أقلام وأراء

رجب أبو سرية يكتب – الكنيست 24 : الصورة ضبابية

رجب أبو سرية – 12/2/2021

رغم أهمية الانتخابات العامة الإسرائيلية، التي ستجري بعد أقل من شهر ونصف من الآن، إلا أن الاهتمام بها، الفلسطيني خاصة، لا يبدو أنه كما حدث من قبل مع الجولات الثلاث السابقة التي جرت خلال عامَين مرّا، وعبرت عن أزمة حكم داخل دولة الاحتلال، أثرّت كثيراً على الحالة الفلسطينية، وقد يبدو السبب في ذلك أن هذه الانتخابات أيضاً وهي الثانية التي تجري في ظل جائحة الكورونا، لن تكون حاسمة، وأن صورتها ضبابية، وربما كان السبب يعود إلى أن العالم قد أُتخم من متابعة فصول الانتخابات الرئاسية الأميركية، وما تخللها من انتقال دراماتيكي للسلطة بين دونالد ترامب الرئيس المهزوم وجو بايدن الرئيس المنتصر.

الغريب هو أن انتخابات الكنيست هي الانتخابات السياسية الوحيدة، ذلك أن نظام الحكم الإسرائيلي برلماني، ونتيجتها تحدد رئيس الحكومة، أي رأس الهرم السياسي في الدولة، ورغم أن الجولات السابقة، بل وخلال العقد الأخير لم تشهد إسرائيل انتقالاً أو تداولاً في الحكم بين حزبين أو معسكرين، كانا منذ عقود، هما اليمين واليسار، إلا أنها كانت مثيرة، لأنها تركزت حول شخص رئيس الحكومة المتهم بالفساد، وحتى بتأسيس حكم فرد مستبد، لذا فإن الخصوم كانوا يجتمعون على شعار إسقاطه، ورغم أنهم لم ينجحوا في مسعاهم خلال ثلاث جولات، إلا أنهم حققوا حالة من التوازن لم تخرجه من مكتب رئيس الوزراء، إلا أنها حولته لرئيس حكومة تسيير أعمالمعظم فترة السنتين الماضيتين.

ورغم أن نتنياهو ظل على رأس الهرم، بفضل قوة اليمين، إلا أن التحديات التي ظلت تواجه زعامته كانت تأتي تباعاً من اليمين نفسه، وعلى الطريق لهذه الانتخابات أيضاً، ورغم انه قد تجاوز عقبة حزب «إسرائيل بيتنا» بزعامة افيغدور ليبرمان، أي أن تحالف اليمين_الحريديم، يحقق وفق استطلاعات الرأي التي طالما أثبتت صحتها خلال الجولات السابقة، يحقق أغلبية مريحة لتشكيل حكومة اليمين، إلا أنه يواجه تحدياً إضافياً، ممثلاً بحزبي « يمينا» نفتالي بينيت، و»تكفا حداشاه» جدعون ساعر المشنق حديثاً عن الليكود، بما يرجح عدم قدرة نتنياهو على تشكيل الحكومة من اليمين التقليدي/ الليكودي والحريديم.

ومع اختفاء اليسار، يبدو أن هناك ثلاثة معسكرات قيد التشكل، هي بالطبع معسكر الليكود مع الحريديم، ثم تحالف بينيت_ساعر، الأكثر يمينية من الليكود، فيما المعسكر الثالث، يبدو أنه في طريقه للتشكل ومكون من «ييش عتيد»/يائير لبيد، و»إسرائيل بيتنا»/افيغدور ليبرمان، وقد ظهرت هذه التحالفات من خلال الاتفاق بين الأحزاب على تبادل فائض الأصوات، فيما تراجع تأثير القائمة العربية المشتركة، والتي بتوحيد الأصوات العربية ضمن إطارها في الانتخابات السابقة خلقت معضلة لإسرائيل، حين لاح احتمال ظهور العرب كزعيم للمعارضة.

ولو قمنا بمحاولة «تجميع» صورة الكنيست الـ 24 القادمة، مع هذا التفتت الحزبي، لتبين لنا بأن معسكر ليكود_ نتنياهو متحالفاً مع الحريديم ومع زعيم «الصهيونية الدينية» عدو العلمانية المنشق عن «يمينا» بتسئليل سموتريتش، الذي وقع أول من أمس تحالف فائض الأصوات مع الليكود، يحصل على نحو 48 مقعداً، في حين يحصل تحالف ساعر_بينيت على 24، مقابل حصول خصوم نتنياهو في الانتخابات السابقة، الذين هم كل من لبيد وليبرمان، «كاحول لافان»، «العمل»، «ميريتس» والعرب على 48.

مثل هذه الصورة تفرض واحداً من ثلاثة سيناريوهات لتشكيل الحكومة، أولها، أن يفشل الكنيست القادم في تشكيل حكومة، وبالتالي تذهب إسرائيل إلى سلسلة انتخابات كما حدث عامي 2019_2020،  أو أن يتم التوصل إلى الاتفاق الصعب وهو أن يتم تشكيل حكومة بين معسكري نتنياهو وساعر_بينيت، على أن يخرج من الحكم نتنياهو شخصياً، فالرجلان الطامحان لرئاسة الحكومة حديثاً، أي كل من ساعر وبينيت، لا مشكلة لهما مع الليكود ولا مع الحريديم، لكن فقط مع شخص نتنياهو، وهو نفس الأمر الذي كان عليه اليميني من قبلهما أفيغدور ليبرمان، دون ذلك على نتنياهو أن يزيد قوة معسكره من 3_5 مقاعد عما تشير له استطلاعات الرأي حالياً، وهذا أمر ممكن، على أن يعيد الشراكة مع «كاحول لافان» و»العمل»، كما هو حال الحكومة الحالية.

وبالطبع إذا جاءت نتيجة الانتخابات على هذه الصورة التي تتوقعها استطلاعات الرأي، ورغم أن الوقت ما زال مبكراً، إلا أن حجم الفجوة، بسبب وجود ثلاثة معسكرات كبيرة، لا يمكن لأحدها أن يعبرها، إلا بالشراكة بين معسكرين فيما يكون الثالث هو معسكر المعارضة، إلا أن نتنياهو كما هي عادته سيحاول أن يصطاد أحد خصومه الكثر هذه المرة، وحيث أنه لن يكون اصطياد كاحول لافان، أو العمل، كافياً، لذا فهو سيواجه ضرورة الاتفاق مع واحد على الأقل من ثلاثة أو أربعة خصوم، كلهم خرجوا احتجاجاً على شخصه، ونعني بذلك كلاً من جدعون ساعر، نفتالي بينيت، إضافة إلى كل من مائير لبيد وافيغدور ليبرمان.

المهم في الأمر بالنسبة لنا، هو أن يستمر الشلل في إسرائيل ليمنعها ليس فقط من التحول إلى أقصى اليمين، بل حتى لا تبقى في موقع اليمين الرافض للإقرار بالحقوق الوطنية الفلسطينية، هذا أولاً، وثانياً، أن يكون العرب/الفلسطينيون داخل إسرائيل في أفضل حالة من التوحد كما حدث في الانتخابات السابقة التي حصلوا فيها على عدد قياسي غير مسبوق، وكان ذلك يعود إلى النجاح في تشكيل القائمة المشتركة من أربعة مكونات سياسية، التي كانت سبباً في دفع أكبر عدد من الناخبين للذهاب إلى صناديق الاقتراع، وكانت الوحيدة التي ازدادت قوتها ما بين كنيست 22 وكنيست 23، وكانت سبباً في فشل نتنياهو في تشكيل الحكومة، والذي كاد أن يسقط لولا تدخل ترامب وخيانة بيني غانتس.

لذا فإن نتنياهو يسعى وراء الصوت العربي، بعد أن نجح نسبيا في شق الصف من خلال، خروج ممثل الحركة الإسلامية منصور عباس، الذي عبّر بصفاقة عن خروجه على الإجماع الوطني الداخلي، بوصفه للمقاومين بالمخربين، وحيث أن العربية الموحدة التي يمثلها خرجت من القائمة المشتركة، فإن قوة المشتركة تتراجع من 15 إلى 9 مقاعد، فيما الإسلامية لن تتجاوز نسبة الحسم، وهذا دليل على موقف سياسي عبثي عادت له الحركة الإسلامية، وكانت عليه من قبل، يذكر بواقعة انقلابية على الجانب الفلسطيني الآخر، وكأن الإسلاميين دائماً لديهم مشكلة مع الشراكة أو المشاركة السياسية، رغم كل ما فيها من خير للكل الوطني !

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى