أقلام وأراء

رندة حيدر تكتب – إسرائيل ومعضلة إيران

رندة حيدر 16/4/2021

أظهرت المحادثات الجارية في فيينا مع إيران، بشأن العودة إلى الاتفاق النووي، عمق الأزمة التي تعانيها إسرائيل على صعيد وضعها السياسي الداخلي، وعلاقتها الإشكالية مع الإدارة الأميركية الجديدة للرئيس جو بايدن، وتداعيات هذا كله على الصراع الدائر بينها وبين إيران على المكانة والنفوذ في المنطقة.

إسرائيل التي جرّها رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، إلى معركة انتخابية رابعة خلال عامين من دون حسم، تدفع اليوم ثمن 12 عاماً متواصلة من حكم نتنياهو وتحكّمه بالسياسة الإسرائيلية الخارجية، وبصورة خاصة باستراتيجية إسرائيل لمواجهة حصول إيران على سلاح نووي. والراهن اليوم أن ثمن الصراع الذي يخوضه نتنياهو على بقائه السياسي، وتمسّكه بمنصب رئاسة الحكومة، ومحاولته التهرّب من المحاكمة بتهم رشى وفساد، لم يعد يقتصر على شل الحياة السياسية في إسرائيل، وشخصنة الصراعات الداخلية، وفرض أجندة سياسية تتمحور حول مصالح سياسية ضيقة، بل بات يهدّد مواجهة إسرائيل ما تعتبره “خطراً وجودياً” عليها، أي خطر إيران نووية.

استمرار سياسات نتنياهو إزاء إيران يمكن أن يدفع ثمنه اليوم الإسرائيليون كلهم في حال تطورت حرب الظلال البحرية الدائرة بين إيران وإسرائيل إلى مواجهةٍ لا يمكن السيطرة عليها، ويمكن أن تجر إسرائيل إلى حرب مفتوحة مع إيران، أو مع وكلائها في المنطقة، لا يبدو أنها مستعدّة لمواجهتها في الوقت الحاضر.

تدفع إسرائيل اليوم ثمن تعويل نتنياهو الكامل على دعم الإدارة الأميركية السابقة للرئيس ترامب، ومشكلته الحالية في التعامل مع إدارة بايدن الديمقراطية

يلاحظ من يتابع الإعلام الإسرائيلي تصاعد القلق لدى أوساط رسمية وعامة من مغبة التصعيد الذي يقوده نتنياهو بصورة مباشرة من خلال التصريحات، وغير مباشرة من خلال الهجمات والتسريبات ضد إيران، في وقتٍ لا تعقد الحكومة جلساتها، ولا تجري نقاشاتٍ داخل الطاقم الوزاري المصغر، ولا رقابة برلمانية على ما يجري. صحيحٌ أن الهجمات العسكرية ضد أهداف إيرانية تدخل ضمن إطار الحرب بين الحروب التي يخوضها الجيش الإسرائيلي ضد أهداف إيرانية، لكن قرار توسيع المعركة إلى الجبهة البحرية، وبعيداً عن السواحل الإسرائيلية، هو اليوم في يد شخص واحد: بنيامين نتنياهو. وما يفاقم في القلق أن يكون هدف تصعيد الهجمات على إيران والتسريبات عنها لا يخدم فعلاً مصالح أمنية إسرائيلية، بقدر ما يهدف إلى الدفاع عن مصلحة نتنياهو الشخصية في تشكيل حكومة طوارئ وطنية، تشارك فيها كل الأحزاب اليمينية برئاسته، وأن يكون هذا التصعيد مناورةً هدفها تذليل المصاعب التي تواجهه في تشكيل حكومة تحظى بأغلبية.

تدفع إسرائيل اليوم ثمن تعويل نتنياهو الكامل على دعم الإدارة الأميركية السابقة للرئيس ترامب، ومشكلته الحالية في التعامل مع إدارة بايدن الديمقراطية التي ضمّت أسماء أساسية، كانت تعمل على الملف الإيراني خلال فترة ولاية الرئيس أوباما، والتي ناصبها نتنياهو العداء، وفي ظل الاتهامات الإسرائيلية للإدارة الأميركية الحالية بالتهاون والتساهل مع إيران. وقد شكل خروج ترامب من البيت الأبيض نكسة كبيرة لمساعي نتنياهو في حربه على البرنامج النووي الإيراني. والمحادثات الجارية في فيينا لإعداد العودة المتدرجة لكل من الولايات المتحدة وإيران إلى الاتفاق النووي تطرح مشكلة كبيرة على إسرائيل التي تجد نفسها أمام معضلة حقيقية، فهي لم تعد تملك وسائل ضغط على الإدارة الأميركية لإقناعها بعدم العودة إلى الاتفاق، أوعلى الأقل فرض مشاركتها في النقاشات الدائرة بشأن اتفاق نووي جديد محسّن؛ ومن جهة أخرى ليس لدى إسرائيل رؤية دبلوماسية بديلة عن المقاربة الأميركية للموضوع، والأمر الوحيد الذي تلوح به الآن هو اللجوء إلى الخيار العسكري الذي يبدو صعباً في الظروف الإقليمية والدولية الحالية التي تدعم العودة إلى الاتفاق النووي الأصلي مع إيران مع تحسيناتٍ أو من دونها.

المعضلة التي تواجهها إسرائيل حالياً في مواجهة المسألة النووية الإيرانية شديدة التعقيد في ظروف عادية، فكم هي كذلك في ظروف أزمة حكم وشلل سياسي يتحكّمان بمفاصل السياسة الداخلية والخارجية منذ أكثر من عامين، بسبب تمسّك نتنياهو بمنصب رئاسة الحكومة، وحرب البقاء التي يخوضها دفاعاً عن مصيره ومستقبله السياسي.

سيناريوهات كثيرة، وتثير من جديد المخاوف من اندلاع مواجهة عسكرية بين إسرائيل وإيران

تبدو القيادة السياسية في إسرائيل اليوم منهكةً مشرذمةً ومشوشّة بسبب طغيان المعارك السياسية الداخلية على غيرها من مسائل حسّاسة، وعدم الاستعداد بما فيه الكفاية لمواجهة التغيرات السريعة التي طرأت على الموقف الدولي من الاتفاق النووي الإيراني، وعدم وجود رؤية استراتيجية واضحة لدى هذه القيادة لمواجهة تحدّيات المرحلة المقبلة، لا سيما إذا نجحت إيران في رفع العقوبات الاقتصادية عنها، الأمر الذي سيعزّز، تلقائيا، نفوذها، ويساعدها في تعزيز وجودها العسكري في دول المنطقة، ويقوي وكلاءها على حساب المحور المعادي لها من الدول العربية المعتدلة، وأيضاَ إسرائيل.

عدم اليقين السياسي الداخلي وانعدام الرؤية الاستراتيجية الشاملة في إسرائيل لما يجري على جبهة المحادثات مع إيران، وعدم طرح بدائل واضحة لمواجهة التحدّيات، تفتح الباب أمام سيناريوهات كثيرة، وتثير من جديد المخاوف من اندلاع مواجهة عسكرية بين إسرائيل وإيران، مباشرة أو بالواسطة، لا يدفع ثمنها الإيرانيون والإسرائيليون فحسب، بل ربما اللبنانيون والسوريون أيضاَ.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى