رفيق خوري يكتب – من التلاعب إلى اللعب في “المثلث” الدولي
رفيق خوري *- 30/12/2020
إذا استعاد بايدن الدور الأميركي والتحالفات التي أهملها ترمب فسيفاوض شي وبوتين من موقع قوة
اللعبة في “المثلث” الأميركي – الصيني – الروسي على قمة العالم تدخل فصلاً جديداً. اللاعب الصيني الرئيس شي جينبينغ ثابت في موقعه. واللاعب الروسي الرئيس فلاديمير بوتين ثابت أيضاً في موقعه. المتغيّر هو اللاعب الأميركي الذي كان الرئيس الجمهوري دونالد ترمب، فصار الرئيس الديمقراطي جو بايدن. وما يقوم به اللاعبون في المرحلة الانتقالية بين إدارتين في أميركا هو مراجعة المواقف وتحضير الملفات لمرحلة محكومة بالتنافس والتعاون، بصرف النظر عن الصخب الخطابي. وهي تختلف عن مرحلة الحرب الباردة أيام الجبارين الأميركي والسوفياتي. وتفترق عن مسار ترمب الغريب مع بوتين وتغطيته للتدخل الروسي في الانتخابات الأميركية وسواها، كما عن مراوحته بين مغازلة “صديقي العزيز شي” وإعلان حرب تجارية على الصين وحرب إعلامية ضد أيديولوجيا الحزب الشيوعي الحاكم. فلا اللاعب الصيني يستطيع أن يراهن اليوم على سياسة “دع البرابرة في قتال مع البرابرة” المأخوذة من مثل قديم، التي مارسها أيام الصراع بين واشنطن وموسكو. ولا اللاعب الأميركي يستطيع أن يفعل اليوم ما فعله أيام نيكسون وكيسينجر وماو، وهو سياسة يختصرها مثل صيني: “إجلس على التلة وراقب القتال بين نمرين”. فالتداخل الاقتصادي بين أميركا والصين كبير وعميق، التبادل التجاري السنوي يفوق 600 مليار دولار. الصين تستثمر تريليون دولار في سندات الخزينة الأميركية. 97 في المئة من الأنتيبيوتيك (المضادات الحيوية) الأميركي مصنوع في الصين. ومعظم تجهيزات “آبل” يتم إنتاجها في الصين التي ترسل عشرات آلاف الطلاب إلى الجامعات الأميركية وتحتاج إلى كثير ممَن تسمّيهم “اللصوص الوطنيين” لسرقة التكنولوجيا الأميركية.
بوتين وسياسة الانتقام
ذلك أن الصين وروسيا خسرتا “هدية من السماء” هي ترمب. قادة الصين، بحسب سوزان شيراك من جامعة كاليفورنيا، “تعلّموا التلاعب بالأوتوقراطيين في البلدان الأخرى واستخدموا الدرس للتلاعب بترمب”.
والنخبة الصينية وصفت جائحة كورونا التي فشل ترمب في معالجتها بأنها “واترلو القيادة الأميركية”.
وعميد معهد الدراسات الدولية في جامعة فودان اعتبر أن “سياسة ترمب غير الحكيمة سرّعت الانحدار الأميركي وأضعفت الموقع الدولي للولايات المتحدة”. بوتين مارس سياسة “الانتقام” لروسيا من أميركا على الإذلال بعد الحرب الباردة، وأكمل ما جاء في تقرير للاستخبارات المركزية الأميركية نقلاً عن مسؤول في موسكو: “قرارنا الدائم خلق موقع فوضى جديد لأميركا”. ويقول مدير معهد روسيا في كلية الملك في لندن سام غرين إن “الصراع مع الغرب الأوروبي والأميركي هو عنصر مهم في شرعية بوتين”. أما المسؤولون في الاتحاد الأوروبي، فإنهم يسجلون دعم بوتين لليمين الشعبوي المتطرف والسعي لتدمير الديمقراطية وتفكيك الاتحاد.
بايدن يقول بصراحة “على أميركا أن تكون صارمة مع الصين”. وهو وصف شي بأنه “جزار” ومارس معه في الماضي لعبة سُمّيت “التقمص”. أما روسيا، فإنها في نظره “أكبر تهديد لأميركا”. وما يقلق روسيا والصين، في رأي الخبراء، أن بايدن “رجل يبحث عن الديمقراطية، ولا يريد الاعتراف بمناطق النفوذ”. ويروي بايدن في مذكراته عن لقاء مع بوتين حين كان رئيساً للوزراء أنه “بعد جدال في اجتماع رسمي، انتقلنا إلى مكتب بوتين الخاص. قلت له: السيد الرئيس أنا أنظر في عينيك، ولا أظن أن لديك روحاً”، في إشارة إلى قول الرئيس بوش الابن أنه نظر في عيني بوتين ورأى روحه. بوتين بدا قليل الانزعاج، وقال بابتسامة: “نحن نفهم بعضنا بعضاً”. ومن مكتب بوتين، ذهب بايدن إلى لقاء مع المعارضين. وصرح مايكل ماكفول، السفير الأميركي الذي رافقه أنه قال لهم “طلبت من بوتين ألا يترشح لولاية ثالثة”.
مشاركة أميركا
لكن التعاون في المثلث الدولي ليس مفتوحاً بلا حسابات. والتنافس ليس “معادلة صفرية”. فلا الصين تريد أو تستطيع شن حرب على أميركا، حارّة أو باردة، وإن رأت في الخطاب أن “أميركا تريد تدمير الصين”. ولا أميركا تريد حرباً حارّة أو باردة مع الصين، وإن رأتها قوة صاعدة اقتصادياً وعسكرياً. فالصين، كما يقول السفير الأميركي السابق راين هارس “لا تبحث عن صداقات أو عداوات بل عن فرص للأعمال”. وهي تحاول حرمان أميركا من مواقعها في المحيط الهادئ والاندفاع نحو المحيط الهندي وإكمال مشروع “الحزام والطريق” عبر باكستان وميانمار وسريلانكا، وصولاً إلى جيبوتي واليونان. وطموح روسيا التي “تزرع الشوك على طريق أميركا” هو إلى “مشاركة أميركا” في إدارة النظام العالمي.
غير أن اللعب مع بايدن ليس مثل التلاعب مع ترمب. وإذا استعاد بايدن الدور الأميركي والتحالفات التي أهملها ترمب، فسيفاوض شي وبوتين من موقع قوة ويفرض عليهما مراجعة المواقف. واللعبة طويلة ودقيقة ومعقدة قد تتخللها حرب عصابات اقتصادية وسياسية مدعومة بقوة عسكرية.