روبرت فورد: ترمب… ما موقع الشرق الأوسط في السياسة الخارجية؟
ينص "مشروع 2025" على أن شركاء الولايات المتحدة الإقليميين يجب أن يلعبوا دورا أكبر في ردع إيران
روبرت فورد 6-11-2024: ترمب… ما موقع الشرق الأوسط في السياسة الخارجية؟
لا يوجد تعريف موحد لـ”الترمبية”، ودونالد ترمب نفسه ليس مفكرا بقدر ما هو رجل يحب الارتجال في اتخاذ القرارات والإجراءات، بناءً على أحكامه السريعة الفردية. ومع ذلك، فإن “الترمبية” حركة، بل إنها حركة تحولت الآن إلى حزب سياسي في الصميم. ولا تخلو هذه الحركة، الموالية بشدة لشخص ترمب، من مفكرين يهدفون إلى استغلال الفرصة التي سيمنحها لهم الرجل، في حال فوزه في نوفمبر/تشرين الثاني، لإعادة صياغة أميركا لتشبه المجتمع الذي كانته قبل خمسين عاما.
ما يريده هؤلاء هو التأكيد من جديد على مفهوم الأسرة التقليدية المكونة من زوج وزوجة وأطفال. إلى جانب هذا التصور التقليدي للعائلة، والذي يروج له المسيحيون الإنجيليون، يهدف المفكرون “الترمبيون” إلى تعزيز الاقتصاد الأميركي الصناعي حيث يعود التصنيع الخاص والعمليات الصناعية إلى الولايات المتحدة من الخارج، وخاصة من الصين. ويعتقدون أن هذا من شأنه أن يزيد عدد الوظائف والأجور. وفي الوقت نفسه، يعتزم ترمب والحزب الجمهوري على إبطاء الهجرة بشكل كبير، وهو ما يعكس المخاوف بين الطبقة المتوسطة الأميركية المتقلصة، ويريدون إخراج العمال المهاجرين من الاقتصاد جزئيا، إذ يعتقدون أن تخفيض نسبة هؤلاء العمال سوف يرفع أجور المواطنين الأميركيين.
وفي السياسة الخارجية، يؤكد هؤلاء الاستراتيجيون على “السلام من خلال القوة” وامتلاك قوة عسكرية واقتصادية كبيرة قادرة على ردع الأعداء المحتملين. وفي ذلك قال ريتشارد غولدبرغ، عضو مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض خلال إدارة ترمب الأخيرة، لشبكة “فوكس نيوز” في شهر يوليو/تموز الماضي، إنه لا ينبغي للمراقبين أن يخلطوا في فهمهم لخطاب دونالد ترمب الشعبوي بين هذا الخطاب والانعزالية أو عدم الرغبة في استخدام القوة، مذكرا بمصير الجنرال قاسم سليماني عندما أرادت إيران أن تختبر ترمب.
أساسيات سياسة ترمب الخارجية
في التجمعات الانتخابية، كان ترمب ومستشاروه القدامى يعتبرون الصين التهديد الأكبر للأمن القومي الأميركي. وصرح روبرت أوبراين، آخر مستشاري ترمب للأمن القومي من إدارته السابقة، في مقابلة أجرتها معه شبكة “سي بي إس نيوز” في يونيو/حزيران، صرح بأن الأولوية القصوى للأمن القومي هي منع الصين من غزو تايوان، وهو ما أكد عليه أيضا غولدبرغ حين ذكر، في حديثه إلى شبكة “فوكس نيوز”، أن إدارة ترمب ستعزز وتحدّث الجيش الأميركي، بدمج التقنيات المتقدمة مثل الذكاء الاصطناعي والأسلحة الفضائية، “لضمان قدرتنا على التغلب على الحزب الشيوعي الصيني” وتقييد نفوذ الصين العالمي.
ويؤكد ترمب نفسه باستمرار على أن حلفاء الولايات المتحدة يجب أن ينفقوا المزيد على قواتهم العسكرية من أجل الدفاع المشترك. وقال أوبراين لشبكة “سي بي إس” إن “دافعي الضرائب الأميركيين وحدهم لا يستطيعون ردع الصين”. وأشار إلى أن أميركا تعاني من عجز ضخم في الميزانية ومشاكل أخرى. لذلك، يجب على دول مثل اليابان وكوريا الجنوبية والفلبين أن تفعل المزيد للمساعدة في ردع الصين، ويجب على الدول الأوروبية أن تفعل المزيد لردع العدوان الروسي، بما في ذلك زيادة المساعدات لأوكرانيا لأن روسيا تقاتل أوكرانيا في الفناء الخلفي لأوروبا.
التداعيات على الشرق الأوسط
وينطبق المنطق نفسه على الشرق الأوسط، حيث ينص “مشروع 2025″- وهو خطة شاملة لإدارة ترمب القادمة صاغها إلى حد كبير مسؤولون سابقون في إدارة ترمب وأشاد بها ترمب عام 2022- على أن شركاء أميركا الإقليميين يجب أن يلعبوا دورا أكبر في ردع إيران. وفي هذا المجال، أوصى كريس ميلر، الذي كتب الكثير من استراتيجية الدفاع لـ”مشروع 2025” وشغل منصب وزير الدفاع الأخير لترمب في عام 2020، بأن تقوم دول الخليج، فرديا وجماعيا، “بأخذ زمام المبادرة في مجال الدفاع الساحلي والجوي والصاروخي”. وقال إن هذا سيضمن وجود ما يكفي من القوات الأميركية المتاحة للانتشار في آسيا لمواجهة الصين. وفي الوقت نفسه، يجب على واشنطن بيع المزيد من المعدات المتطورة لحلفائها الإقليميين لتعزيز دفاعاتهم، الأمر الذي من شأنه أن يفيد القطاع الصناعي الأميركي أيضا.
يبرر هذا النهج، على سبيل المثال، قرار ترمب عام 2019 استخدام حق النقض ضد تشريع الكونغرس الذي أراد أن يمنع الدعم العسكري الأميركي للمملكة العربية السعودية أثناء حملتها العسكرية في اليمن. (وقد صوتت كامالا هاريس لصالح التشريع في مجلس الشيوخ لمنع المبيعات إلى المملكة العربية السعودية).
المواجهة مع إيران
ولكن مستشاري ترمب والجمهوريين في الكونغرس يرون في إيران تحديا كبيرا، رغم إعطاء الأولوية لمواجهة الصين. وفي حديثه في المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري في يوليو/تموز، أكد ترمب أن إيران تقترب من إنتاج سلاح نووي، وادعى في أبريل/نيسان أن إيران لديها أكثر من 230 مليار دولار من الاحتياطيات النقدية، وأن العراق- الذي أصبح تابعا لإيران- يسيطر على 300 مليار دولار أخرى. وأضاف ترمب أيضا أن إيران كانت على وشك الإفلاس في نهاية إدارته عام 2021، ملقيا اللوم في خروجها من تلك الحالة على تخفيف بايدن للعقوبات. (مصادر الأرقام المالية لترمب غير واضحة).
ويطالب الجمهوريون بفرض عقوبات أقوى على طهران، وتدعو الاستراتيجية الدبلوماسية في “مشروع 2025” إلى دعم “الشعب الإيراني” لاستعادة الحرية في البلاد. ويحث المشروع إدارة ترمب الجديدة على أن لا تتخلى عن الشرق الأوسط، محذرا من أن المنطقة “قد تنزلق إلى مزيد من الفوضى أو تقع ضحية لخصوم أميركا” في حال تخلي الولايات المتحدة عن دورها القيادي. وتوصي الاستراتيجية بتشكيل تحالف رباعي جديد لردع إيران، على غرار التحالف الأميركي واليابان وكوريا والهند، الذي يهدف إلى مواجهة العدوان الصيني، ويتألف الرباعي المقترح من إسرائيل ومصر ودول الخليج والولايات المتحدة.
ولعل من المفيد أن نذكر أن وزارة الخارجية في عهد بومبيو حاولت إنشاء مثل هذا التحالف للدول الإقليمية في 2018-2019، لكنها لم تحرز تقدما يذكر في إنشاء تحالف عام.
دعم أقوى لإسرائيل
في مقابلة مع مجلة “تايم” في أبريل، سُئل ترمب عما إذا كان مستعدا لخوض حرب من أجل حماية إسرائيل، فأجاب قائلا: “لطالما كنت مخلصا أشد الإخلاص لإسرائيل. سأحمي إسرائيل”. وفي حرب غزة انتقد الحكومة الإسرائيلية في مارس/آذار لعدم استخدامها أقصى قدر من القوة طالبا إليها التخلي عن ضبط النفس، كي لا تطيل أمد الحرب، وأضاف أن إسرائيل تخسر حرب العلاقات العامة وتحتاج إلى تسريع جهودها العسكرية. ويدعم الجمهوريون في الكونغرس والمسيحيون الإنجيليون بقوة هدف إسرائيل المتمثل في القضاء على “حماس” ويحثون على تقديم المزيد من الدعم السياسي والعسكري لإسرائيل. وتدعو الاستراتيجية الدبلوماسية لـ”مشروع 2025″ واشنطن إلى ضمان “قدرة إسرائيل على الدفاع عن نفسها ضد إيران ووكلائها، مثل (حماس) و(حزب الله) والجهاد الإسلامي الفلسطيني”.
في هذه الأثناء، وعلى النقيض من الدعم الشفهي لإدارة بايدن لحل الدولتين بين إسرائيل والفلسطينيين، قال ترمب في حديثه لمجلة “تايم” في أبريل إنه يشك في إمكانية حل الدولتين، مبينا أن “عدد الأشخاص الذين تروق لهم الفكرة الآن أقل مما كان عليه الحال قبل أربع سنوات”، من دون أن يذكر من هم المتشككون أو يقدم طريقا بديلا للحل. (لقد شارك صهره جاريد كوشنر رأيه في مارس بأن على إسرائيل نقل سكان غزة إلى النقب وأن الممتلكات المطلة على شاطئ غزة يمكن أن تكون ذات قيمة لا تصدق).
وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو أول المهنئين لترمب. وكتب على “اكس” فجر الاربعاء: “عزيزي دونالد وميلانيا ترامب، تهانينا على أعظم عودة في التاريخ! إن عودتكما التاريخية إلى البيت الأبيض تقدم بداية جديدة لأمريكا والتزامًا قويًا بالتحالف العظيم بين إسرائيل وأميريكا. هذا انتصار كبير. لأجل الصداقة الحقيقية”.
تركيا وسوريا
ومن المفيد التذكير أيضا بأن الاستراتيجية الدبلوماسية لـ”مشروع 2025″ قد أوصت بتخفيض العلاقات مع السلطة الفلسطينية، ولكنها حثت على تعزيز العلاقات مع تركيا. وشددت على أنه في ظل المنافسة العالمية بين الولايات المتحدة وروسيا والصين، يتعين على الولايات المتحدة ضمان بقاء تركيا في المعسكر الغربي. واعترفت الخطة بأن هذا قد يتطلب التوصل إلى اتفاق مع أنقرة حيث توقف واشنطن دعمها لـ”وحدات حماية الشعب/حزب العمال الكردستاني” التي تعتقد أنقرة أنها “تشكل تهديدات وجودية لأمنها”.
وكان ترمب قد أراد في عام 2018 سحب جميع القوات الأميركية من شرق سوريا بعد الاستيلاء على آخر معقل لتنظيم “داعش”، ولكن مسؤولي وزارة الخارجية والدفاع أقنعوه بصعوبة ترك القوة الأميركية المخفضة التي لا تزال موجودة هناك حتى اليوم.
من سيشكل فريق ترمب؟
يعتقد فريق ترمب أن البيروقراطية الحكومية أعاقت الكثير من مشاريعهم خلال الإدارة الأولى. ولا ريب في أنهم إن فازوا في نوفمبر المقبل، فسيعملون على محاربة ما يسمونه “الدولة العميقة”، من خلال طرد الآلاف من الموظفين الحكوميين الذين ليسوا “موالين” لترمب والذين سيرفضون تنفيذ خطط ترمب بسرعة. ومن الطبيعي أن ترفع نقابات الموظفين قضايا قانونية أمام المحاكم ضد التحركات الرامية إلى طرد الموظفين الحكوميين، لكن فريق ترمب واثق من أن استراتيجيتهم ستفوز في المحاكم.
وهناك بالفعل تكهنات حول من سيكون في حكومة ترمب، المعروف بهوسه بالولاء الشخصي له، وستكون رؤيته لولاء المرشح العاملَ الأساسي في قراراته. وهو معروف أيضا باتخاذ قرارات مفاجئة، وبالتالي سيكون من الصعب التنبؤ باختياراته لملأ المناصب الوزارية على وجه اليقين. وتشير تقارير صحافية إلى وجود الكثير من الرجال الذين يحبهم ترمب ويثق بهم. وسيحظى مايك بومبيو، الذي كان مدير وكالة المخابرات المركزية في عهد ترمب 2017-2018 قبل أن يعينه وزيرا للخارجية، سيحظى بالاعتبار لترشيح ترمب لمنصب وزير الدفاع. وإذا وصل بومبيو إلى حكومة ترمب، فإن شخصيته وخبرته ستجعلان منه شخصية مؤثرة، وبعيدا عن مواجهة الصين، قد يدعو بومبيو إلى اتباع نهج صارم بشكل خاص تجاه إيران. ولدى بومبيو أيضا جانب عملي، فهو الذي تفاوض مع طالبان بناء على تعليمات ترمب بشأن الانسحاب الأميركي من أفغانستان.
وتشير تقارير إعلامية أيضا إلى أن آخر رئيس للبنتاغون في عهد ترمب، كريس ميلر، قد يكون مرشحا محتملا لقيادة البنتاغون مرة أخرى. ومن الجدير بالذكر أن ميلر هو الذي كتب استراتيجية الدفاع في “مشروع 2025”. وفيما يتعلق بوزارة الخارجية، فإن أحد المرشحين هو روبرت أوبراين آخر مستشاري ترمب للأمن القومي، وكان مقال في صحيفة “بوليتيكو” نشر في يناير/كانون الثاني الماضي، قد ذكر أن أوبراين يرغب حقيقة في أن يغدو وزيرا للخارجية.
وكان أوبراين مستشارا للسياسيين الجمهوريين في إدارة ترمب الأولى وكان مفاوضا ناجحا في إطلاق سراح الرهائن الأميركيين في تركيا واليمن قبل أن ينتقل إلى مجلس الأمن القومي. وشدد في المناسبات الإعلامية التي كان يظهر فيها على التحدي الذي تمثله الصين. ومعروف عن أوبراين تأكيده أن الولايات المتحدة لن تترك الحلف الأطلسي، ولكن يتعين على الدول الأوروبية زيادة الإنفاق والقيام بدور أكبر في مساعدة أوكرانيا. وتشير تقارير إعلامية إلى أن المرشح الآخر لمنصب وزير الخارجية أو وزير الخزانة سيكون السيناتور بيل هاغرتي الذي كان سفير ترمب لدى اليابان. وقد ساعد ترمب في عام 2020 هاغرتي في حملته الانتخابية لمجلس الشيوخ عام 2020.
ثمة أمر مؤكد واحد وهو أن هؤلاء الرجال لن يتأخروا في اتباع توجيهات ترمب باتخاذ موقف صارم إزاء الصين وإيران، ودعم إسرائيل بقوة، وهم الذين سيتفاوضون على اتفاقات صعبة مع الحلفاء والأصدقاء والشركاء بشأن الأنشطة التجارية وكذلك تكاليف الانتشار العسكري الأميركي في أوروبا وآسيا والشرق الأوسط. وفي حين أن جميعهم لا يمانعون استخدام ضربات سريعة ضد الخصوم عندما يواجهون تحديا خطيرا، فإنهم سيكونون أكثر حذرا بشأن الدخول في حرب كبرى يمكن أن تشمل أعدادا كبيرة من الجنود الأميركيين في عملية عسكرية موسّعة وباهظة التكاليف. وهذا ما عبر عنه كيفن روبرتس، رئيس فريق “مؤسسة هيرتدج” التي كانت وراء استراتيجية “مشروع 2025″، حين حذر من أن إدارة ترمب الجديدة يجب أن تكون “حريصة على عدم الانجرار إلى صراعات لا تبرر خسارة كبيرة للكنز الأميركي أو إراقة الكثير من الدماء الأميركية”.