أقلام وأراء

رجب أبو سرية يكتب – حرب الأصدقاء بين أميركا وإسرائيل

رجب أبو سرية – 25/6/2021

في الوقت الذي تشير فيه الأخبار القادمة من فيينا، إلى التقدم في المباحثات، بعد سبع جولات حوار بين الأطراف الساعية للعودة للعمل بالاتفاق حول البرنامج النووي الإيراني، بين إيران والدول الخمس + واحد، تواصل إسرائيل محاولاتها لقطع الطريق وإعادة خلط الأوراق مجدداً في هذا الملف، وهي بعد أن فشلت في منع واشنطن من الدخول في تلك المحادثات، ها هي تلوح علناً، بأنها ستقدم على عمل عسكري ضد المنشآت الإيرانية، وأنها لن تكتفي بمعارضتها للاتفاق.

وقد كان هذا الأمر أول موضوع يجري الجدل حوله بين رئيس المعارضة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، ورئيس الحكومة بالتناوب وزير الخارجية يائير لابيد، حين اتهم الأول الثاني بأنه تعهد للولايات المتحدة، بانتهاج سياسة “لا مفاجآت” فيما يتعلق بإيران، في إشارة إلى أن إسرائيل لن تقدم على عمل ضد إيران دون علم الولايات المتحدة، أو من وراء ظهرها، وقد أشار نتنياهو إلى إقدام مناحيم بيغين، أول رئيس وزراء يميني إسرائيلي، على قصف المفاعل النووي العراقي عام 1981، بما أدى إلى تدميره ووقف سعي العراق إلى امتلاك القنبلة النووية

الحقيقة أن خروج نتنياهو من مكتب رئيس الوزراء، لا يعني بأن الأمور باتت وبشكل تلقائي “سمناً على عسل” بين تل أبيب وواشنطن، ففي أكثر من ملف، هناك خلاف بين الحليفتين، والجدل يدور حول كيفية معالجة هذا الخلاف، أو الاختلاف، ففي إسرائيل ما زالت هناك أصوات تبني على الموقف الذي يقول إن إسرائيل ليست طرفاً في الاتفاق الدولي مع إيران، وبالتالي يحق لها أن تتصرف تجاهها بما تراه مناسباً لها، ولأمنها بالذات، أي أن تحتفظ بحق الإقدام على تدمير المنشآت النووية الإيرانية باستخدام القوة العسكرية، لكن السؤال هنا هو، هل تقف الأمور عند هذا الحد؟ فإذا تصرفت إسرائيل بمفردها، دون علم أو تنسيق الولايات المتحدة، ودخلت في حرب مع إيران، بما يعني جر الشرق الأوسط كله إلى حريق شامل، هل يعني ذلك بأن الولايات المتحدة حينها لن تكون ملزمة بالدفاع عن إسرائيل؟

وهل تتحمل إسرائيل حرباً إقليمية، ضد دولة لها حلفاء إقليميون ودوليون، ستدخل حينها حرباً شنتها عليها إسرائيل، بعد اتفاقها مع ممثلي العالم، أي دول مجلس الأمن الخمس وألمانيا، بحيث تكون إيران في نظر هؤلاء والعالم في موقف الدفاع المشروع عن النفس، فيما ستكون إسرائيل هي المعتدية، بل والخارجة عن إرادة حكومة العالم، ممثلة بالدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن إضافة لألمانيا.

بالطبع خروج نتنياهو من موقع الحكم في إسرائيل، فتح الباب لمعالجة خلاف أميركي/إسرائيلي، يتعلق أيضا بالملف الفلسطيني، فما زالت إسرائيل تعارض إعلان وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينيكن إعادة فتح القنصلية الأميركية في القدس الشرقية، حيث اضطر الناطق باسم الخارجية الأميركية نيد برايس للتأكيد مجدداً على أن بلاده عازمة على فتح القنصلية المعنية بشؤون الفلسطينيين، لكن مغادرة نتنياهو، رغم أن كونه رئيس وزراء إسرائيل، كانت تعني علاقات متوترة وليست فاترة وحسب مع بيت ابيض وكونغرس ديمقراطيين، كما كان يائير لابيد قد أوضح من قبل، لا تعني بأن تنقية الأجواء بين الحليفين تمت تلقائياً.

فيوم أمس كشف تقرير نشرته “نيويورك تايمز” عن أن مصنع الطرد المركزي الإيراني الذي استهدف بطائرة مسيرة أول من أمس، كان مدرجاً ضمن قائمة بنك الأهداف الذي قدمته إسرائيل لإدارة ترامب مطلع العام الماضي. وبالطبع عادة ما تستند التقارير الإعلامية خاصة في الشأن الأمني على تسريبات من قبل مسؤولي الأمن والسياسة، وهذا يعني بأن واشنطن، تقوم “بقرص أذن إسرائيل”، وهي تعرف بأن الحكومة الحالية، بمعظمها تميل للمواقف اليمينية، ليس لأن رئيسها يميني فقط، بل بسبب تركيبتها، وبسبب كون المجتمع الإسرائيلي قد تحول كثيراً لليمين والتطرف خلال أكثر من عقدين من حكومات اليمين المتعاقبة.

لو فكرنا بهدوء، وتساءلنا عن السبب الذي أقدم عليه نتنياهو وهو في الحكم على إثارة كل هذا الجدل، وشحن إسرائيل بمخاوف ليست حقيقية، مفادها أن امتلاك إيران للطاقة النووية سينتج عنه صنع قنبلة نووية، في عالم يسير نحو تفكيك هذه القوة المدمرة للبشرية بين أعظم قوتين نوويتين في العالم، روسيا وأميركا، لتبينت لنا إضافة لأهداف الرجل بالبقاء في الحكم، محاولة إسرائيل تحسين شروط الاتفاق مع إيران لتشمل النفوذ السياسي والعسكري الإيراني في المنطقة والذي يحد من طموح إسرائيل في السيطرة على الشرق الأوسط، خاصة العالم العربي منه.

كذلك إبقاء إيران ضعيفة اقتصادياً، بمنع نموها الذي سيشهد انطلاقة كبيرة حين تمتلك الطاقة النووية في الاستخدام السلمي، وهي أي إسرائيل، تتحرك في اتجاهين: أولهما محاولة السيطرة على حقول الغاز في البحر المتوسط، بالسطو على معظم سواحل البحر الشرقية، حيث تواجه تركيا وغيرها، والثاني فرض الانكفاء على إيران لتبتعد عن حقول الغاز والنفط في الخليج العربي، الذي بدأت في التوغل فيه عبر اتفاقات “أبراهام”.

حيث بعد أن نجحت إسرائيل في إفراغ المنطقة العربية من قوتها المانعة لتمددها وسيطرتها، ها هي تجد إيران أولاً وتركيا ثانياً، كقوتين منافستين لها في السيطرة على الشرق الأوسط كله، واللتين تقفان حالياً ضد تحولها من دولة متوسطة القوة، إلى دولة عظمى اقتصادياً وسياسياً، تسيطر على الشرق الأوسط كله.

هذا الطموح الإسرائيلي، في حقيقة الأمر يصطدم ليس فقط بإيران وتركيا بدرجة ثانية، ولكن يصطدم بالقوى العظمى، لهذا السبب نجد كلاً من روسيا والصين، تقفان إلى جانب إيران في هذه المسألة، ثم نجد أوروبا تقف في منتصف الطريق، داعمة للاتفاق السياسي، فيما كانت أميركا هي الموقف الأخير الحاسم، وبالطبع هنا افترق الديمقراطيون عن الجمهوريين، ففي حين وقعت إدارة باراك اوباما الاتفاق عام 2015 تنصل منه دونالد ترامب عام 2018، أما إدارة بايدن فتدرك بأن إسرائيل سعت لتحقيق طموحاتها التي تفترق تماماً عن المصالح الأميركية في المنطقة، لذا فإن الصراع الخفي يتحول اليوم إلى تسجيل النقاط، لتخرج إسرائيل بربح ما، هو بالطبع دون ما كان يطمح له نتنياهو سابقاً.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى