ترجمات أجنبية

رمزي بارود يكتب – ارفعوا أيديكم عن لبنان

رمزي بارود – كاونتر بانش  25/8/2020

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ليس في وضع يسمح له بالتعبير عن آرائه (أو يتكلم على طريقة الأساقفة ) حول لبنان بشأن الحاجة إلى إصلاحات سياسية واقتصادية. ومثلما نزل آلاف اللبنانيين إلى شوارع بيروت مطالبين «بالانتقام» من الطبقة الحاكمة، كان الشعب الفرنسي يفعل الشيء نفسه بلا هوادة فقد واجه كلا الشعبين العنف والاعتقالات من قبل الشرطة.

وكان يجب على ماكرون أن يخرج في حملته الترويجية إلى شوارع باريس، وليس بيروت، لطمأنة شعبه، المثقل باللامساواة المتزايدة، والبطالة المتزايدة، والصعوبات الاجتماعية والاقتصادية.

ومع ذلك، استمر العرض الفرنسي ولكن في الشرق الأوسط. لقد كان مشهداً مصمماً بشكل مثالي، ليذكر بالعظمة الاستعمارية الفرنسية القديمة. في 6 أغسطس(آب)، وقف ماكرون بحزم وسط أنقاض الانفجار الهائل في بيروت، ووعد بالمساعدة والمساءلة وتعهد بعدم التخلي عن المستعمرة الفرنسية السابقة.

اقتربت شابة لبنانية من الرئيس الفرنسي تتوسل إليه بالدموع وقالت له: «سيدي الرئيس، أنت في شارع الجنرال جورو. لقد حررنا من العثمانيين. حررونا من السلطات الحالية». ويبدو إنه من غير المقنع أن زيارة ماكرون، وطلبات المساعدة، والحشد العاطفي المحيط بماكرون، كانت كلها أحداثاً مرتجلة ومفاجئة تعكس حب لبنان الذي لا يموت وثقة فرنسا غير المشروطة.

لقد كان بإمكان ماكرون بسهولة تقييم الأضرار الناجمة عن الانفجار المدمر في مرفأ بيروت. وإذا كانت آلاف الصور والفيديوهات اللانهائية غير كافية لنقل الخراب غير المسبوق الناجم عن الانفجار الشبيه بهيروشيما، فمن المؤكد أن لقطات القمر الصناعي الجوية أظهرت ذلك.

لكن ماكرون لم يأت إلى لبنان ليقدم تضامناً صادقاً. لقد جاء، مثل أي سياسي فرنسي «جيد» – لاستغلال الصدمة والذعر والخوف لأمة مذهولة تشعر بخيانة حكومتها الغاطسة بالحيرة والوحدة.

قال ماكرون: «سأتحدث مع كل القوى السياسية لأطلب منهم اتفاقية جديدة. أنا هنا اليوم لاقترح عليهم اتفاقاً سياسياً جديداً».

نعم إن لبنان بالتأكيد بحاجة ماسة إلى ميثاق جديد، لكن ليس لمعاهدة من تصميم فرنسا.

للأسف، أصبح لبنان المدمر الآن متقبلاً لنوبة أخرى من «الرأسمالية الكارثية» وفكرة أن البلد يجب أن يجثو على ركبتيه كشرط مسبق للاستيلاء الاقتصادي الأجنبي، والتدخل السياسي، وإذا لزم الأمر، العسكري.

إذا كانت كلمات المرأة التي ناشدت ماكرون «تحرير» لبنان من قيادته الحالية غير مكتوبة من قبل كاتب فرنسي ماهر، فإنها ستمثل أحد أتعس مظاهر السياسة اللبنانية الحديثة، فهذه المرأة، التي تمثل أمة، تدعو المستعمر السابق مرة أخرى لإنقاذ بلد من نفسه.

إن التداعيات السياسية للانفجار – مهما كانت أسبابه – انطلقت من منظور أولئك الذين يريدون ضمان ألا يحقق لبنان أبداً لحظة الاستقرار ولا الوئام الطائفي المنشودة. فالأزمة الاقتصادية الحالية اللامتناهية في البلاد لم يسبق لها مثيل في التاريخ الحديث، في حين يبدو أن الطبقات الحاكمة إما أنها لا تمتلك إجابات أو أنها ليست حريصة على العثور على أي منها. ويبدو أنه من المؤكد أن انفجار الميناء سيجدد التفويض الغربي بقيادة فرنسا على البلاد.

وفي 6 آب / أغسطس، دعا أربعة رؤساء وزراء لبنانيين سابقين إلى «تحقيق دولي» في أسباب الانفجار، على أمل كسب نفوذ سياسي ضد خصومهم السياسيين، ما يمهد الطريق لأزمة طائفية وسياسية أخرى.

على لبنان اليوم أن يدرك أن مأساته الحالية هي فرصة مثالية لأسياده المستعمرين السابقين لتنظيم عودتهم وهو ما لا يكاد ينقذ لبنان وشعبه من مصيبتهم المستمرة.

* صحفي ومحرر فلسطين كرونيكل   .

1

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى