ترجمات عبرية

رامي ليفني يكتب – لو أنه منح بعض الوقت ربما كان سيكون شريكا

بقلم: رامي ليفني، هآرتس 24/7/2018

من بين جميع الضربات التي تلقاها اليسار الاسرائيلي في الجيل الاخير، فان احدى الضربات القاتلة هي بلا شك لعنة “لا يوجد شريك”: ترسخ الاعتقاد بأن اسرائيل عرضت على الفلسطينيين كل ما في استطاعتها في المفاوضات على الاتفاق الدائم في عهد اهود باراك واهود اولمرت وتمت الاجابة عليها بالرفض المطلق الذي نبع من عدم القدرة العميق على التسليم بوجود اسرائيل. لا يوجد شيء يهز أو يشكك بهذه البديهية، التي يوجد عليها تقريبا اجماع عام.

لم تساعد شهادات من غرف المفاوضات التي عرضت معلومات أكثر تعقيدا، ولا كتب لاعضاء طاقم المفاوضات والمذكرات الشخصية لرؤساء الحكومات التي تعرض واقع متردد، ولا روايات من الجانب الامريكي والجانب الفلسطيني تناقض الروايات القائمة، وايضا لا التحليلات المفصلة للخبراء ولا تحقيقات جذرية لرفيف دروكر (هآرتس، 25/6). امام كل هذا تقف الحقيقة البسيطة، القاطعة: الفلسطينيون هربوا في لحظة الحقيقة، وتنازلوا عن استقلالهم. ولأن هذه الحقيقة لا يمكن تغييرها وهي لا تنجح في التوافق مع المنطق السائد، فمن الصعب توقع أن صورة “لا يوجد شريك” ستتغير في المدى المنظور.

هناك طريقتان للنظر الى الرفض الفلسطيني: طريقة مبدئية وطريقة ظرفية. اليمين يرى في سلوك الفلسطينيين في كامب ديفيد وأنابوليس سلوك مبدئي، أي وكأنه ينمو من الموقف الايديولوجي، المعارض للسلام الذي يواصل سعيه للقضاء على اسرائيل. اليسار في المقابل يفسر الـ “لا” الفلسطينية كظرفية في اساسها، أي وكأنها مرتبطة بمتغيرات مختلفة، مثل عرض اسرائيل غير المرضي، الفشل في الوساطة الامريكية، التعبئة الهزيلة للدول العربية وضعف القيادة.

التفسير الاول، المبدئي، رغم تبجحه بحل وتفسير الجذور الثابتة للصراع، إلا أنه لا ينجح في اختبار العقلانية وهو مصاب بتناقضات داخلية. وهو يفترض فعليا أن القومية الفلسطينية الجديدة كلها من 1988 وحتى ايامنا ليست اكثر من مؤامرة، تظاهر شيطاني، شبح داخل الكابوس الاسرائيلي. ولكن بهذه الصورة لا تعمل السياسة. مع كل الاحترام، فان الشعوب لا تخترع نفسها بفضل كوابيس الآخرين. الفلسطينيون يعملون من اجل مصالحهم الشخصية. وقد اجتازوا انقلاب في نهاية القرن العشرين قبل الموافقة على تقسيم البلاد، كما تعهدوا امام كل العالم، ودفعوا الاثمان الداخلية. لا يمكن الادعاء أن الفلسطينيين يذهبون الى المفاوضات من اجل تدمير اسرائيل بطرق سياسية. وفي حينه الادعاء بأنهم يخربون المفاوضات لنفس تلك الاسباب.

ولكن ايضا التفسير الثاني، الظرفي، غير مرضي. وليس غريبا أنه غير مقنع. يصعب قبول التفسير بأن ياسر عرفات لم ينجح طوال اشهر في اعطاء رد لباراك، وفي نهاية المطاف بدأ بالانتفاضة الثانية فقط لأنه تمت اهانته من أن رئيس الحكومة الاسرائيلي لم يتحدث معه على انفراد؛ يصعب فهم لماذا تجاهل مبادرة الرئيس بيل كلينتون؛ كما أنه يصعب فهم لماذا تردد محمود عباس في الاجابة على اقتراحات اهود اولمرت، حتى أصبح الوقت متأخر جدا، ولماذا لم يعرض اقتراحات خاصة به. النتيجة المشتركة كانت اضعاف وتقسيم الشعب الفلسطيني.

ربما مطلوب جميعة. تفسير يدمج ايضا مكونات مبدئية داخل صورة الوضع الظرفي ويؤكد العلاقات المتبادلة بينهما. هذه تستطيع أن تكون كالتالي: الفلسطينيون جاءوا الى المحادثات بدافع الرغبة في التحرر من الاحتلال الاسرائيلي لمناطق 1967، لكن بدون صورة واضحة لمشروعهم الوطني، بما في ذلك مستقبل سيادي ودولي. لقد عرفوا ما الذي لا يمكنهم الموافقة عليه، وبدرجة أقل ما يمكنهم الموافقة عليه. ايضا الاسرائيليون جاءوا الى المفاوضات بدون أن يستوعبوا بصورة كاملة أن علاقاتهم مع الفلسطينيين سترتكز على تنازل كامل عن حقوقهم الزائدة في المناطق التي سينسحبون منها وعلى الغاء علاقات القوة. عدم النضج المبدئي للفلسطينيين منعهم من عرض اقتراحات مضادة وتنازلات خاصة بهم، وجعلهم يتبنون تكتيك انتظار اقتراحات اسرائيل. عدم نضج اسرائيل المبدئي أدى الى طرح افكار عبثية على مدى فترة طويلة جدا. وأضيفت الى هذا العوامل الظرفية: ادارة محادثات سيئة، مناخ صعب، انعدام الكيمياء بين الزعماء، توقيت المحادثات وعدم الاعداد لها، الضغط الداخلي وما أشبه. يمكن الافتراض أنه لو كانت المعايير الظرفية مختلفة لكان لها تأثير على الاستعداد المبدئي وبالعكس.

اذا كانت هناك ضرورة مع كل ذلك الى الاشارة الى عامل واحد يعتبر المتهم المركزي بالفشل، فانه الوقت. المزيد من الوقت كان يمكن أن يعطي مساحة كافية للتجربة والخطأ، المصالحة بين العوامل المبدئية والظرفية، وربما كان يمكن الجسر بين الفجوات. المزيد من الوقت. ولم يكن ليضر القليل من الحظ.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى