أقلام وأراء

رندة حيدر تكتب – إعمار غزّة ورقةَ ابتزاز

رندة حيدر 19/6/2021

ما يحدث اليوم بين حركة حماس وإسرائيل هو استمرار للحرب بوسائل أخرى، أي الصيغة المعكوسة لقول كلاوزفيتز إن الحرب هي استمرار للسياسة بوسائل أخرى. ما لم تنجح إسرائيل في تحقيقه عسكرياً في المواجهة الأخيرة مع “حماس”، على الرغم من مئات الأطنان من القذائف التي ألقتها مقاتلاتها الحربية على أهل غزة، طوال 11 يوماً من القصف، تحاول اليوم تحقيقه من خلال ابتزاز الحركة، ووضع شروط على عملية إعادة إعمار غزة وتقديم المساعدات الإنسانية والمالية التي يحتاجها أهل القطاع بشدة، كي يستطيعوا إعادة ترميم ما دمرته آلة الحرب الإسرائيلية.

تعتبر “حماس” الإسراع في عملية إعادة الإعمار أمراً ضرورياً للمحافظة على الإنجازات الاستراتيجية التي حققتها في المواجهات أخيراً، والتي ساهمت في تغيير قواعد اللعبة، وفرضت معادلة جديدة “غزة – القدس”، وحوّلت الانتباه من جديد إلى القضية الفلسطينية ومشكلة الاحتلال الإسرائيلي، وحصدت دعماً وتأييداً كبيريْن في الساحات، الفلسطينية والعربية والإسلامية والدولية. وترى الحركة في تأخير إعادة الإعمار وعرقلتها والممطالة في دخول المساعدات إلى القطاع محاولة إسرائيلية مكشوفة لخنق “حماس” ولتفريغ إنجازاتها من مضمونها. وإذا استمرّت هذه العرقلة والمماطلة وقتاً طويلاً، فإن هذا لا بدّ أن ينعكس سلباً على شعبية “حماس”، وعلى مكانتها في القطاع تحديداً، وقد يدفع إلى تصعيد جديد ومواجهات جديدة.

“منذ الاتفاق على وقف إطلاق النار وبدء الوساطة المصرية، بدا واضحاً أن إسرائيل تسعى إلى إخراج “حماس” من دائرة عملية إعادة إعمار غزة “.

من جهة أخرى، منذ الاتفاق على وقف إطلاق النار وبدء الوساطة المصرية، بدا واضحاً أن إسرائيل تسعى إلى إخراج “حماس” من دائرة عملية إعادة إعمار غزة، ومطالبتها بأن تكون العملية بإشراف السلطة الفلسطينية، كما ترفض إسرائيل تحويل المساعدة القطرية الشهرية إلى غزة (30 مليون دولار)، بحجّة أن “حماس” قد تستغلها لإعادة تسليح نفسها. يطرح ذلك كله السؤال مجدّداً: هل قرّرت إسرائيل إضعاف “حماس” سياسياً على طريق إخضاعها عسكرياً؟ وهل تخلّت إسرائيل عن سياسة الاحتواء التي اعتمدتها في التعامل مع الوجود العسكري لـ”حماس”، بعد أن أثبتت العملية العسكرية أخيراً أنها فشلت فشلاً ذريعاً؟

من الصعب الآن التوصّل إلى إجابات واضحة، سيما وأن الحكومة الجديدة لم تستقر بعد، لوضع سياستها من موضوع غزة، ومن المسألة الفلسطينية عموماً. لكن ما يجري يشير إلى بداية تبدّل في الموقف الإسرائيلي من السلطة الفلسطينية التي عمل نتنياهو، خلال سنوات حكمه، على تجاهلها وإضعافها، وسعى إلى تعميق الانفصال بين الضفة الغربية وقطاع غزة. ويتقاطع هذا التبدّل الإسرائيلي في الموقف من السلطة الفلسطينية مع موقف إدارة جو بايدن والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي اللذيْن يريدان تعزيز مكانة السلطة الفلسطينية وتقويتها، ومنع انهيارها، والحؤول دون تتويج “حماس” نفسها ممثلاً وحيداً للشعب الفلسطيني.

“هناك تخوّف حقيقي من تداعيات عرقلة إعادة إعمار غزة أو التباطؤ في تنفيذها، على الغزيين خصوصاً، والفلسطينيين عموماً “.

وهنا تبرز أهمية الدور المصري. تلعب مصر دوراً أساسياً في الوساطة بين “حماس” وإسرائيل، سواء على صعيد المساعي التي تبذلها لتثبيت وقف إطلاق النار والتوصل إلى تفاهمات بعيدة المدى، وكذلك في عملية إعادة إعمار غزة، سيما بعد إعلان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي تخصيص نصف مليار دولار لهذه الغاية، ما يشير إلى الأهمية التي توليها مصر لتعزيز نفوذها في القطاع على المدى البعيد. لكن السؤال الذي يطرح نفسه ما هو الموقف المصري الفعلي من الشروط الإسرائيلية لإعادة إعمار غزة؟

من يتابع ردّات الفعل المصرية يُلاحظ الازدواجية بين المواقف العلنية المصرية التي دانت إسرائيل، وأيّدت “حماس” في دفاعها عن المسجد الأقصى وعن الأماكن الإسلامية، والسياسة الرسمية المصرية. على الصعيد الدعائي، سمح النظام في مصر بتوجيه انتقادات حادّة ضد إسرائيل وما تقوم به في المسجد الأقصى. ومن ناحية أخرى، حرصت مصر، طوال أيام المواجهات، على التنسيق والتعاون مع إسرائيل، فاستقبلت وزير الخارجية الإسرائيلي في القاهرة، وأرسلت مدير المخابرات، عباس كامل، إلى إسرائيل وغزة ورام الله. في هذه الأثناء، حصلت الوساطة المصرية على دعم كامل من الرئيس بايدن، ما عزّز دور مصر في تحديد مصير إعادة الإعمار في غزة.

هناك تخوّف حقيقي من تداعيات عرقلة إعادة إعمار غزة أو التباطؤ في تنفيذها، على الغزيين خصوصاً، والفلسطينيين عموماً، فدول المنطقة التي دمّرتها الحروب الأهلية، مثل سورية واليمن وليبيا، تشهد هي أيضاً عرقلة مشابهة في عملية إعادة الإعمار نتيجة التنافس بين القوى السياسية المسيطرة على الأرض، وتضارب المصالح بين الأطراف الفاعلة دولياً، ذلك كله يجعل عملية إعادة الإعمار شائكة ومعقدة… محاولة إسرائيل توظيف مسألة إعادة إعمار غزّة، للحدّ من نفوذ “حماس” السياسي، ولتحجيم دورها ومكانتها في الشارع الفلسطيني، رهان خطر لا يبشّر بالخير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى