رفيق خوري: دينامية المسار السياسي والعسكري

رفيق خوري 12-9-2025: دينامية المسار السياسي والعسكري
ما جرى في الكواليس قبل المسرح في مجلس الوزراء ليس تسوية بل مجرّد ترتيب على النار لتفادي الصدام. ولا بأس في تجاوز الإخراج المضحك المبكي لمشاركة الوزراء الشيعة ثم الانسحاب عند عرض الخطة المعدّة من قيادة الجيش لسحب السلاح غير الشرعي، والتشاطر اللغوي في اللجوء إلى تعبير “الترحيب” بالخطة بدل الدرس والإقرار أو طلب تعديلات، كأن الحكومة هي حكومة بلد آخر يرحّب بما تقدم عليه بيروت.
ولا بأس حتى في اللعبة التقليدية التي مورست في بيان المجلس لجهة إغراق الموضوع بكثير من المواضيع والتفاصيل. لكنّ الكلّ يعرف أنّ الخلاف على سحب السلاح مستمرّ، بصرف النظر عن نوع المقاربة في إدارة الصراع. ولا مجال لسحب الموضوع الأساسي لأنّ إغراقه بالتفاصيل هو عملية عبثية على طريقة “إغراق السمكة” حسب التعبير الفرنسي. ذلك أنّ لبنان انتقل في موضوع حصرية السلاح بيد الدولة من “الشعار” في خطاب القسم والبيان الوزاري إلى “القرار” في مجلس الوزراء ثم إلى “المسار” في خطة الجيش. والمسار متحرّك عبر خطوات عملية على مراحل مهما تكن العقبات، وإلّا عاد لبنان إلى مسار السلاح المرتبط بقضية محلية دون مرتبة الدولة، وقضية إقليمية تتخطى الدول والحدود على أساس الإيمان بأنها كلّها “أرض اللّه”. ولا فرق سواء أكان السلاح في يد السلفية الجهادية، أم في يد أتباع “الولاية”، لأنهم جميعًا يتحدثون عن “الحكم الإلهي”، ولا شرعية تعلو على شرعية “الحكم الإلهي”.
والمشهد ليس جامدًا، ولا هو ستاتيكو محكوم بخلاف لا حلّ له بين عاجزين عن التفاهم وخائفين من الصدام: دولة لا خيار أمامها سوى سحب السلاح غير الشرعي، و “حزب” لا موقف له سوى الإصرار على الاحتفاظ بالسلاح. فالفارق كبير بين “دينامية” القرار الشرعي وجمود الرفض اللاشرعي. دينامية أكثرية شعبية ورسمية ودعم شرعية عربية وشرعية دولية، حيث القدرة اليومية على العمل المتصاعد من الجنوب إلى الشمال. وجمود التمسّك بسلاح غير قابل للاستخدام، كما هي الحال منذ تشرين الثاني الماضي واستمرار العدو في خرقه اتفاق وقف الأعمال العدائية واغتيال أعضاء وكوادر في “حزب اللّه” وقصف أسلحة تابعة له. وليس أخطر من استخدامه خارجيًا سوى استخدامه داخليًا مهما يكن حجم التشدّد في إيران و “حزب اللّه” بالنسبة إلى الحفاظ على السلاح والرهان على دوره مع “محور المقاومة” في المرحلة المقبلة لإعادة عقارب الساعة إلى الوراء. فالدولة لا تريد ولا تستطيع التراجع، لكنها تريد وتستطيع التقدّم. و “حزب اللّه” لا يريد التراجع لكنه لا يستطيع التقدّم. والسؤال في الظروف الحالية وموازين القوى المتغيّرة هنا وفي المنطقة هو: من القادر على “احتواء” من؟
الواقع أن المكوّن الشيعي القوي والمهم ليس في حاجة إلى سلاح “حزب اللّه” لضمان المصلحة والدور والوجود. فلا هو مهدّد بالدور والوجود والمصلحة في لبنان. ولا هو يستطيع مواجهة التهديد الخارجي بالانفراد عن بقية الطوائف والعمل العسكري من خارج الشرعية والوحدة الوطنية التي هي درع الجميع.
والوقت حان للانتقال الآخر من الشعار إلى القرار والمسار بالنسبة إلى استراتيجية الأمن القومي. فالبلد كان ولا يزال في حاجة إلى هذه الاستراتيجية التي تعدّدت مبادرات الحوار حولها من دون فائدة. ولكن ليس كغطاء أو اسم مستعار للحفاظ على سلاح “المقاومة الإسلامية” المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني. وكل المسؤولين والنافذين وأمراء الطوائف الذين شاركوا في طاولات من الحوار في المجلس النيابي عام 2006 إلى الحوارات في القصر الجمهوري يعرفون أنهم كانوا، بحكم الوصايتين السورية والإيرانية، في طبخة بحص.
وفي الأساس، فإن استراتيجية الأمن القومي مسألة متحركة مع ظروف لبنان والمنطقة وليست جامدة. وهي ليست في حاجة إلى مؤتمرات وطاولات بل إلى تصوّر عام تضعه السلطة الشرعية وعلى أساسه يرسم الجيش الاستراتيجية. ألم يقل الجنرال جورج مارشال الذي انتقل من قياده الجيش في الحرب إلى وزارة الخارجية بعدها وكان وراء “مشروع مارشال” لتعافي أوروبا: “إذا تحدد الهدف السياسي، فإن ملازمًا يستطيع كتابة الاستراتيجية؟”.