رد فعل إيران: ضغط مقابل ضغط
إعداد: إفرايم كام
نشرة مباط العدد 318
معهد أبحاث الأمن القومي في 29/02/2012
ترجمة: مركز الناطور للدراسات والابحاث 01/03/2012
ليس هناك شك بأن إيران تواجه خلال الشهور الأخيرة ضغطا وهذا يرجع لسببين: فمن جهة أولى الحكومات الغربية بدأت بإجراء يتوخى فرض عقوبات شديدة عليها خلال الأشهر القادمة –وبالأخص في مجال النفط والمجال المالي-وفي مقدمتها التهديد من قبل الحكومات الأوروبية بوقف استيراد النفط من إيران.
إضافة إلى ذلك الآن وقبل أن تفرض هذه العقوبات يلاحظ تفاقم في الوضع الاقتصادي في إيران جراء العقوبات السابقة وأسباب أخرى.
من ناحية ثانية تتعاظم المؤشرات على أن إسرائيل تدرس خيار الهجوم على المواقع النووية في إيران على المدى المنظور، في بداية 2012 يبدو أن الإدارة الأمريكية أيضا أعادت الخيار العسكري إلى الطاولة إذا ما اتضح أن العقوبات غير ناجعة، لكن خلال شهر فبراير عادت التصريحات الصادرة عن كبار المسؤولين في الإدارة الأمريكية لتشير إلى أن الظروف في الوقت الراهن غير ناضجة لشن إجراء عسكري، وبأن هذا الإجراء لن يحقق أهدافه وأن هناك خلافات حول هذه القضية بين الحكومة الأمريكية والحكومة الإسرائيلية وعلى الرغم من هذه التحفظات الإدارة الأمريكية لا تلغ الخيار العسكري وأن هناك احتمال بأن تعود وتضعه على الطاولة بين الفينة والأخرى.
وفي كل الأحوال الإجراءات المضادة والتهديدات من جانب إيران تشير إلى أن النظام الإيراني يتعامل بجدية مع الضغوط الاقتصادية والعسكرية وهو قلق منها.
إيران تستعد لمواجهة الضغوط المتزايدة بعدة وسائل:
الوسيلة الأولى: فهي تعمل على تقليص الضرر الاقتصادي المتوقع وتحاول إيجاد أسواق أخرى لتصدير النفط بدلا من الأسواق الأوروبية وأسواق أخرى التي يتوقع إغلاقها أو تقليصها في المستقبل القريب.
في ذات الوقت تحاول إيران إقناع دول أخرى وعلى الأخص دول الخليج بعدم زيادة إنتاجها النفطي –كما طلب منها من قبل الدول الغربية كتعويض عن التقليص المتوقع نتيجة لوقف الصادرات النفطية الإيرانية- مدى نجاح إيران في هذا الموضوع ليس واضحا حتى الآن وهناك علامات بهذا الاتجاه أو ذاك، من جهة أخرى السعودية أعلنت أنها ستزيد إنتاجها النفطي بدلا من النفط الإيراني وأن هناك تقارير أن الصين ستستورد في الآونة الأخيرة كميات أقل من النفط من إيران، من الجانب الآخر الهند أعلنت أنها ستواصل استيراد النفط من إيران دون أن يكون من الواضح حجم هذا الاستيراد.
ثانيا: إيران تستخدم ضغوط مضادة أبرزها الإعلان عن وقف تصدير النفط إلى بريطانيا وفرنسا على الفور وأنها قد توسع من وقف صادراتها النفطية إلى دول أوروبية أخرى إسبانيا، هولندا، اليونان، ألمانيا، إيطاليا والبرتغال، إذا ما واصلت هذه الدول اتخاذ إجراءات مضادة ضدها، ويمكن الاعتقاد أن وراء هذه الخطوة إذا ما نفذت ثلاثة اعتبارات أخرى:
أ-الرغبة في إظهار التصميم وعدم التراجع أمام الضغوط الغربية وإقناع الحكومات الأوروبية أن ضغوطها لن تكون ناجعة وأن من الأفضل عدم استخدامها.
ب-بريطانيا وفرنسا وألمانيا لا تستهلك النفط بصفة رئيسية من وارداتها من إيران لذا فإن الوقف المبكر للصادرات الإيرانية إليها لن تؤدي إلى ضرر كبير يلحق بإيران، من هذه الناحية التهديد الإيراني يشكل محاولة لدق الإسفين بين الدول الأوروبية التي اعتمدت صادرتها النفطية على النفط الإيراني (مثل إيطاليا وإسبانيا وإيطاليا) وبين الدول التي لا تعتمد على هذا النفط.
ج-محاولة استباق الحكومات الغربية قبل استكمال استعداداتها وترتيباتها توطئة لوقف استيراد النفط الإيراني في شهر يوليو القادم وبذلك زيادة المصاعب أمامها حتى تتوقف عنها.
ثالثا: إيران تهدد وبصفة رئيسية من أجل ردع إسرائيل أو الولايات المتحدة عن مهاجمة المنشآت النووية التابعة لها، حيث أن هذه التهديدات محاطة بعلنية إجراء المناورات العسكرية.
تهديدان بارزان في هذا السياق هما التهديد بإغلاق مضيق هرمز إذا ما فرضت العقوبات النفطية على إيران، أما التهديد بتوجيه الضربة الاستباقية ضد من يسعى لمهاجمة إيران إذا ما شعرت أن أعداءها يعتزمون تهديد المصالح الوطنية الإيرانية، ويمكن الاعتقاد أن هذين التهديدين ليسا موثوقين وأن إيران لا تعتزم تنفيذهما إلا في الظروف المتطرفة والعصيبة، احتمالية أن تغلق إيران مضيق هرمز ردا على فرض عقوبات نفطية يبدو ضئيلا لسبب مزدوج:
1-لأن إيران ستضر أولا وبالدرجة الأولى بنفسها لأن إغلاق المضيق لن يسمح لها بتصدير نفطها إلى الدول المستعدة لاستيراده.
2-لأن الولايات المتحدة وبريطانيا أوضحتا بأنهما ستفتحان المضيق حتى بالقوة إذا ما أغلق.
التهديد بالمبادرة إلى الهجوم الاستباقي ضد الدول التي تهدد بمهاجمة إيران (غير المعروفة) مثل هذا التهديد أبضا لا يحظى بالمصداقية والموثوقية.
من الصعب الافتراض أن إيران ستفعل ذلك لأن مهاجمة أهداف إسرائيلية أو أمريكية (وعلى الأخص بواسطة الصواريخ) سيعطي الشرعية الكاملة للدولتين لمهاجمة المواقع النووية الإيرانية هذا استنادا إلى دعم دولي واسع.
4-إيران عادت وعرضت العودة إلى مائدة المفاوضات حول الموضوع النووي، في الماضي استخدمت المفاوضات حول هذا الملف أداة في يد إيران من أجل كسب الوقت والتقدم في برنامجها النووي، الوضع هذه المرة يختلف لأن لدى الحكومات الغربية أدوات ضغط جديدة على شكل العقوبات المتوقعة في المجال النفطي وجدول زمني محدد هو شهر يوليو 2012، لكسب الوقت الآن له جانب سلبي بالنسبة لإيران نظرا لأنه بدون خطوة عملية من جانبها تسمح بتحريك المفاوضات ستجد نفسها بعد أشهر معدودة ترزح تحت موجة من العقوبات المؤلمة بل والأكثر إيلاما من العقوبات السابقة.
علاوة على ذلك هناك في الخلف يكمن التهديد بشن هجوم إسرائيلي على إيران وأن هناك إشارات صادرة عن إسرائيل بأن الوقت ينفذ، بيد أن الحكومات الغربية تتحفظ على مثل هذا الإجراء، هذا في وقت تستخدم فيه التهديد الإسرائيلي من أجل زيادة الضغط على إيران.
الحكومات الغربية إذن على استعداد لاستئناف المفاوضات لكن شريطة أن تعرض إيران موقفا جادا ولا تعود إلى مواقفها السابقة.
في هذه المرحلة إيران لا تبدي أي استعداد لتغيير موقفها حول الملف النووي، موقفها هو أنه ليس في نيتها التخلي عن تطوير برنامجها النووي وأن العقوبات لن تدفعها للتراجع عن هذا الموقف، بيد أنه كلما اقترب موعد تطبيق العقوبات النفطية وإذا ما اتضح لإيران أن مناوراتها وضغوطها المضادة لا تنجح في إلغاء أو تأجيل هذه العقوبات فإنه ليس من المستبعد احتمال أن تضطر إلى إبداء المرونة في مواقفها وطرح مقترحات تسمح بانطلاق مفاوضات جديدة حول الملف النووي.