أقلام وأراء

رامي منصور يكتب “بيضة القبان” والوقت الضائع

رامي منصور 19/4/2021

تلعب القائمتان العربيتان، المشتركة والموحدة، في الوقت بدل الضائع برلمانيًا؛ فإن مساريهما كما ظهر في العامين الأخيرين ولعبة “بيضة القبان” ليست نتيجة تحسن مكانة المواطنين العرب في إسرائيل، ولا نتيجة لبرلة في المجتمع الإسرائيلي وانفتاحه على العرب في أجواء من السلام والتسوية؛ بل هي أساسًا ناتجة عن أزمة يعيشها اليمين الإسرائيلي وانقسامه حول شخص بنيامين نتنياهو.

إن أزمة تشكيل الحكومة في العامين الأخيرين ليست نتاج عدم قدرة أي معسكر أو تكتل من حسم الانتخابات بسبب انقسامات مجتمعية عميقة مثلا، بل لأن الانتخابات في العامين الأخيرين دارت حول شخص بنيامين نتنياهو، وانقسام اليمين الإسرائيلي، حتى في حزب الليكود، على أهلية تولي نتنياهو المتهم بالفساد وخيانة الأمانة رئاسة الحكومة.

وإذا كان الواقع كذلك، فإن أي حلحلة في هذه الأزمة ستعني نهاية لعبة “بيضة القبان” والطموحات السياسية المتضخمة لرئيسي القائمتين العربيتين. والحلحلة تعني إما أن يستطيع نتنياهو تشكيل حكومة يمينية مستقرة لفترة طويلة نسبيًا، لعدة سنوات؛ وإما أن يتمكن المعسكر المناوئ لنتنياهو، وبضمنه حزب غدعون ساعر اليميني، من التخلص من نتنياهو حتى من خلال انتخابات خامسة.

رغم استعداد القائمة العربية الموحدة دعم حكومة نتنياهو – بينيت – سموتريتش، إلا أن الأخير يصر على موقفه الرافض لاستناد الحكومة على أصوات نواب عرب حتى لو تخلوا عن فلسطينيتهم واعتبروا أن اليمين الصهيوني حليفهم في المواقف الاجتماعية. ومن بين المبررات التي يطرحها سموتريتش لموقفه الرافض لدعم الموحدة للحكومة حتى لو بالامتناع عن التصويت، هو أن مثل هذا الدعم سيعزز من قوة العرب البرلمانية مستقبلًا في دولة اليهود، لأن الاستناد إلى أصوات النواب العرب سيرفع نسبة التصويت في صفوف العرب، بحسبه، أي أنه يدعي بأن شرعنة دعم الموحدة لحكومة يمينية لن تعمر طويلًا، لكنه سيمنح الشرعية لتشكيل حكومات “يسارية”، حسب تعبيره، بدعم النواب العرب لاحقًا وفقدان اليمين للحكم لسنوات.

هذا السيناريو الذي يطرحه سموتريتش فيه من المبالغة وترويع لليمين من العرب بحجم عنصريته، لأن دعم الموحدة لحكومة يمينية ضيقة لن يحل أزمة اليمين المنقسم على نتنياهو، بل يؤجل الحسم إلى معركة أخرى لاحقة.

سوف تتحطم “بيضة القبان” في كل الحالات، فإذا استطاع خصوم نتنياهو التخلص منه وإطاحته من الحكم، فإن أزمة اليمين تكون قد حُلت وكذلك الأزمة السياسية في العامين الأخيرين، أي في حال التخلص من نتنياهو، فإن تشكيل الحكومة برئاسة أي شخص غير نتنياهو سيكون أمرًا متاحًا دون الحاجة لأصوات النواب العرب.

وفي حال نجح نتنياهو بإقناع اليمين بدعم حكومته وتشكيل حكومة مستقرة لفترة طويلة نسبيًا، وهذا سيناريو غير واقعي حاليًا، فإن ذلك يعني أن اليمين أعاد التوازن الداخلي في صفوفه، وبالتالي لن يكون بحاجة لدعم نواب الموحدة.

مرة أخرى، ما حصل في العامين الأخيرين من لعبة “بيضة القبان” هو نتاج أزمة اليمين وعنوانها شخص نتنياهو، الذي انقسم اليمين حوله، وليس بفضل قرارات إستراتيجية عبقرية لأيمن عودة أو منصور عباس، بل الواقع الموضوعي، أي انقسام اليمين حول نتنياهو، هو الذي استدعى المعسكرين، معسكر نتنياهو والمناوئ له، استخدام أصوات النواب العرب للمناورة السياسية. وفي حال انتهت هذه الأزمة، سواء نجح نتنياهو بتشكيل حكومة يمينية مستقرة أو نجح خصومه بالإطاحة به، فإن الساحة السياسية الإسرائيلية ستعود إلى توازنها، في حين أن القائمتين العربيتين ستعودان إلى حجمها الطبيعي.

إدراك هذا الواقع والأفق، يستدعي أن تستفيق الأحزاب العربية من سكرة التأثير و”بيضة القبان”، وأن تدرك أن دورها في العامين الأخيرين لم يكن دورًا رئيسيًا، بل كان دور “كومبرز”، وقد شارفت المسرحية على الانتهاء. ومن الواضح أن التجمع الوطني الديمقراطي هو الوحيد حتى الآن الذي أردك ذلك مسبقًا، واتخذ موقفًا مبدئيًا بعدم المشاركة بهذه المسرحية برفض التوصية على أي مرشح، لأنه أدرك مسبقًا، وهذا يُحسب له، أن ما يحصل ليس شرعنة لمواقف العرب السياسية مثلًا، بل بالعكس، خفض السقف السياسي للعرب مقابل لا شيء، وأن ما يحصل هو نتاج أزمة اليمين التي ستحل آجلًا أم عاجلًا، سواء برحيل نتنياهو أو تمكنه من تشكيل حكومة مستقرة. وقد يتحول أفيغدور ليبرمان إلى بيضة القبان الحقيقية.

إن استعداد نواب في المشتركة، مثل النائب أحمد طيبي، ونواب الموحدة، دعم حكومة برئاسة نفتالي بينيت، لن يمد بعمر “بيضة القبان”، بل بالعكس، سوف يساعد ذلك اليمين في حل أزمته من خلال التخلص من نتنياهو، واستعادة توازنه الداخلي وتوازن الساحة السياسية الإسرائيلية، لتعود المشتركة (وقد انتهت عمليًا) والموحدة إلى الحجم الطبيعي سياسيًا وانتخابيًا. ولن تغير من الواقع بشيء، محاولات النائب أيمن عودة تشكيل قائمة عربية – يهودية تضم قوى صهيونية ليبرالية، لأن تلك محاولة للالتفاف على الواقع، لكنه في الواقع احتيال على الذات وعلى الهوية، وإنكار للواقع بأن إسرائيل دولة أبرتهايد – فصل عنصري – واستيطان استعماري الذي لا يُجابه بالتحالف مع صهاينة.

أزمة اليمين – نتنياهو أعلت من شأن “نهج التأثير”، وحلها سيقضي عليه. هذا هو الواقع والواقعية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى