أقلام وأراء

راسم عبيدات يكتب –  نجاح الأسرى الستة في تحرير أنفسهم … هل سيشعل عود الثقاب نحو انتفاضة جديدة ..؟؟؟

راسم عبيدات *- 7/9/2021

 عملية “نفق الحرية” التي قادها ستة أسرى فلسطينيين ،خمسة منهم من حركة الجهاد الإسلامي وفي المقدمة منهم محمود العارضة ،امير الحركة في سجن الجلبوع، الذي قاد هذه العملية الهوليودية انتاجاً واخراجاً،وسادسهم زكريا الزبيدي قائد كتائب شهداء الأقصى ،عضو ثوري فتح.

هذه العملية يجمع كل الخبراء والمحللين امنيين وعسكريين وسياسيين ورجال امن ومخابرات حاليين وسابقين وقادة مراكز دراسات وابحاث،بانها عملية نوعية واستثنائية بكل المعايير والمقاييس،وتعبر عن أن إرادة المنفذين وصبرهم وحنكتهم انتصرت وتفوقت على كل القدرات والإمكانيات والعوائق والعقبات الكبيرة أمام التنفيذ.

فهذه السجن يعد الأكثر تحصيناً في دولة الإحتلال،من حيث البناء والتصاميم الهندسية،وكذلك التحصينات،فهناك 72 كاميرا في السجن تعمل على مدار الساعة وتراقب حركة الأسرى بكل تفاصيلها،والأبراج والأسلاك الشائكة والمجسات الألكترونية ، ناهيك عن ان غرف او زنازين السجن من الباطون الجاهز،الذي يجعل عملية الحفر في أرضية الغرف او جدرانها شبه مستحيلة …ناهيك عن ان عمليات “العدد” في السجن من ثلاث الى اربع مرات يومياً ويضاف لذلك عمليات ” الدق” على جدران وارضيات الغرف اليومية ..كل هذه العوامل مجتمعة تقول بأن أي عقول هذه التي “اجترحت” المعجزات في زمن توقف فيها الكثيرون عن الفعل واجادوا لعبة الهروب الى الأمام لكي يبرروا عدم الفعل.

عملية” نفق الحرية”، التي عبر فيها أبطال الحرية، نحو الحرية،من خلال حفر الباطون والصخر ب”ملاعقهم”،سيكون لها  الكثير من التداعيات،فهي لم تصب المؤسستين الأمنية والعسكرية الإسرائيلية في عصبها الرئيسي،فإسرائيل التي تتباهى دوماً بقدراتها الأمنية والعسكرية،والتي استخدمت منظومة اجهزة بيغاسوس للتجسس على الكثير من دول العالم،وتقوم بالتجسس بشكل دائم على الأسرى في المعتقلات وحركة اتصالاتهم وعلاقاتهم وحتى حركتهم داخل المعتقل…هذه الضربة او الصفعة القوية،قالت لهم بشكل واضح بأن من يناضل من أجل وطن او حرية أو يصمم على فعل الشيء مهما كانت إمكانياته متواضعة فهو قادر على ان ينجز ويجتاز كل منظومات امن دولة الإحتلال بشرية وتكنولوجية ومعلوماتية والكترونية.

دولة الإحتلال اعترفت بشكل واضح بأن هذه العملية، لا يوازيها سوى الفشل في حرب اكتوبر/1973،فرغم امتلاك القيادتين العسكرية والسياسية الإسرائيلية لمعلومات امنية،بأن الجيشين المصري والسوري،سيشنان حرب على دولة الإحتلال،ولكن تلك المعلومات الهامة،التي وردت من اكثر من مصدر،ومن ضمنها عملاء زرعوا في دوائر مقربة ومحيطة من صنع القرار،ولكن الجيش المصري نجح في اجتياز خط بارليف وعبور قناة السويس،خط بارليف الذي وصف بأنه لا يمكن لأي جيش ان يتمكن من اختراقه …..ولكن المفاجأة بأن الجيش العربي المصري وضمن خطة عسكرية احترافية تمكن من اسقاط اسطورة هذا الخط الدفاعي.

الإخفاقات الأمنية الإسرائيلية تتوالى ومنظومة الردع الإسرائيلية تتآكل والتباهي بالقدرات العسكرية والمعدات العسكرية المتطورة التي يمتلكها جيش الإحتلال الإسرائيلي ،والقادرة على ان تحقق الإنتصارات لجيش الإحتلال،أسقطتها قوى

 المقاومة العربية والفلسطينية بإمكانياتها العسكرية المتواضعة،تلك القوى التي راكمت من التجارب والخبرات،بما مكنها من ان تنتصر على اعتى ألآلآت الحرب العسكرية الإسرائيلية … ففي الحرب العدوانية التي شنت في تموز /2006 على لبنان و مقا ومته وفي المقدمة منها حزب الجبهة، تمكن ح ز ب ا ل له ان يدمر ويسقط بصواريخ الكورنيت هيبة أسطورة دبابة ” الميركفاه” الإسرائيلية الأكثر تطوراً وتحصيناً.

وبالتالي تسبب ذلك في خسائر كبيرة للصناعات العسكرية الإسرائيلية التي كانت تباهي بهذه الدبابة،وتصدر الكثير منها لدول العالم،وكذلك قبل أربعة شهور تقريباً،في معركة ” سيف القدس” ،11 أيار الماضي، تمكنت صواريخ المقاومة الفلسطينية ان تبطل مفعول النظام الدفاعي الإسرائيلي المضاد للصواريخ “القبة الحديدية”،حيث اجتاز عدد لا بأس به من الصواريخ الفلسطينية،تلك القبب الحديدية،ولكي تسقط في قلب دولة الإحتلال،وهذا جعل الثقة بمثل هذا النظام الدفاعي تتراجع ولتؤثر بشكل كبير على سمعة مثل هذا النظام الدفاعي باهظ الثمن،والمعد الأكثر تطوراً في العالم،حيث اختارت وزارة الدفاع الأمريكية ” البنتاغون” ،نظام دفاعي من انتاج شركة امريكية “داينتكس” كبديل عن القبة الحديدية موجهة ضربة قوية لمصانع السلاح الإسرائيلية ” رفائيل” الأكثر تطوراً في دولة الإحتلال.

هذه العملية “الهوليودية ”  انتاجاً واخراجاً وتنفيذا، سيكون لها الكثير من التداعيات، على المؤسستين الأمنية والعسكرية، ليس أقلها طرد الجنود الموجدين على الأبراج العسكرية،والذين لم يلحظوا حركة الهروب على الكاميرات،ناهيك عن ان مجندة على أحد الأبراج كانت تغط في النوم لحظة الهروب …سيتم الإطاحة برؤوس كبيرة من ادارة مصلحة السجون الإسرائيلية واجهزة مخابراتها،والأمور قد تصل الى قيادات امنية عليا…فالفشل على درجة كبيرة جداً من الخطورة…فهناك اسئلة تثار،كيف سمح لقائد كتائب ش ه دا ء الأقصى زكريا الزبيدي قبل ليلة من ” الهروب” التحرير الإنتقال الى غرفة يعيش فيها مجموعة خطرة من قادة  ا لجهاد الإ سلا مي ..؟؟ وكيف سمح لثلاثة من قادة ا لجهاد المصنفين كخطرين بالتجمع في غرفة واحدة ؟؟؟…وكذلك ما  هو دور الجنود الموجودين على الأبراج العسكرية…؟؟ولماذا لم يجر أخذ العبر من محاولة الهرب في عام 2014 ،والتي جرى فيها حفر نفق مماثل وفي نفس السجن ..؟؟؟

كل هذه الإسئلة المثارة الآن وما حصل،يؤكد على أن الإخفاقات الأمنية الإسرائيلية تتواصل،فقبل فترة قصيرة تمكن مسلح فلسطيني من قتل قناص صهيونية من فتحات جدران الفصل على حدود قطاع غزة بواسطة مسدس …وقبل ذلك لم تتوقع أجهزة الأمن الإسرائيلية  في هبات نيسان المقدسية،باب العامود والأقصى والشيخ جراح،أن تتدخل 

المقا ومة الفلسطينية لصالح القدس والأقصى وتقوم بقصف القدس بالصواريخ.

نجاح عملية ” نفق الحرية” النوعية والإستثنائية والتي جرت في ظروف في غاية التعقيد،وما سبقها من قنص للجندي الصهيوني على حدود قطاع غزة ….ستدفع بالعديد من القوى والفصائل الفلسطينية،لكي تصعد من شن عملياتها العسكرية ضد دولة الإحتلال وترفع من وتيرة المواجهات على طول وعرض فلسطين التاريخية،واذا ما تمكن المحتل من قتل أبطال “نفق الحرية” أو اعاد اعتقالهم،او شن عملية عسكرية واسعة متوقعة قريباً من اجل القضاء على بؤر ا لمقا ومة في جنين ومخيمها ” ستالينغراد” ابو جندل والطوالبة ..فالأمور مرشحة للتصعيد ليس عبر  الذهاب نحو انتفاضة شعبية شاملة،تفقد فيها اجهزة امن السلطة والسلطة سيطرتها على الأوضاع في الضفة الغربية،بل سيكون هناك تصعيد عسكري مع قطاع غزة ،هذا التصعيد قد يقود الى تداعيات أبعد من قطاع غزة،وخاصة بان رئيس اركان جيش الإحتلال “كوخافي” يكثر من ” التبجح” والحديث عن عمليات برية واسعة في قطاع غزة وجنوب لبنان،ونحن نرى بان “كوخافي” وبينت وغانتس،يدركون جيداً بأن القيام بمثل هذه العمليات،محفوف بالكثير من المخاطر والثمن الباهظ الذي سيدفعه جيشه وجبهته الداخلية.

نحن على قناعة تامة بأن هذه العملية النوعية الإستثنائية ستزيد من رصيد المتمسكين بنهج وخيار وثقافة المقاومة في الساحتين الفلسطينية والعربية،والتراجع الكبير بالثقة بدعاة نهج وخيار المفاوضات العبثية …وان الأوضاع ذاهبة نحو التصعيد فلسطينيا وعربياً ..وربما معركة كسر عظم…وما هو اكيد أن جنين ستكون امام عملية عسكرية اسرائيلية من أجل القضاء على بؤر مقاومتها كي لا تشكل أنموذج  ينتقل الى كل الضفة الغربية في ظل سلطة فلسطينية تزداد ضعفاً وتآكلاً.

*راسم عبيدات –   صحفي  ومحلل سياسي فلسطيني 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى