتمع المدني والنخب. شبيها بياسر عرفات فان السنوار يفهم أنه لا يستطيع أن يجري تغييرات في نماذج النضال السياسي والعسكري دون هذا التعاون. إن حقيقة أنه  يكرر 8 مرات كلمتي “فصائل المقاومة” ويذكر وثيقة الاسرى التي توافق فيها كل الفصائلعلى التزامها بالمباديء الدولية والنضال من اجل دولة في حدود 1967، تدل على التطلع الى منع الفصائل من التنكر لموافقات سابقة.

المكون الرابع هو الوعي الوطني الجماعي. السنوار يدرك عظم الازمة التي تحل بالحركة الوطنية الفلسطينية، على خلفية الانقسام بين فتح وحماسوالانقسام الجغرافي والوطني والسياسي الذي خلقته بين الفلسطينيين. ولكن من اجل عدم المس بالروح المعنوية الفلسطينية، وبدرجة كبيرة ايضا من اجل عدم خدمة منظمات المجتمع المدني والمثقفين الذين يرون في فتح وحماس مسؤولتين عن ضعف الوعي الوطني الفلسطيني، اختار عرض مرات كثيرة الشعب الفلسطيني كـ “ذو وعي جماعي”. الدمج الذي يقوم به بين رموز وطنية (حق العودة) ورموز دينية (القدس) ودعوته قيادة فتح لبلورة استراتيجية نضال وخطة سياسية مشتركة تنبع من ضمن امور اخرى من حاجة القيادتين لمواجهة التحديات السياسية الداخلية.

الاستنتاج من كل هذا هو أنه خلقت هنا فرصة نادرة لتغيير الواقع السياسي التي يحظر على اسرائيل وامريكا واوروبا ودول عربية تفويتها. يجب أن لا تندهش من الخطاب البطولي للسنوار. بدل اهانته عليها أن توفر له انجازات سياسية، تعززه امام خصوم راديكاليين وتمكنه من الانتقال من ساحة المقاومة العسكرية الى طاولة المفاوضات السياسية. عليها أن تزيد الضغط على قيادة فتح وقيادة حماس لانهاء الانقسام لمنع خلق فراغ سياسي اليه تدخل جهات راديكالية، أو زعماء من الخارج مثل خالد مشعل وصالح العاروري المدعومين من قطر وتركيا وايران. يجب عليها تجنيد مصر والاردن والسعودية ودولة الامارات من اجل الدفع باتفاق سياسي اسرائيلي فلسطيني اقليمي، الذي احد مكوناته سيكون استقرار الوضع في غزة واتفاق على هدنة طويلة المدى. هذه العملية ستخدم هدف مشترك لاسرائيل وحلفائها وتمنع سقوط حماس والحركة الوطنية الفلسطينية بين أذرع الدول الاسلامية مثل تركيا وايران.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى