روبرت رايت: كيف تصنع نيويورك تايمز الحرب مع إيران على الأرجح ؟
بقلم : روبرت رايت، ذي انترسبت 17/3/2018
ليس من السهل أن نعرف ما هي الحرب القادمة للولايات المتحدة، هل هي إيران أم كوريا الشمالية، ربما فنزويلا، أو حتى روسيا، ولكن من السهل أن نعرف الأسباب الرئيسة التي تُؤجج تلك الحروب، وهي في الأساس فشل الكثير من الأمريكيين، ومن بينهم النخبة السياسية والصحافية في استخدام قوة عقلية هامة جدًا نملكها جميعًا.
الرؤية من منظور الآخر
يعني التعاطف المعرفي – والذي يطلق عليه أحيانًا الرؤية من منظور الآخر – أن ترى الأمور من وجهة نظر الطرف الآخر، وأن تفهم الطريقة التي يحلل بها المعلومات، وكيف يبدو العالم من منظورهم الخاص. ربما يبدو ذلك كأمر منطقي ليس بالجديد، ولكن هناك سببين رئيسين لكون مفهوم التعاطف المعرفي يستحق المزيد من الاهتمام أكثر مما يناله في الوقت الحالي.
السبب الأول يدور حول عواقب عدم تطبيق ذلك المفهوم، خاصة على صعيد القضايا الدولية؛ إذ يتسبب ذلك في قراءة التحركات العسكرية للبلاد على كونها معتدية في الوقت الذي تكون فيه تلك التحركات بغرض دفاعي، ورؤية بعض القادة باعتبارهم مجانين أو متعصبين، في حين أن ما يفعلونه في حقيقة الأمر هو رد فعل واستجابة لدوافع حقيقية.
السبب الثاني والأكثر أهمية، هو صعوبة التفكير بطريقة التعاطف المعرفي. تمامًا مثل التعاطف العاطفي، يمكن أن نطبق التعاطف المعرفي أو نتجاهل ذلك بحسب علاقتنا بالشخص أو الموضوع، فنحن نتعاطف مع الأصدقاء والمقربين، في حين نتغافل الأمر حينما يتعلق بعدو أو منافس.
تحيز «نيويورك تايمز»
على الصعيد السياسي وفي الولايات المتحدة تحديدًا، تكمن خطورة الأمر في كم الأموال التي يتم إنفاقها كي لا يفكر الشعب بطريقة التعاطف المعرفي، وهو ما يراه الكاتب واضحًا فيما تفعله مراكز الفكر والمؤسسات الصحافية الكبرى في الولايات المتحدة، وأن حالة تغييب الوعي تلك تُساعد الحُكام بشكل كبير في أوقات الحرب.
كمثال على ذلك الأمر، مقالًا من صحيفة «نيويورك تايمز» حول إيران وتواجدها في سوريا، كتبه بين هوبارد، وإيزابيل كيرشنر، وآن بيرنارد، وقد نُشِر ذلك المقال في الصفحة الأولى من الصحيفة الأمريكية الأشهر. في الركن الأيمن من الصفحة الأولى للصحيفة ترى ذلك العنوان واضحًا: «إيران تؤسس ميليشيات في سوريا لتهديد إسرائيل».
ربما لن يختلف الخبراء في الشأن الإيراني حول دقة هذا العنوان، إلا أن ثمة أمرًا ما قد يضيفه هؤلاء الخبراء لم يذكره كُتاب ذلك المقال، وهو أنه من وجهة النظر الإيرانية، الهدف من تهديد إسرائيل هو في الأساس منع اندلاع حرب، وأنه بتلك الطريقة تحاول إيران إظهار قوتها لوقف أي تحرك محتمل من إسرائيل أو الولايات المتحدة لمهاجمتها.
إن أغلب الأمريكيين لا يرون في بلادهم دولة معتدية، وأن أغلب الإسرائيليين لا يفكرون في بلدهم بنفس الطريقة أيضًا، ولكن إسرائيل هددت سابقًا مرارًا وتكرارًا بمهاجمة إيران، كما اغتالت علماء إيرانين منذ ثماني سنوات على الأراضي الإيرانية، في حين أن الولايات المتحدة ذكرت في عدة مناسبات أن لها الحق في ضرب إيران في حال حدوث حرب مع إسرائيل.
على خلفية التاريخ الإيراني، بما في ذلك دعم الولايات المتحدة للعراق في حربها مع إيران في ثمانينات القرن الماضي، والتي خلفت آلاف القتلي الإيرانيين، ربما من غير المستغرب أن ترى إيران في الولايات المتحدة وإسرائيل قوة يجب ردعها، وهو ربما ما يفسر دعم إيران للميليشيات المعادية للولايات المتحدة في العراق بعد حرب 2003 واحتلال العراق، وكذلك الحال فيما يتعلق بسوريا، والتي رأت فيها إيران دعم حليفها الدائم بشار الأسد، بدلًا عن الرؤية الأمريكية بإسقاطه منذ اندلاع الاحتجاجات في سوريا في 2011.
إنه ربما إذا أردت رؤية الأمور من المنظور الإيراني، والتفكير بهذه الطريقة الأكثر منطقية، فربما عليك ألا تقرأ مقال نيويورك تايمز»، ويقترح قراءة مقال نشرته مجالة «فورين أفيرز» الأمريكية، كتبه فالي نصر، الخبير الإيراني الأمريكي المتخصص في شؤون الشرق الأوسط، وعميد كلية جون هوبكينز للدراسات الدولية بواشنطن. يحمل المقال عنوان «إيران بين الأطلال»، ويتحدث فيه نصر عن الخطر الواضح الذي يمثله الجيشان: الأمريكي، والإسرائيلي، على إيران، ويفسر ما تفعله إيران باعتباره دفاعًا متقدمًا، في ظل الحالة العدائية أيضًا من جانب بعض الدول العربية تجاه إيران، وأنه على الرغم من أن الصورة تبدو للجميع وكأن إيران تدعم مجموعات عسكرية تعمل خارج إطار الدولة في كل من سوريا ولبنان، إلا أن السياسة الخارجية لإيران مدفوعة في الأساس بالمصلحة الوطنية للبلاد، وأنها تحركات أكثر برجماتية أكثر مما يظن الغرب.
اختيار المصادر
إن كُتاب المقال لم يستشيروا شخصًا كنصر، أو أي خبير آخر ممن لديهم هذه الرؤية للمنظور الإيراني، والنتيجة في النهاية هي مقال غير متوازن. يخبرنا المقال أن إسرائيل والولايات المتحدة لديهما تخوف من النفوذ الإيراني المتزايد، وأن إسرائيل تحديدًا تخشى أن تواجه تهديدًا من جانب الميليشيات التابعة لإيران في سوريا».
كل هذه النقاط صحيحة، إلا أن المقال أغفل بشكل تام أيضًا المخاوف الإيرانية، كذلك لم يذكر -من وجهة النظر الإيرانية – التباين الصارخ في تحليل الأمور، فالإيرانيون والميليشيات التابعة لهم في سوريا يعملون بإذن الحكومة السورية، في حين أن الطائرات الإسرائيلية، والتي تخترق المجال الجوي السوري بشكل مستمر لقصف تلك الميليشيات، تعمل دون أي تصريح من الحكومة، بالمخالفة للقوانين الدولية، وهو الأمر ذاته بالنسبة للقوات الأمريكية المتمركزة في سوريا، والتي تحارب النظام السوري.
بعيدًا عن تسليط الضوء على هذا التناقض، ما سينتج عن مقال نيويورك تايمز هو أن القارئ العارض سيتخذ الجانب الأمريكي، دون مراعاة الطرف الآخر من القصة. خاصة وأن المقال يُفتتح بالحديث عن اختراق طائرة إيرانية للمجال الجوي الإسرائيلي، في حين أن تلك الطائرة في حقيقة الأمر هي طائرة استطلاع بدون طيار وغير مسلحة، وأن دخولها للمجال الجوي الإسرائيلي، بل إن الطائرة الإيرانية حلقت في منطقة الجولان، والتي تعد أراضي سورية محتلة بحسب القانون الدولي، وهو أمر عرضي حدث بالخطأ على الأغلب، في حين لم يتحدث المقال عن الانتهاك المستمر من جانب الطيران الإسرائيلي للمجال الجوي السوري.
هذا الانحياز من جانب نيويورك تايمز لا يعد مفاجئًا، خاصة في ضوء طريقة الصحيفة في اختيار مصادرها في المقال، والتي تضمنت مصدرًا أمريكيًا وآخر إسرائيليًا، دون أي تعليق من الجانب الإيراني، كذلك اختيارهم لمراكز الفكر في واشنطن التي اعتمدوا على تحليلاتها، والتي جاءت كلها من اتجاه واحد. لذلك فعندما تتناول نيويورك تايمز قضية الصراع بين إسرائيل وإيران، يرى الكاتب بشكل دائم نوعًا من التحيز المستمر.
إنه بلا شك أنه في حال وقوع حرب مع إسرائيل، فإن إيران تفضل ألا تكون هي ساحة المعركة، وهو يفسر دعمها للميليشيات في سوريا ولبنان كخط دفاعي قوي يقلل من فرص وقوع حرب، وذلك من خلال ردع الولايات المتحدة وإسرائيل».