أقلام وأراء

رجب أبو سرية يكتب – أبراهام توأم صفقة العصر

رجب أبو سرية – 23/3/2021

رغم أن عالم اليوم محكوم برؤساء الجمهوريات ورؤساء الحكومات الديمقراطية، إلا انه ليس محكوماً لأهوائهم ولا لرغباتهم الفردية، كما كان الحال – مثلاً – في عصور الإمبراطوريات والملكيات قبل قرون خلت، ورغم ذلك فإن الأفراد من الرؤساء ورؤساء الحكومات يمثلون بما هم عليه من صفات وطبيعة شخصية خيارات مؤسسات الحكم، وليس أدل على ذلك من عقد المقارنة بين ولايتي الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، والحالي جو بايدن.

فما أن غادر الرئيس الجمهوري ترامب البيت الأبيض، حتى تنفس العالم الصعداء، وهبط مستوى التوتر في غير مكان، ومنه الشرق الأوسط، الذي تعامل معه في أهم ملفين يخصانه بشكل مجحف، ففي الأول قام بتعطيل اتفاق دولي يمنع إيران من الحصول على القنبلة النووية، ولا يمنعها من استخدام الطاقة الذرية لأغراض التنمية السلمية، وفي الثاني أعد قنبلة ذرية سياسية، كان من شأن إطلاقها أن يمحق الحقوق الوطنية الفلسطينية عبر ما وصفها بشكل مبالغ فيه بالطبع بصفقة العصر، وما بين تعطيل اتفاق ومحاولة فرض آخر، أطلق قبل خروجه اتفاقات هوجاء، الغريب أن لها علاقة بالملفين آنفي الذكر، وأطلق عليها مصطلح اتفاقات «أبراهام»، وهنا ما لا بد من الإشارة إليه هو انه كان له شريك في هذه السياسات والإجراءات، ما زال وجوده على رأس حكومة بلاده، يبعث على القلق والتوتر، فلا يستوي الأمر، إلا بخروجه هو الآخر من منصب رئيس وزراء إسرائيل، ونقصد بالطبع بنيامين نتنياهو.

الشرق الأوسط سيكون أفضل بالطبع دون وجود نتنياهو في موقع رئيس وزراء إسرائيل، وهذا أمر ليس من عالم التخمين أو التوقع، بل يستند إلى وقائع أكثر من عشرين سنة خلت، فقد ظهر نتنياهو على المسرح السياسي الإسرائيلي كمعارض لـ «أوسلو» وهو منذ لحظة ظهوره الأولى، عبر عن رفض السلام مع الجار الفلسطيني، وقام بكل ما يمكنه القيام به خلال عقدين من أجل إجهاض براعم السلام وتباشيره التي ظهرت في سماء المنطقة بين الطرفين، لذا فإن بقاءه في مقدمة المسرح السياسي الإسرائيلي يعبر بشكل صريح وواضح، عن إغلاق الباب أمام السلام التاريخي بين الطرفين، وفي نفس الوقت يفتح أبواب التوتر والقلق والحروب في المنطقة بأسرها.

ولا يعبر «أبراهام» عن حالة سلام، كما كان حال شقيقته التوأم «صفقة العصر»، بل على العكس تماما، فهو يعزز من سطوة اليمين على إسرائيل، وقد عقدت اتفاقات «أبراهام» أولا بهدف تعزيز فرص ترامب للفوز بولاية رئاسية ثانية، ثم من أجل بقاء نتنياهو في موقع رئيس وزراء إسرائيل، رغم دعاوى الفساد ضده في المحاكم، ورغم أنه كما فعل صديقه ومثيله ترامب واجه «كورونا» منحازاً للأثرياء وضارباً عرض الحائط بحياة الفقراء، بهدف استمرار دخول الأموال الباهظة لجيوب الأثرياء.

ونتنياهو رئيساً لحكومة إسرائيل وهو ما هو عليه من فساد، ومن استمرار في الحكم كل هذه المدة، ينفي كذبة إسرائيل الكبرى، بأنها الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، فهو نموذج لرئيس الحكومة الفاسد، ثم المتفرد بالحكم، ثم كمشروع دكتاتور، وكشعبوي أيضا، تماماً كأنه توأم شخصي لترامب، لذا فإن «الديمقراطية الإسرائيلية» على المحك اليوم، مع جر نتنياهو لها لانتخابات رابعة خلال عامين، ليس لسبب سوى الحفاظ على بقائه في الحكم.

و»الديمقراطية الإسرائيلية» على المحك لأنها تواجه الاختبار الحقيقي في مواجهتها لمشروع الدكتاتور، وقد ازدادت حدة التحدي، بعد نجاح الديمقراطية الأميركية في الحفاظ على إرثها وتراثها، بطي صفحة ترامب وإلحاق الهزيمة بمشروعه الاستبدادي / العنصري، لكن إسرائيل لعدة أسباب: أولها أنها دولة حديثة العهد، وثانيها أنها تقيم في الشرق، رغم الحبل السري الذي يربطها بالغرب، وثالثاً بقاء عهدة الاستعمار الأخيرة لديها، أي الاحتلال، لكل ذلك فإن الشك يدور حول احتمال أن تنجح إسرائيل في الإطاحة بنتنياهو.

لقد حاولت إسرائيل من قبل، عبر اليسار والوسط وجنرالات الجيش، ثم مؤسسات الأمن الإطاحة بمشروع الدكتاتور الذي يبقي على عزلة إسرائيل، ويبقي عليها محكومة بالماضي، لكنها فشلت، وأبعد ما وصلت له هو الوصول لحالة من التوازن الداخلي التي منعت نتنياهو من الحكم بشكل مريح وطبيعي ومتواصل، لكنها لم تنجح في وضع حد لحكمه، رغم أن الاحتجاجات والانشقاقات قد وقعت في معسكر اليمين أولا _ عبر افيغدور ليبرمان وحزبه_إسرائيل بيتنا، ثم في حزب الليكود تالياً عبر جدعون ساعر_ وحزب _أمل جديد، وما بينهما نفتالي بينيت_ يمينا، وكل هؤلاء لديهم طموح تكرار نموذج نتنياهو في الحكم الفردي، والتحقق الشخصي عبر التطرف اليميني.

كثيراً ما عرف نتنياهو في بلاده بالكاذب والمراوغ والمخادع، ثم ها هو يعرف كفاسد إلى حد رفع عدة قضايا جنائية ضده في المحكمة، ورغم ذلك لا يسقط عبر صناديق الاقتراع، بما يؤكد بأن الثقافة المدنية_الديمقراطية ليست متأصلة لدى الجمهور الإسرائيلي، لذا فان الداخل الإسرائيلي يبدو انه بحاجة إلى الخارج ليصحح مساره، وبالأخص الجانب الفلسطيني، الذي حين ينجح بمواجهة الاحتلال، يفرض انكفاء على اليمين الإسرائيلي وتراجعاً، ويدفع المجتمع الإسرائيلي للتفكير بالسلام عبر وضع حد للاحتلال، ولأنه لابد أن ينتهي الاحتلال طال الزمان أم قصر، فإن إسرائيل ما دامت عالقة بوحل اليمين وزعيمه نتنياهو، لن تحصد إلا الشوك، على المدى البعيد، وليس أدل على ذلك من وهم سلام «أبراهام» الذي يقابله عداء متزايد مع دول ليست بينها وبين إسرائيل حدود مباشرة، والإقليم تؤثر فيه الدول المركزية، كما هو تأثير الدول الكبرى في العالم أهم من تأثير الدول الصغيرة، لذا فالسلام مع الصغار مقابل العداء مع الشعب الفلسطيني ومع كبار الإقليم يعتبر وهماً.

في نهاية المطاف سيخرج نتنياهو من الحكم، وسيأخذ معه «أبراهام»، كما خرج ترامب وأخذ معه صفقة العصر، حينها سيتضح للواهمين الذين ناصروا العدو على الشقيق بئس ما فعلوا بأنفسهم وبأخوتهم، وستترسخ القناعة بحاجة العرب جميعاً لنظام الحكم الديمقراطي، بما يشمل جميع أنظمة الحكم، فلا يقتصر الأمر على دول عربية دون غيرها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى