رجب ابو سرية – الاستيطان من الخروج على القانون إلى الإرهاب.!

رجب أبو سرية 2021-12-17
رغم مضي نصف عام على تشكيل الحكومة الإسرائيلية التي أطلق عليها أصحابها اسم الحكومة البديلة، إلا أن تغييراً مهماً، خاصة على صعيد ملف الاحتلال، وملف العلاقة مع السلطة الفلسطينية، لم يحدث. ورغم أن الحكومة الحالية تضم ائتلافاً واسعاً، يمثل كل أطياف الخارطة السياسية الإسرائيلية، في حين كانت الحكومات السابقة منذ نحو عقد ونصف من السنين، تمثل ائتلاف اليمين، واليمين المتطرف مع الأحزاب الدينية، إلا أن الحكومة الحالية لم تغير سياستها، تجاه معظم الملفات السياسية التي ورثتها عن الحكومة السابقة.
وتحديداً فيما يخص مسألتي القدس والاستيطان ومن ثم التفاوض مع السلطة الفلسطينية، ذلك التفاوض الذي أوقفته حكومة بنيامين نتنياهو منذ عام 2014، وحتى في تفاصيل ما يتعلق بأموال المقاصة، بل إن الحكومة الحالية أطلقت العنان للاستيطان وللهجوم على القدس والمسجد الأقصى، وكذلك على الحرم الإبراهيمي مجدداً، مستغلة بذلك حاجة الحليف الأميركي، لتخفيف الضغط الإسرائيلي الرافض لانخراط واشنطن في محادثات فيينا الجارية بين مجموعة 5+1 مع إيران، حول كيفية العودة للعمل بالاتفاق المبرم بينهما عام 2015.
وحقيقة الأمر، إن الائتلاف الإسرائيلي الحاكم حالياً، قد تشكل حول شعار رئيسي وهو إسقاط بنيامين نتنياهو، وفك تحالف اليمين مع الحريديم، لذا فلم يتقدم للانتخابات ببرنامج سياسي مختلف، وحيث أن مكونات التحالف تقدمت للانتخابات ببرامج سياسية مختلفة، فإنها حرصت خلال الفترة الأولى من قيامها، على عدم إظهار الاختلافات البينية خوفاً من تصدعها ومن ثم تفككها، وذلك إلى حين تمرير الميزانية التي مرت فعلاً، منذ أكثر من شهر، دون أن تظهر مكونات الائتلاف الإسرائيلي أي تباينات تذكر، بل حتى واشنطن التي وعد رئيسها جو بايدن منذ حملته الانتخابية، أي منذ أكثر من عام بفتح القنصلية الأميركية في القدس الشرقية المحتلة، والتي انتظرت حتى تمرير الميزانية، ما زالت تتلكأ أو حتى تصمت إزاء هذا الملف نظراً لما أعلنته الحكومة الإسرائيلية من رفض لفتح القنصلية.
وللوقوف عند تفاصيل هذه المسألة، وسبب هذا الموقف، لا بد من استعراض مكونات حكومة الائتلاف الإسرائيلي الحاكم الحالية، فهي ورغم أن رئيسها ينتمي لليمين المتطرف، إلا أن أغلبية قاعدتها البرلمانية ليست يمينية، بل إن أكبر مكونات الحكومة محسوب على الوسط السياسي، لكن وحيث أن الوسط لا يقدم برنامجاً سياسياً مختلفاً عن اليمين فيما يخص الصراع مع الجانب الفلسطيني، فإن السؤال يوجه هنا لليسار، والذي هو صحيح أنه لم يعد قوياً كما كان حاله حين وقع اتفاقية إعلان المبادئ في أوسلو، إلا أنه أحد مكونات الحكومة الحالية، ولابد أن يظهر التزامه بما وقع عليه من قبل، حتى أن إعلاء صوته السياسي المختلف عن اليمين، يمكن أن يشكل بالنسبة له طريقا للعودة الى التأثير على المعادلة السياسية الداخلية .
خلال نصف عام، أثبت نفتالي بينيت، بأنه مخلص للاستيطان، كما أنه مؤهل حقاً لقيادة اليمين الإسرائيلي خلفاً لبنيامين نتنياهو، وهو أطلق العنان للمستوطنين، وتوالت خلال عهده الذي ما زال في أوله، اعتداءات المستوطنين على أرض وممتلكات المواطنين الفلسطينيين، كذلك ارتفعت وتيرة الهجوم على القدس والمسجد الأقصى، وما زال يغلق الباب أمام التفاوض مع القيادة الفلسطينية، كذلك ما زالت حكومته تسطو على أموال المقاصة الفلسطينية، وتمارس كل أنواع وأشكال التنكيل بالشعب الفلسطيني.
ورغم التغير الذي رافق تشكيل هذه الحكومة في ساكن البيت الأبيض، إلا أن مستوى ودرجة رعاية حكومة الائتلاف الإسرائيلي لحرب المستوطنين على القدس والضفة الغربية، لم تنخفض ولم تتوقف، بل إن بينيت نفسه، أعلن بكل صلف وصفاقة رفضه إقامة دولة فلسطينية، ورفضه لوقف الاستيطان، دون أن تراجعه واشنطن، بل دون أن يراجعه الائتلاف الحاكم نفسه، بما يعني بأن برنامج الحكومة الإسرائيلية يكاد يكون هو برنامج “اليمين الجديد”، الحزب الذي يقوده بينيت.
أما الإشارات الخجولة، المتمثلة بلقاء ممثلي حزب ميرتس، ومن قبلهم وزير الدفاع بيني غانتس للرئيس محمود عباس، فما زالت دون المستوى المطلوب، وإذا كانت ميرتس تحاول أن تشق جدار اليمين الإسرائيلي الصلد، فإن حزب العمل المفروض أنه يساري وأنه من قاد حكومة اليسار التي وقعت “أوسلو”، ما زال يلتزم الصمت، وكأنه مختبئ وراء مقاعده الحكومية، خشية أن يفقدها، بعد أن جلس طويلاً خارج الحكومات الإسرائيلية السابقة.
ولأن الاستيطان في عهد بينيت الذي يعتبر ممثلاً له منذ أول مرة دخل فيها الكنيست، قد تحول من استيطان خارج عن القانون الدولي، الذي يعتبره كما هو حال الأمم المتحدة، غير شرعي، إلى إرهاب منظم ضمن جماعات مسلحة تحمل البنادق وتمارس الإرهاب العنصري، أي على أساس قومي، بهدف طرد الفلسطينيين من وطنهم وترويعهم. وحيث أنه لم يكتف بمواصلة البناء غير الشرعي على الأرض الفلسطينية المحتلة، فإن إرهاب المستوطنين قد انتقل من خانة تهديد حل الدولتين، الى حقل إشعال الحرب داخل الضفة الغربية، أولا بين المستعمرين/المستوطنين المدعومين من الجيش والشرطة، وثانياً بين الإرهاب اليهودي وما تبقى من قوى إسرائيلية مدنية تؤمن بالسلام والمساواة.
لهذا فان خطر المستوطنين قد بات كبيراً، لدرجة أنه أخرج الوزير عومر بارليف وزير الأمن الداخلي عضو حزب العمل، مؤخرا عن صمته وصمت حزبه داخل الحكومة، وكل قصة بارليف تعود الى تغريده له، نشرها على حسابه في تويتر، يوم الإثنين الماضي، تطرق فيها الى لقائه مع مساعدة وزير الخارجية الأميركية فيكتوريا نولاند، قائلاً بأنه التقى المسؤولة الأميركية التي كانت مهتمة ضمن أمور أخرى بعنف المستوطنين.
ومجرد استخدام الوزير بارليف لمصطلح “عنف المستوطنين”، تعرض لهجوم من قبل وزيرة الداخلية المتطرفة رفيقة بينيت، إيليت شاكيد، معتبرة المستوطنين ملح الأرض، وأن العنف إنما هو المقاومة السلمية الفلسطينية، وشارك وزير الأديان الذي هو أيضا من حزب “يمينا” شاكيد الهجوم على بارليف، ثم توافق اليمين المعارض مع وزراء “يمينا” الحاكم، في الهجوم على بارليف الوزير ذي الخلفية الأمنية الطويلة، لكن الوزير بارليف تحلى بالشجاعة حين رد على منتقديه اليمينيين في الحكومة والمعارضة على حد سواء، قائلاً: أفهم أنه يصعب عليكم رؤية وجوهكم في المرآة، لتروا أن عنف المستوطنين المتطرفين يعبر العالم بأسره.