روبرت فيسك : أظهر دونالد ترامب نفسه على أنه النسخة الأمريكية للقذافي في سلوكه تجاه إيران والاتفاق النووي
صحيفة إندبندنت – روبرت فيسك – 9/5/2018
قبل بضع ساعات كنت أحاول أن أفكر بمن يذكرني دونالد ترامب بعد خروجه المخزي والمثير للجنون من معاهدة دولية مهيبة، اعتقدت بأنه يشبه العنصري المتبجح والمتحمس، ثيودور روزفلت، لكنه في النهاية فاز بجائزة نوبل للسلام، ثم أدركت أن الزعيم السياسي الذي يشبه ترامب هو زعيم ليبيا الراحل، العقيد القذافي!
أوجه التشابه مريبة؛ إذ كان القذافي مغرورًا، ومهووسًا بالنساء، حتى أن له كتابًا يشرح فلسفته الشخصية: «الكتاب الأخضر»، تمامًا مثل كتاب ترامب لإدارة الأعمال التجارية، كان القذافي شديد الانتقاد لخصومه، لكن آراءه حول الشرق الأوسط على أقل تقدير كانت غريبة، لقد دافع ذات مرة عن حل الدولة الواحدة لإسرائيل وفلسطين، والذي اقترح بكل جدية أن يطلق عليه اسم «إسراطين»، وهذا في حد ذاته يشبه قرار ترامب بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس.
البيت الأبيض في عهد ترامب يشبه الآن خيمة القذافي التي كانت حاضرةً في كل مكان، لم تختلف مشاهدة التلفزيون في وقت متأخر من ليل ترامب، عن إصرار القذافي لقيامه بالأعمال والصفقات التجارية في خيمته، كانت مصافحة وقبلة القذافي من توني بلير أسطورية، حيث إن بلير كان خانعًا للقذافي في ليبيا، مثلما كانت تيريزا ماي لترامب في واشنطن، وكم كان هذا نافعًا، سواء من بلير أو ماي!
أدار القذافي تعاملاته التجارية من خلال عائلته، والجدير بالذكر حفاظه على علاقته الجيدة مع روسيا، ويذكر فيسك أن جمهور القذافي اضطر للاستماع له، والخوف من غضبه، على الرغم من خطاباته التي لا نهاية لها، وأكاذيبه المستمرة، وقبل كل شيء كان القذافي منفصلًا تمامًا عن الواقع، إذ كان يصدق أكاذيبه، ويعتقد أنه محافظ على وعوده واتفاقاته، ويؤمن بالعالم الذي أراد أن يؤمن به، حتى لو كان هذا غير موجود، ومن المفترض في عهده أن يجعل ليبيا عظيمة مرة أخرى من خلال النهر الصناعي العظيم.
هناك توازيًا غريبًا بين ترامب وغيره من قادة الشرق الأوسط؛ حيث يتبادر إلى ذهن فيسك الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد، الذي زعم أن سحابة مباركة ظهرت فوق رأسه عندما تحدث في الأمم المتحدة. وكما يفترض فيسك بأن الرجل الآخر الذي قد نقارنه بالرئيس الأمريكي هو رجل الصواريخ، وزعيم كوريا الشمالية، كيم جونغ أون، الذي بدا قبل بضع ساعات أنه الرجل الذي قد يقدم جائزة نوبل لترامب.
انسحاب ترامب من الصفقة النووية الإيرانية إلى جانب أكاذيبه وحججه المزورة حول الاتفاق الأصلي يدل على أن الولايات المتحدة جزء من السياسة الخارجية لإسرائيل الآن. اعتاد العرب أن يقولوا إن إسرائيل دولة أمريكية، لكن أصبحت الولايات المتحدة جزءًا من دولة إسرائيل. وقد تضمن خطاب ترامب المخزي سبعة مواضع مختلفة ذكرت بها كلمة «الإرهاب»، فيما يتعلق بإيران: «الدولة الراعية للإرهاب»، «تدعم الوكلاء الإرهابيين»، «حكم الإرهاب»، «نظام الإرهاب العظيم»، «تمويل… الإرهاب»، «دعم الإرهاب»، «الدولة الرائدة في العالم الراعية للإرهاب» -وهلم جرًا، وهذا الخطاب جيد مثل خطابات بنيامين نتنياهو في الأمم المتحدة.
ويفترض أن نصدق، مثل الأطفال، أن إيران الشيعية تدعم تنظيم «القاعدة» السني، عندما كانت تقاتل القاعدة في العراق وسوريا! من المفترض أن نعتقد أن «وثائق المخابرات» الإيرانية القديمة تقدم دليلًا قاطعًا على أن وعد إيران بعدم السعي إلى امتلاك أسلحة نووية كذبة، لكن ما هي قيمة أمريكا في الشرق الأوسط، أو في أي مكان آخر؟ (تبادر إلى ذهن فيسك على سبيل المثال كوريا الشمالية)، الآن عندما يمكن أن تنسحب بشكل صارخ من معاهدة دولية وافقت عليها الحكومة الأمريكية بنفسها.
ماذا لو تم عرض السيناريو بشكل عكسي مع تبديل الشخصيات، وأن الحكومة الأمريكية تمكنت من صياغة اتفاقية نووية دولية مع إيران، ولكن بعد ذلك كان رد فعل إيران على رئاسة ترامب، هو الإعلان عن أن الجمهورية الإسلامية سوف تنسحب من الاتفاق. ماذا سيحدث؟ يجيب فيسك بأن كلًا من ماي وماكرون وميركل، وربما حتى روسيا والصين سوف يصطفون إلى جانب ترامب؛ لإدانة هذا العمل الغادر؛ فكيف يمكن لإيران أن تخرق معاهدة دولية ملزمة! أي نوع من النظام يدير إيران؟ يكاد يكون ذلك كافيًا لتسميته بـ«النظام الإرهابي».
ولهذا السبب، استمتع ترامب بحبه للإيرانيين، كل رؤساء الولايات المتحدة يقولون: كم يحبون الناس الذين هم على وشك غزوههم! قال بوش الشيء نفسه عن العراقيين. وكذلك فعل ريجان الشيء نفسه، قبل أن يقصف ليبيا، والآن يشعر ترامب بالأسف على المعاناة الطويلة التي يتعرض لها الإيرانيون. ويذكرنا في كل مرة كانت فيها إيران تزدهر بالسلام، ولم يكتشف أحد أنه كان يشير إلى شاه إيران الذي أبقى الإيرانيين في حالة من الخوف والرعب الدائم من خلال برنامج للتعذيب الفاحش على يد «منظمة المخابرات والأمن القومي الإيرانية (السافاك)».