أقلام وأراء

راسم عبيدات يكتب – لكي نعيد فلسطين للقدس والقدس لفلسطين فلا بد أن تكون قائمة ” القدس اولاً”

راسم عبيدات *  – 13/2/2021

  بدون مواربة وبدون تنظير وبدون شعارات،وبدون القول بأن الإنتخابات ستجري في القدس غصباً عن الإحتلال،ولكي نُخرج بيان الحوار الوطني في بنده المتعلق بالقدس،والذي اكد على أن الإنتخابات ستجري في القدس انتخاباً وترشيحاً الى حيز الفعل العملي،حيث البند لم يتحدث عن آليات تنفيذ الإنتخابات،وتركه عائماً، فلا مناص من تكوين رؤيا مقدسية وفلسطينية موحدة،حول آليات إجراء الإنتخابات في القدس،المقدسيون هم من دفعوا الثمن الأغلى،نتاج اتفاقيات كارثة اوسلو،حيث أجل مصيرها الى ما يسمى بالمرحلة النهائية،وهي بعد أكثر من ربع قرن لم تأت.

على صعيد الأسرى هناك العديد من أسرى القدس،الذين لم يكونوا هم وأسرى الداخل -48 – جزء من اتفاق أوسلو،ما زالوا في سجون الإحتلال،وفي المقدمة منهم الأسير سمير أبو نعمة والذي مضى على وجوده في الأسر 36 عاماً،وليس فقط  في قضية الأسرى دفع المقدسيون الثمن الأعلى،بل في إطار الحرب الشاملة على مدينة القدس وبالتحديد من بعد نقل امريكا في عهد الرئيس المتصهين ترامب لسفارتها من تل أبيب الى القدس 6/12/2017 والإعتراف بالقدس عاصمة لدولة الإحتلال 14/5/2018،ونحن نشهد حرباً شاملة على المقدسيين، ” تسونامي” إستيطاني وعمليات تطهير عرقي تطال أحياء بكاملها بطن الهوى في سلوان والشيخ جرح وبيت المفتي السابق الحاج أمين الحسيني وقصره وسُعار في هدم المنازل،ومحاولات لتغيير الوضع القانوني والتاريخي والديني للمسجد الأقصى،ناهيك عن مسلسل إعتقالات غير منتهي،وإستهداف متواصل في تفاصيل الحياة اليومية الإقتصادية والإجتماعية.

الجميع يدرك بان مشاركة المقدسيين في الإنتخابات التشريعية 1996 و 2006 ،كانت منقوصة ورمزية،حيث لم يسمح للمقدسيين في ممارسة العملية الإنتخابية ترشيحاً وانتخاباً بحرية،حيث شارك في كلا الحالتين  6 ألآلاف مقدسي في الإنتخابات في مراكز البريد الإسرائيلية كرعايا في دولة ثانية،والبقية أجبروا على التصويت في ضواحي مدينة القدس ( قدس 2)،خارج ما يسمى بحدود بلدية القدس،وصودر حقهم في إقامة مراكز انتخابية وممارسة الدعاية والتجمعات الإنتخابية،ولم يكن هناك دور للجنة الإنتخابات المركزية والمراقبين …واليوم مع تحديد موعد الإنتخابات التشريعية بمرسوم رئاسي في 22/5/2021،فإن قضية مشاركة المقدسيين في تلك الإنتخابات تثار حولها الكثير من التساؤلات،هل ستسمح دولة الإحتلال للمقدسيين بالمشاركة في تلك الإنتخابات ..؟؟ كما هو الوضع الذي كان قائماً في انتخابات كانون ثاني/2006 ،أم في ظل المتغيرات والتطورات التي حصلت سترفض حتى السماح لقسم منهم بالتصويت في مراكز البريد الإسرائيلية،وخاصة اننا امام انتخابات تبكيرية رابعة في دولة الإحتلال ،تتصارع عليها قوى اليمين واليمين والمتطرف،وحاجتها لأصوات المستوطنين،وقولها بأن القدس عاصمة لدولة الإحتلال،تجعلها ترفض أي مشاركة للمقدسيين في تلك الإنتخابات.

نسبة مشاركة المقدسيين في انتخابات 1996 و2006  كانت متدنية،ومرد ذلك لحالة فقدان ثقة المقدسيين بالسلطة التي أجلت قضيتهم الى المرحلة النهائية،وكذلك لخوف وإحجام المقدسيين عن المشاركة،نتيجة لبث الإشاعات والدعاية المغرضة من قبل الإحتلال وأجهزته واعوانه بأن مشاركة المقدسيين في تلك الإنتخابات من شأنه سحب هوياتهم الإسرائيلية ” الزرقاء” وحرمانهم من حقوقهم الإقتصادية والإجتماعية.

اليوم يقف الجميع على المحك سلطتين وقوى واحزاب وفصائل وكل المكونات والمركبات المقدسية،لكيفية إدارة معركة مشاركة المقدسيين في تلك الإنتخابات،وبما يجعل قضية القدس ان لا تستمر وان لا تنتظر ما يسمى بالمرحلة النهائية، والتي هي ليست سوى بيع اوهام وخداع وتضليل،وبما يجعل دولة الإحتلال تجهز عليها،ولكي تكون القدس اولاً وليس اخراً،ولكي لا نستمر في تكييف عقول أبناء شعبنا في القدس،لتتوائم مع الرؤيا والشروط الإسرائيلية،وخاصة أنني اتلمس الخطر من خلال إطلالتي على نقاش لمجموعة من الشباب حول مشاركة المقدسيين في الإنتخابات التشريعية،والشيء الصادم ان عقليتهم تكيفت مع الرؤيا الإسرائيلية لمشاركة المقدسيين في تلك الإنتخابات ،بالتصويت في ضواحي المدينة،وحتى مجرد الطرح بان يكون اشتباك سياسي مع الإحتلال حول المشاركة المقدسيين في تلك الإنتخابات من خلال حقهم بالتصويت في صناديق إنتخاب في قراهم وبلداتهم وممارسة الدعاية والتجمعات الإنتخابية،ووجود لجان إشراف ومراقبين،اعتبروه نوع من الشعارات والمزايدة ،وهذا يعكس حجم ما يتعرض له الشباب المقدسي من غسيل للدماغ” و”صهر و” تطويع” للوعي،ليسوا هم المسؤولين عنه،بل قبول السلطة والفصائل الفلسطينية بالشروط الإسرائيلية لمشاركة المقدسيين في الإنتخابات رسخ في عقولهم مثل هذه القناعات .

الخيارات المتاحة أمام المقدسيين للمشاركة في الإنتخابات ،ان تصر السلطتين والفصائل على مشاركة المقدسيين ،إستنادا  الى الشرعية  الدولية والقانون الدولي بأن القدس مدينة محتلة ،وما ينطبق عليها ينطبق على باقي التجمعات الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، مشاركة كاملة للمقدسيين ترشيحاً وانتخاباً في (قدس1)،أي القرى والبلدات المقدسية التي تخضع لسيطرة بلدية الإحتلال،والرفض الإسرائيلي المتوقع سيضع السلطتين والفصائل أمام خيارات وإستحقاقات إما ان تكون على  مستوى المسؤولية والتحدي،او ان تقبل بما يوافق عليه الإسرائيليين،بمعنى ان تعمل على فتح صناديق اقتراع في المدارس والجوامع والأندية،واذا ما جرى اقتحامها من قبل أجهزة الأمن الإسرائيلية وإعتقال القائمين عليها،فهنا يجب التفكير ملياً بأن يتم  وضع دول الإتحاد الأوروبي والأمم المتحدة امام مسؤولياتهم،وهم الذين يقولون لنا دائماً بأنهم مع حل خيار الدولتين،وبأن القدس مدينة محتلة،بأن يترجموا أقوالهم وبياناتهم ومذكراتهم الى فعل في أرض الواقع،بأن يفتحوا سفاراتهم وقنصلياتهم وممثلياتهم ومقراتهم،لكي يصوت فيها المقدسيين،واذا رفضوا ذلك ينكشف دورهم ويتعري،بأنهم ليسوا اكثر من باعة شعارات  ومتواطئين مع الإحتلال في كل ما يقوم به من إجراءات وممارسات قمعية بحق شعبنا الفلسطيني والمتعارضة مع القانون الدولي والإتفاقيات الدولية.

والبحث في البديل والخيار الأخير القبول بما تقبل به دولة الإحتلال،تصويت محدود  في مراكز البريد الإسرائيلية،والبقية في (قدس 2)،أي ضواحي مدينة القدس خارج جدار الفصل العنصري،هذا يستدعي أن يتولى المقدسيين امورهم بانفسهم، بأن يجري تشكيل قائمة مقدسية من كل مكونات ومركبات المجتمع المقدسي أولاً،تحت عنوان ” القدس اولاً،وعلى أن تضم شخصيات وازنة من الضفة الغربية وقطاع غزة ،من اجل إثبات مركزية قضية القدس والإلتفاف حولها .

نعم هناك مخاطر ليست بالبسيطة وشائكة،تعترض قضية مشاركة المقدسيين،في تلك الإنتخابات جزء منها مرتبط  بإهمال السلطة لقضية القدس،وعدم تلبيتها لإحتياجات المقدسيين والتعاطي بشكل جدي مع همومهم وإحتياجاتهم الإقتصادية والإجتماعية،وجزء ذاتي مقدسي،له علاقة بان هناك من نمت لديه مصالح وإمتيازات مع دولة الإحتلال ،ناهيك عن الفعل الممنهج لدولة الإحتلال وأجهزتها في مدينة القدس ب”كي” وعي” المقدسيين،وربط شؤونهم الحياتية اليومية مع دولة الإحتلال ….ولكن لا بد من ان يأخذ المقدسيون المبادرة ويسلطوا الضوء على قضيتهم ومدينتهم،ويعملوا على تشكيل قائمة مقدسية تتمثل فيها كل المكونات والمركبات المقدسية،مدعومة من صناع القرار والقيادة الفلسطينية.

* كاتب ومحلل فلسطيني يقيم في مدينة القدس .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى