رجب أبو سرية: المشكلة في إسرائيل وحلفائها
رجب أبو سرية ١٨-٤-٢٠٢٤: المشكلة في إسرائيل وحلفائها
لا أحد يشك ولو مقدار ذرة في حب الرئيس الأميركي جو بايدن لإسرائيل، ولا في التزامه بأمنها والحفاظ على وجودها، ولا في مدى الالتزام الأميركي بحماية إسرائيل لدرجة الدفاع عما هو غير طبيعي فيها، من ضمن ذلك احتلالها لأرض الغير، وتفوقها العسكري على كل جيرانها القريبين والبعيدين، فرادى ومجتمعين، ومع أن بايدن اختلف مع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو وكابينيت الحرب الإسرائيلي، منذ بداية حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة، حول إدارة نتنياهو لتلك الحرب، إلا أن بايدن لم يرفع يده لا عسكرياً ولا سياسياً عن إسرائيل، بل إنه زج منذ اليوم الأول بأكبر حاملات الطائرات في العالم للدفاع عن إسرائيل في مواجهة حرب محتملة مع حزب الله، ثم دفع بقطعه البحرية للذهاب إلى البحر الأحمر وبحر العرب، لردع الحوثي، وقطع الطريق عليه في محاولته فرض حصار بحري على إسرائيل، من جهة الجنوب.
وإدارة بايدن ظلت طوال ستة أشهر كاملة، من حرب ارتكبت فيها إسرائيل آلاف جرائم الحرب المدانة وفق القانون الدولي، وإلى الحد الذي يشير إلى أن حربها إنما هي حرب إبادة جماعية، مع إعلان أهدافها بالتهجير القسري، وممارسة القتل الجماعي، واستهداف كل سبل الحياة، وأماكن لجوء المدنيين، والمدارس والمستشفيات والمساجد والكنائس، والبنية التحتية، والمؤسسات الدولية، وقتل الصحافيين والأطباء والمسعفين، وكوادر الإغاثة الدولية، ومع ذلك ظلت إدارة بايدن تحمي إسرائيل، لدرجة أنها استخدمت حق النقض – الفيتو أربع مرات ضد مشاريع قرارات في مجلس الأمن تدعو فقط لإلزام إسرائيل بالقانون الإنساني الدولي واحترام القانون الدولي، وإدخال المساعدات الإنسانية والتوقف عن قتل المدنيين، ووقف إطلاق نار إنساني، كل هذا فعله بايدن، رغم أنه كان يتوقع، وفق ما خدعه به الإسرائيليون بأن الحرب لن تطول أكثر من بضعة أشهر، فيما كان هو يتوسل إليهم بأن تتوقف بعد شهرين، أي مطلع العام الحالي، ثم بعد ذلك تمنى أن تتواصل عدة أسابيع فقط، وكل هذا وهو في عام انتخابات رئاسية.
مع ذلك فإن هناك في إسرائيل من يتهم بايدن بأنه يعمل لصالح «الإرهاب» وأنه ضد مصلحة إسرائيل، أو أنه يمنع انتصارها في الحرب، رغم الحقيقة التي تقول، إن بايدن يدفع جراء انحيازه لحرب الإبادة الإسرائيلية المدانة عالمياً، من فرصة إعادة انتخابه، وإن أميركا وليس بايدن فقط تدفع من رصيد مكانتها العالمية، التي تآكلت جراء ذلك الموقف، ولم تعد تقنع أحداً بأهليتها لتقود العالم منفردة، والأهم أن الحرب الإسرائيلية على غزة، قد «حررت» روسيا من حربها مع أوكرانيا، كما أنها حررت الصين أيضاً من الضغط الذي كان يمارسه عليها بايدن في تايوان، وعززت من مكانة ونفوذ إيران في الشرق الأوسط، وقد اتضح تماماً، أن إسرائيل وهي محكومة باليمين المتطرف، قد تقاطعت مع الجمهوريين الأميركيين، خاصة أن الجمهوريين يعارضون سياسة بايدن في أوكرانيا، فيما أنهم يؤيدونه فيما يخص انحيازه للحرب الإسرائيلية على غزة، وقد اتضح هذا حين جرى تصويت الكونغرس على حزمة المساعدات المالية، حيث لجأ بايدن إلى ربط حزمة المساعدات لإسرائيل بالمساعدات لأوكرانيا، حتى يمرر تلك المساعدات، ويمنع أو يؤجل سقوط أوكرانيا.
وبعد أكثر من ستة أشهر على الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، حيث حولت إسرائيل القطاع بسكانه إلى منطقة غير قابلة للحياة، كما لم تفعل ألمانيا النازية بفرنسا أو دول شرق أوروبا التي احتلتها في الحرب العالمية الثانية، بل فقط كما فعلت أميركا بالمدن اليابانية حين ألقت عليها القنابل النووية، لذا فإن كثيراً من دول الغرب وليس دول الشرق، أي الدول الصديقة لإسرائيل، باتت تدرك حقيقة خطر دولة إسرائيل، وأنها ليست مجرد «دولة ملجأ لليهود» الهاربين من جحيم الهولوكوست، بل تحولت إلى دولة مجرمة، مسكونة بالنزعة العنصرية، نزعة التفوق العرقي، التي تبيح قتل الآخرين، والتي ترى أفرداها فوق البشر، وأن الغالبية الساحقة في الحكومة الإسرائيلية الحالية وبين صفوف أعضاء نواب الكنيست، يرون في إقامة دولة فلسطين خطراً وجودياً أو أمنياً على إسرائيل، مع أن الحقيقة التي يقول بها كل العالم هي أن أمن إسرائيل واستقرار المنطقة يمر عبر حل الدولتين، أي بإقامة دولة فلسطين المستقلة.
إن دولاً مثل فرنسا، إسبانيا، النرويج، بلجيكا، وحتى أستراليا وكندا، تقول اليوم إن الحفاظ على حل الدولتين الذي هو مفتاح الاستقرار في الشرق الأوسط يكمن في الاعتراف بدولة فلسطين، وهذا لا يعني أن هذه الدول باتت عدوة لإسرائيل، كما لم يعن خلاف بايدن مع نتنياهو أنه ليس صديقاً لإسرائيل، بل يعني شيئاً مهما للغاية وهو ضرورة الفصل بين إسرائيل وبين أولئك الفاشيين الذين وصلوا إلى الحكم فيها، والذين ظهروا أولاً مع انتصار بنيامين نتنياهو في انتخابات العام 1996، ضد شمعون بيريس، وسار على طريق إلغاء مسار السلام الفلسطيني الإسرائيلي، واعتمد أولاً على اليمين حتى تبدد اليسار الذي عقد الاتفاق، وثانياً على اليمين المتطرف ليكمل مشواره الفاشي بقتل وترحيل الفلسطينيين، ما داموا يرفضون الاستسلام للاحتلال، ويصرون على الحرية والاستقلال.
تماماً كما وجب الفصل بين ألمانيا وحزبها النازي، وبين إيطاليا والفاشيين، والآن وبعد ثمانية عقود مرت على إنشاء إسرائيل، فإن السؤال الذي لا بد من طرحه، هو لماذا ما زالت تخوض الحروب حتى الآن، ولماذا بعد أن كانت ترى في المحيط العربي (مصر وسورية، الأردن والعراق وفلسطين) عدواً لها، أو طرفاً آخر في حروبها ما بين عامي 1948 – 1982، باتت ترى في إيران وجنوب لبنان واليمن عدواً لها، وبعد أن دفعت الأميركيين لاحتلال العراق، تواصل منذ أعوام سعيها لدفعهم للحرب مع إيران ؟
لماذا ما زالت إسرائيل تواجه مشكلة مع جيرانها في الشرق الأوسط، مشكلة تحول دون اندماجها في ذلك المحيط، رغم أن ست دول عربية أقامت علاقات رسمية طبيعية معها (مصر والأردن وفلسطين، ثم البحرين والإمارات والمغرب)، ورغم إقامة العلاقات الرسمية خاصة مع مصر والتي كانت أول دولة عربية تعقد معها اتفاق السلام، وهي أكبر دولة عربية، إلا أن التطبيع على المستوى الشعبي لم يتم رغم مرور ما يقارب الـ 50 سنة على ذلك الاتفاق، لماذا ما زالت الشعوب العربية والإسلامية ترى في إسرائيل عدواً، وهذا بصرف النظر عما إن كانت حكومات تلك الشعوب قد عقدت اتفاقيات السلام مع إسرائيل أو لا، وهل والحالة هي كذلك على العالم أن يقوم بقتل تلك الشعوب، أي بإفناء نحو نصف مليار عربي، ومثلهم أو أكثر من المسلمين، لإرضاء غرور وأفكار ولوثات المهووسين من الفاشيين الإسرائيليين، خاصة هؤلاء الموجودين في الحكم حالياً؟
المشكلة ببساطة واختصار ليست في جيران إسرائيل، لا عرباً ولا مسلمين، أولهم الفلسطينيون، وهم شعب متسامح، يعيش بين ظهرانيه المسلمون والمسيحيون واليهود، الدروز والأرمن بحب وسلام، ولم يسبق أن عرف عنه أن تطاول على أحد من جيرانه، كذلك حال المصريين والسوريين والأردنيين، لم يسجل التاريخ أن أحداً منهم قد احتل أرض غيره، أو أنه شن حرباً على جار، وصولاً إلى تركيا وإيران، اللتين تعيشان مع العرب وشعوب شمال إفريقيا منذ آلاف السنين بحسن جوار، حتى في ظل الحروب التي كانت تندلع، إن كان بينها، أو بسبب احتلالات أجنبية، مثل المغول والإسكندر المقدوني، مروراً بالصليبيين، وليس انتهاء بنابليون، وحتى اتفاق سايكس – بيكو، الذي تعمد وضع «الأسافين» بين دول الجوار العربي/الإسلامي، إن كان في الإسكندرون أو في عربستان، ظلت شعوب المنطقة تتعايش في سلام وحسن جوار، والمشكلة إنما تكمن في إسرائيل وحلفائها وليس في جيرانها، فإسرائيل هي التي تحتل أرض دولة فلسطين، والجولان السوري، ومزارع شبعا اللبنانية، وهي التي تهدد أمن مصر بمحاولتها ترحيل فلسطينيي غزة إلى سيناء، وأمن الأردن بترحيل فلسطينيي الضفة إليه، وحلفاؤها لا يفرضون عليها الانكفاء داخل حدودها بالانسحاب مما تحتله من أراضٍ، وعدم الاعتداء على جيرانها.
وإسرائيل التي تمتلك مئات القنابل النووية، تستكثر على إيران أو تركيا، فضلاً عن مصر أو السعودية أن تمتلك الطاقة النووية حتى لأغراض سلمية، وتصر على أن قوة الآخرين تهدد أمنها ووجودها، فيما لا تفكر لحظة بأن قوتها هي التي تهدد أمن واستقلال الآخرين، والدليل هو أنها هي التي تشن الحروب منذ ثمانين عاماً وتنتصر فيها، وأنها هي التي تحتل أرض الغير، وهي التي تهدد الآخرين وتصر على التفوق على كل الشرق الأوسط عسكرياً وسياسياً، وتصر وهذا هو الأهم أن تظل تحاول السير على هذا الطريق المستحيل، باستخدام القوة العسكرية وفرض نفسها على الجوار كقوة مسيطرة، في حين أنه يمكنها أن تعيش بسلام في ظل حدود خاصة بها.