أقلام وأراء

رودي بارودي يكتب – ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل

بقلم رودي بارودي* – 23/10/2020

شهد مقر “اليونيفيل” في الناقورة جنوب لبنان يوم الأربعاء 14 تشرين الأول انطلاق الجلسة الافتتاحية للمفاوضات بين الجانبين اللبناني والإسرائيلي حول الحدود البحرية، التي يستضيفها المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيتش في حضور الوفدين اللبناني والإسرائيلي، وشارك في الجلسة مساعد وزير الخارجية الأمريكي لشؤون الشرق الأدنى ديفيد شنكر إلى جانب السفير جون ديروشر، الذي يمثل الوسيط الأمريكي لهذه المفاوضات.

بعد انتظار دام أكثر من عشر سنين، يخيّم الترقب على أجواء مفاوضات ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، وهذا المشهد في حال كتبت له نهاية سعيدة سيستفيد منه لبنان في مجالات اقتصادية ووطنية مختلفة.

لن تكون المفاوضات سهلة، بل يمكن وصفها بالصعبة والجادة، مع ضرورة التفاف الجميع حول الوفد اللبناني الذي يضم العميد الركن الطيار بسام ياسين رئيساً، العقيد الركن البحري مازن بصبوص، عضو هيئة إدارة قطاع البترول وسام شباط، والخبير في القانون الدولي نجيب مسيحي الذي يعمل مع قيادة الجيش في المواضيع المتعلقة بالخرائط.

إن المطلوب هو تأمين الدعم الكامل للجيش اللبناني في هذه المفاوضات، خصوصا أن التوصل إلى اتفاق سيكون انتصاراً لكل اللبنانيين، كونه يؤدي حتماً إلى تسريع الاستفادة من الثروات النفطية والغازية الكامنة في عمق البحر، كما يسهل التفاوض مع الجانب القبرصي للتوصل إلى اتفاق نهائي معه أيضاً.

إن الحل السلمي سواء عبر المفاوضات المباشرة أو غير المباشرة، كما هي الحال بين لبنان وإسرائيل، للنزاعات الحدودية البحرية، يساعد البلدان الساحلية على الاستفادة من الموارد البحرية، فأدوات الحل بسيطة ومتاحة بسهولة وهنالك سوابق واجتهادات كثيرة تدل على ذلك: إن دور الولايات المتحدة الأمريكية في هذا المجال دليل على ذلك، فنظرا إلى حال الحرب بين لبنان وإسرائيل، لعبت الإدارة الأمريكية دوراً كبيراً طوال السنوات الماضية لوضع إطار ناجح ومفيد للبدء بالمفاوضات، خصوصا أنها الدولة الوحيدة التي تستطيع أن تكون صلة وصل بين الطرفين، وكذلك الدور الأساسي للأمم المتحدة، ففي المسائل المشابهة تتبنى الحكومات المعنية بشكل كلي المبدأ الأساسي للأمم المتحدة والنظام الدولي برمته والذي تم العمل عليه منذ الحرب العالمية الثانية: أي الحل السلمي للنزاعات، بمجرد إقرار هذا المبدأ سيكون هناك مزيج منطقي من القانون والعلوم والتكنولوجيا يجعل ترسيم الحدود ولا سيما منها البحرية، عملية بسيطة وسهلة يستفيد منها جميع الأطراف.

فاتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار وتأثيرها المتزايد جعل من قواعدها ومعاييرها أساساً لجميع المفاوضات والاتفاقات البحرية، كما أن التقدم الذي أحرز أخيراً في مجال العلم والتكنولوجيا لا سيما مجال رسم الخرائط الدقيقة، وسع نطاق المبادئ التوجيهية لاتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لإيجاد تسوية للمنازعات التي تستند إليها.

وفي هذا السياق، عند اتباع الدول الساحلية المبادئ والممارسات المنصوص عليها في اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار، فعليها أن تلتزم أيضاً قواعد وأنظمة محددة وأن تستند إلى الجوانب العلمية والقانونية لتنفيذ هذه الإجراءات بموجب المبادئ التوجيهية الرسمية المحددة من قِبل الأمم المتحدة.

انطلاقاً من هذا الواقع وبالعودة إلى ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل، نلاحظ أن لبنان اعتمد من أجل البدء بالترسيم 61 متراً في البحر بدءاً من نقطة رأس الناقورة، بينما اعتمدت إسرائيل 37 متراً في البحر، فعلميا كلاهما أخطأ في البدء بالترسيم من خط بحري offshore إذ عليهما اعتماد خط الناقورة البري ( LT) الفاصل بين البلدين، وفي حال رفضت إسرائيل الاعتراف بحقوق لبنان فإن الاجتهادات الدولية تعطي لبنان حقه الكامل، خصوصا إذا ما اعتمد الوفد المفاوض على النقاط الآتية:

القضايا المماثلة في التجارب السابقة التي ارتكزت على القانون الدولي، وتؤكد أن لبنان سيُمنحُ معظم حقوقه، ومن القضايا التي أصدرت محكمة العدل الدولية أحكاماً بها:

– قرار محكمة العدل الدولية في قضية ميانمار ضد بنغلاديش (12 مارس 2012)- قرار محكمة العدل الدولية في قضية ليبيا ضد تونس (24 فبراير 1982)- قرار محكمة العدل الدولية في قضية نيكاراغوا ضد هندوراس (8 أكتوبر 2007).

مما لا شك فيه أن هذه الاجتهادات تعطي الجيش اللبناني الحجة القانونية والحق الكامل للمطالبة بترسيم الحدود البحرية وفقاً للمصالح والحقوق اللبنانية.

ومن المؤكد أن القرارات لا تقيم وزناً للجزر الصغيرة في أي معادلة، ولا تعتبر قادرة على دفع أو إزاحة أي خط بحري واحد مقابل الخط الآخر وفقاً لاجتهادات محكمة العدل الدولية، فكما هو واضح في الخرائط المرفقة، فإن الصخور والجزر الصغيرة لا تؤخذ في الاعتبار عند ترسيم الحدود، وهذا ما أكده أيضاً بيان لقيادة الجيش بأن المفاوضات لن تعطي أهمية لهذه الصخور من أجل ترسيم الحدود.

أما الخط المشترك الجانبي الذي لدى لبنان مع إسرائيل ويقارب 71 ميلاً بحرياً، فبمجرد أن ينتهي النزاع الحدودي البحري مع إسرائيل، سيتعزز تلقائياً موقف لبنان لناحية توقيع اتفاق نهائي لترسيم الحدود بين لبنان وقبرص والتي تبلغ حوالى 96 ميلاً بحرياً، وبين لبنان وسوريا.

إن ترسيم الحدود اللبنانية سيعزز فرص لبنان الاقتصادية، إذ إن الاكتشافات الأخيرة أكدت وجود كميات كبيرة من النفط والغاز، أما في حال عدم اعتماد الحل العادل والمنصف فسوف يؤدي ذلك ليس إلى إبطاء تنمية الموارد فحسب، بل سيزيد خطر وقوع حرب نحن في غنى عنها.

في نجاح الترسيم واستغلال الثروات منافع عديدة، إن الدول التي ستنتج الغاز ستعرف عائدات كبيرة من الإنتاج والصادرات، وحتى الدول غير المنتجة ستستفيد من استضافة مرافق المعالجة أو النقل، وفي أفضل السيناريوهات، قد تنضم البلدان الأكثر حظاً إلى خطة إقليمية لتقاسم العائدات، وستسمح هذه التحسينات المالية باستثمارات طال انتظارها في التعليم والرعاية الصحية والنقل والبيئة والمياه النظيفة والحد من الفقر، إضافة إلى استقرار سياسي.

نتمنى النجاح للوفد المفاوض وأن يعيد إلى لبنان حقوقه المعترف بها دولياً، خصوصاً أن الوضع الاقتصادي الضاغط على اللبنانيين قد يعرف تحولاً إيجابياً في حال استطاع لبنان ترسيم حدوده وإقناع شركات النفط العالمية بأنه بات يؤمّن بيئة آمنة لكي تتمكن من العمل واستكشاف ثرواته النفطية البحرية كما هي حال معظم الدول المجاورة.

* خبير نفطي دولي لبناني الجنسية ، أمين سر بعثة لبنان إلى مجلس الطاقة العالمية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى