رابحة سيف علام: إسرائيل تستهدف اتصالات حزب الله: تفجير قواعد الاشتباك
واجه حزب الله اللبناني أكبر اختراق أمني في تاريخه من خلال تفجير أجهزة الاتصالات اللاسلكية التي يحملها عناصره المعروفة باسم “الـپايـﭼر” Pager، وهو نظام للاستدعاء بالرسائل النصية كان مستخدماً على نطاق واسع في مرحلة ما قبل انتشار الهواتف المحمولة. أسفر الهجوم، بحسب وزير الصحة اللبناني الدكتور فراس الأبيض، عن إصابة ما لا يقل عن 2750 ومقتل 12 شخصاً بينهم طفلين، واستقبل ما يزيد عن مائة مستشفى لبناني المصابين والجرحى في مختلف المناطق، في خطة استجابة للطوارئ الصحية أعدت مسبقاً تحسباً لأي هجوم إسرائيلي محتمل. بينما أدانت الحكومة اللبنانية الهجوم واعتبرته “عدواناً إسرائيلياً إجرامياً يشكل خرقاً خطيراً للسيادة اللبنانية” وأكدت على عقد كل الاتصالات اللازمة مع الدول المعنية والأمم المتحدة لوضعها أمام مسئولياتها لوقف هذا العدوان المتمادي[1].
واستمرت عمليات إسعاف الجرحى لأكثر من أربعة ساعات سواء من خلال تقديم الرعاية الطبية الأوّلية للمصابين في المستشفيات القريبة أو إعادة نقل الحالات الحرجة لمستشفيات أفضل تجهيزاً لإجراء جراحات دقيقة. فيما أعلن حزب الله في بيان أوّلي حدوث انفجارات “غامضة” في أجهزة الاتصال التي يحملها بعضٍ من عناصره، قبل أن يعود ويصدر بياناً ثانياً يؤكد فيه مسئولية إسرائيل عن هذه التفجيرات ويتوعدها بالحساب العسير على المجزرة التي ارتكبتها. وفي نهاية اليوم، أصدر حزب الله بياناً ينعي فيه 10 من عناصره، دون أن يحدد من منهم قضى في تفجير أجهزة الاتصالات ومن منهم قضى في قصف البلدات الجنوبية في بليدا ومجدل سلم[2]. وكان النائب عن كتلة حزب الله البرلمانية علي عمار قد نعى ابنه مهدي بعد حادثة تفجير أجهزة الاتصال، بينما طالت التفجيرات أيضاً عناصر الحماية التي ترافق السفير الإيراني في بيروت مجتبي أماني مما أدى لتعرضه للإصابة[3].
كيف تم الاختراق؟
يبدو أن حزب الله قد منع عناصره من استخدام الهواتف المحمولة خشية الاختراق والتتبع، فإذا بالاختراق يأتي من أجهزة الاستدعاء اللاسلكية ذات الرسائل النصية المشفرة، التي تستخدم تكنولوجيا قديمة أقل قابلية للاختراق. وتعد هذه الأجهزة أكثر تحصيناً ضد الاختراق لأنها لا تتصل بالانترنت بل تتلقى موجات راديو من محطات تقوية يتم تثبيتها في مناطق الانتشار المطلوب تغطيتها. وقع الهجوم من خلال حدوث انفجارات متزامنة في أجهزة الاستدعاء النصية التي يحملها عناصر حزب الله في مختلف مناطق انتشارهم سواء في بيروت أو البقاع أو الجنوب أو حتى دمشق، حيث سُجلت 11 إصابة بين عناصر حزب الله في ضواحي العاصمة السورية.
طرحت ثلاثة فرضيات رئيسية بشأن كيفية تنفيذ التفجير في محاولة لتفسير هذا الاختراق النوعي الكبير وواسع الانتشار. الفرضية الأولى ترجح تنفيذ التفجير بواسطة اختراق بإشارة لاسلكية على الترددات التي تستقبلها هذه الأجهزة بما أدى إلى ارتفاع الجهد الكهربي بها ورفع حرارة البطاريات التي تغذيها فانفجرت البطاريات مُوقِعة الإصابات لحاملي هذه الأجهزة. بينما ذهبت الفرضية الثانية إلى أن هذه الأجهزة لم تنفجر باستقبال إشارة لاسلكية أو عملية قرصنة ولكنها كانت تحتوي على أجهزة تفجير معدة مسبقاً وقد تم تفجيرها عن بعد بشكل آلي بما طال كل الأجهزة في كل المناطق اللبنانية وفي سوريا أيضاً في الوقت نفسه. تنافست الفرضيتان الأولى والثانية في التحليلات التي قدمت لبضعة ساعات قبل أن تخرج بعض التسريبات التي تتحدث عن صفقة حديثة لأجهزة الاتصال اللاسلكي تسلمها حزب الله خلال الشهور الأخيرة ووزعها على عناصره، بما يرجح احتمالية الفرضية الثانية، أي أن هذه الأجهزة قد اخترقت على مستوى جسمها الصلبHardware وليس البرمجيات Software. بينما تبرز فرضية ثالثة تربط بين الاحتمالين الأولى والثاني، وهي أن هذه الأجهزة قد تم العبث بها فعلياً وزُرع شيء ما بها ولكنه ليس جهاز تفجير بل جهاز استقبال على موجة خاصة تتحكم بها إسرائيل فقط، وعندما انطلقت الإشارة استقبلتها هذه الأجهزة وانفجرت على إثر ذلك عبر التلاعب بالبطاريات الداخلية بها.
الفرضية الأولى تستدعي أن يتم توجيه رسائل لاسلكية على الموجة الترددية التي تستقبلها هذه الأجهزة- أي معرفة هذه الموجة الترددية واختراقها على نطاق واسع يشمل بيروت والجنوب والبقاع ودمشق في الوقت نفسه، وهو أمر من الصعب حدوثه بهذه الدرجة من التزامن الدقيق. ولكن الفرضية الثانية والثالثة تعني أن هذه الأجهزة التي تم استيرادها حديثاً قد تم اختراقها وزُرع بها إما متفجرات دقيقة أو أجهزة استقبال مستقلة قبل أن تصل لعناصر حزب الله ومن ثم تم تفجيرها عن بعد أياً كان موقعها قريباً أو بعيداً عن الحدود وداخل لبنان أو خارجه، وهو ما يعني أن سلسلة الإمداد الخاصة بحزب الله قد تم اختراقها لزرع المتفجرات أو المستقبلات في هذه الأجهزة، إما من المصدر، أي من الشركة المُصنعة أو في مراحل النقل والتوريد.
لاحقاً، نشرت تقارير تشير إلى ترجيح الفرضية الثانية، بما يعني زرع مادة متفجرة داخل الشحنة الأخيرة لأجهزة الاتصال النصية قبل وصولها إلى عناصر حزب الله[4]. ومادة التفجير تلك كانت كفيلة بالتلاعب بالبطارية الداخلية لتحدث هذا الانفجار المحدود ولكنه قد يكون مميتاً إذا ما كان الجهاز قريباً للغاية من الجسم، وهو عادةً ما يكون الحال لأنه جهاز يُحمل في الجيوب أو يثبت على الأيدي أو في حزام الخصر، وبالتالي يكون ملاصقاً لجسد من يحمله. وقد أعلنت الشركة التايوانية “جولد ابوللو” المصنعة أنه بمطابقة الأجهزة التي تم تفجيرها مع الأجهزة التي تنتجها الشركة، تبين أن الأجهزة التي كانت بحوزة حزب الله لم تصنعها الشركة التايوانية الأم ولكنها صُنعت بواسطة شركة أخرى في أوروبا تحمل رخصة تصنيع من تايوان ولكنها ليست منتجة للأجهزة الأصلية[5]. بينما نشرت وزارة الاقتصاد التايوانية بياناً يؤيد الشركة المصنعة ويرجح التلاعب بالأجهزة بعد تصديرها خارج تايوان بالفعل، إذ نفت وجود أي سجلات للتصدير المباشر إلى لبنان خلال الفترة الأخيرة[6].
ردود فعل متباينة
في بيانه الأول، أعلن حزب الله عن حدوث تفجيرات لأسباب غامضة في أجهزة اتصال يستخدمها العاملون بمؤسساته ووحداته، وأنه يُجرى التحقيقات اللازمة قبل أن يحدد المسئوليات. كما دعا اللبنانيين إلى عدم الالتفات لدعاية الحرب النفسية التي تباشرها إسرائيل لتهويل الموقف، مؤكداً على استعداده المتواصل للدفاع عن لبنان[7]. ثم في بيان ثانٍ، أعلن الحزب أنه بعد إجراء تدقيق لكل الوقائع والمعلومات فإن إسرائيل مسئولة عن عملية تفجير أجهزة الاتصالات التي يحملها بعض من يعمل بمؤسساته وأنه سينالها “القصاص العادل على هذا العدوان الآثم من حيث تحتسب ومن حيث لا تحتسب”. واعتبر الحزب في بيانه أن الهجوم قد طال عدداً كبيراً من المدنيين وليس فقط من العاملين في مؤسساته ووحداته[8]. وفي بيان جديد صباح اليوم التالي، أعلن الحزب أن هذه المجزرة التي نفذتها إسرائيل تتطلب حساباً عسيراً ولكنه مسار منفصل عن مسار جبهة إسناد غزة الذي سيتواصل بالقصف اليومي المعتاد[9].
في المقابل، عزفت إسرائيل في البداية عن إعلان أي مسئولية لها عن الهجوم على أجهزة اتصالات حزب الله، كما تم توجيه أعضاء الحكومة الإسرائيلية إلى عدم التعليق على الهجوم. فيما ألمح أحد مستشاري رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى مسئولية إسرائيل عن هذا الهجوم قبل أن يتراجع ويحذف تغريدته[10]. ثم بدأت بعض التفاصيل تتسرب إلى الإعلام الأمريكي من مصادر يبدو أنها إسرائيلية ولكن غير مسموح لها بالتصريح علناً. أفادت المصادر الإسرائيلية بأن عملية تفجير أجهزة الاتصالات كانت مُعدة منذ مدة للتنفيذ في حال البدء في حرب شاملة بين إسرائيل وحزب الله بهدف شلّ حركة الحزب وقطع الاتصالات بين قيادته وعناصره. ولكن تنبه اثنين من عناصر حزب الله لاحتمالية أن يكون جهاز الاستقبال النصي مخترقاً عجّل بتنفيذ عملية التفجير الواسعة لإحداث الضرر المرجو منها قبل اكتشاف الحزب لاختراقها وبالتالي استبعادها من الاستخدام[11]. تتقاطع هذه الأنباء مع عدة تحليلات قدمها مقربون من حزب الله في الأيام الماضية تلفت الانتباه إلى أن الحزب لا يخشى هجوماً إسرائيلياً واسعاً على لبنان ولكنه يخشى اختراقاً أمنياً يصيب عناصره وكوادره العليا والوسطى قد يرقى إلى اغتيال قيادات كبيرة. وكان الحزب قد عانى في الأشهر الماضية من اتساع دائرة الاستهداف لعناصره وقياداته الميدانية، فضلاً عن اغتيال قائده العسكري الأول فؤاد شكر بهجوم لمسيّرة على الضاحية الجنوبية في 30 يوليو 2024. بينما نشرت الصحافة الإسرائيلية تقارير تفيد بأن الحزب كان بصدد تنفيذ عملية اغتيال ضد شخصية إسرائيلية رفيعة المستوى، مما استدعى تنفيذ هذا الهجوم النوعي ضد عناصره لإفشال هجومه المرتقب[12].
بعد ساعات قليلة من الهجوم، رفض المتحدث باسم البيت الأبيض التعليق خلال إفادته اليومية على الهجوم، معتبراً أنه لا يمكن توصيفه قبل أن تكتمل لديه المعلومات الموثوقة، غير أنه عاد تحت ضغط من الصحفيين لتجديد رفض الولايات المتحدة لاستهداف المدنيين بشكل واسع. لاحقاً، عبر مسئولون أمريكيون عن عدم معرفة واشنطن المسبقة بالهجوم قبل تنفيذه وأنها أفيدت به من جانب تل أبيب بعد حدوثه. ويُذكر أن واشنطن كانت حاولت تطويق التهديدات الإسرائيلية المتصاعدة ضد لبنان وإصرار الحكومة الإسرائيلية على إدراج إعادة سكان مستوطنات الشمال إلى منازلهم كهدف رابع للحرب. إذ زار المبعوث الأمريكي آموس هوكشتاين إسرائيل – قبل يوم من الهجوم- واجتمع بكل من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف جالانت في محاولة لتخفيف التصعيد ومنع إقدام إسرائيل على أي هجوم يعزز من فرص فتح جبهة لبنان على مصراعيها. وفيما برر كل من نتنياهو وجالانت تنفيذ هجوم ضد حزب الله بإعادة سكان الشمال، اعتبر هوكشتاين أن أي هجوم محتمل لن يُعيد الأسرى ولن يُعيد سكان الشمال بل قد يؤدي إلى حرب مدمرة. ومن ثم فهوكشتاين نفسه لم يكن، في الغالب، على دراية بهذا الهجوم قبل تنفيذه، وإذا كان سيمضي في جولاته المعتادة بين تل أبيب وبيروت ككل زيارة له في المنطقة، فإنه كان متوقعاً أنه سيكون في بيروت وقت تنفيذ الهجوم وهو ما كان سيسبب لواشنطن حرجاً كبيرا وخفضاً إضافية لمصداقية مبعوثها لدى الأوساط اللبنانية. ولكن جولة هوكشتاين الأخيرة اقتصرت على إسرائيل ولم تشمل لبنان، فيما تم تفسيره حينها بأنه جاء ليحذر الأولى من توسيع الحرب وليس لتحذير الثانية، حيث لم يكن هناك داعٍ لتكرار الزيارة لبيروت دون تقديم جديد يذكر في هذا الملف.
هل نجح الهجوم في تحقيق أهدافه؟
لا شك أن تفجير أجهزة اتصال عناصر حزب الله يمثل أكبر خرق مخابراتي تحققه إسرائيل ضد الحزب في تاريخ الصراع بينهما، ويكشف بشكل لا يحتمل اللبس الفارق التقني والاستخباراتي بين الطرفين ويعيد للصدارة فكرة تفوق إسرائيل في ميزان القوى. إذ أدى الهجوم إلى إحداث نحو 3 آلاف انفجار بانتشار أفقي واسع بين عناصر حزب الله ومناصريه وحتى اللبنانيين العاديين وأحدث إصابات واسعة بعضها خطير ويؤدي إلى عاهات مستديمة. فهذه التفجيرات سلطت الضوء على انكشاف حزب الله من الجانب التقني والاستخباراتي بشكل يفوق تخيل الحزب نفسه، ولكنه يفسر في الوقت نفسه كيفية نجاح إسرائيل خلال الأشهر الماضية في ترصد وقتل عدد من القيادات الميدانية والرفيعة للحزب.
صحيح أن الهجوم قد أسفر عن إحداث حالة فوضى كبيرة في أوساط حزب الله، وخاصة بين عناصره ومناصريه، ولكن لا يمكن الجزم بأن التفجيرات قد وصلت إلى قيادات عليا في صفوف حزب الله. ولعل إصابة السفير الإيراني مجتبي أماني أوحت في البداية بإمكانية استخدام أجهزة الاتصال تلك على أعلى مستوى قيادي داخل حزب الله، ولكن توضيح أن الأجهزة التي انفجرت كانت بحوزة مرافقيه وليست بحوزته هو أعاد الغموض إلى مدى جدية الاستهداف الذي قد تبلغه هذه التفجيرات في سلم القيادة داخل حزب الله. ويبدو أن تفجير أجهزة الاتصال كان من المتوقع أن يكون الخطوة الأولى في أي هجوم شامل تشنه إسرائيل ضد لبنان كي تُفقِد قيادة حزب الله السيطرة والاتصال مع عناصره الميدانية بما يخلق فوضى تسمح لإسرائيل بتنفيذ هجومها بنجاح. ولكن مع قرب اكتشاف اختراق هذه الأجهزة، قررت إسرائيل التعجيل بتفجيرها قبل أن يسعى حزب الله للتخلص منها، بما يعني أن إسرائيل قد أحرقت بنفسها أحد أهم أوراق اختراقها لحزب الله قبل أن يحرقها الحزب بنفسه. فالشحنة المفخخة كانت تضم ما يقارب الخمسة آلاف جهاز، ولكن ما انفجر فعلياً وفق الأرقام المعلنة نحو ثلاثة آلاف فقط، بما يعني أن الحزب قد تنبه فعلاً واستبعد نحو ألفي جهاز، ربما كانت تستخدم في أعلى درجات القيادة.
من جهة ثانية، فإن الأجهزة القديمة التي كانت تستخدم قبل الشحنة الأخيرة لم تنفجر ولا تزال تستخدم بكفاءة في الاتصال البيني في حزب الله[13]. أضف إلى ذلك، أن شبكة الاتصالات اللاسلكية تلك هي شبكة ثانوية للاستدعاء السريع، بينما شبكة الاتصالات الرئيسية هي شبكة سلكية تمتد في بنية تحتية موازية للشبكات الأرضية اللبنانية وبالتالي تكون أقل عرضة للاختراق. ولذا، فرغم الترهيب المعمم الذي أحدثته عملية تفجير أجهزة الاتصال التي يحملها بعض عناصر حزب الله، فإن هذه العملية لم تطل شبكة الاتصالات الرئيسية للحزب، بل طالت قسماً صغيراً من شبكته الثانوية للاتصالات.
على الجانب الآخر، كانت هذه العملية مناسبة للكشف عن مواقف تضامنية واسعة داخل لبنان مع من طالتهم التفجيرات، خاصة أن الأثر المدمر بين الضحايا المدنيين كان واضحاً للغاية. فمع انتشار مقاطع الفيديو التي رصدت لحظة الانفجار، تبين أن هذه الأجهزة انفجرت في أسواق للخضار والفاكهة وفي محال تجارية أو في منازل أو في سيارات في عرض الطريق وليست بالضرورة بحوزة مقاتلين، مما يضفي على هذا الخرق الخطير صفة استهداف المدنيين وعدم التمييز بين الهدف المدني والعسكري، وبما يعني أن الرد المرتقب لحزب الله قد يستدعي المنطق نفسه من عدم التمييز. ففي بيانه الذي حمّل إسرائيل مسئولية الهجوم، اعتبر حزب الله أن إسرائيل سينالها “القصاص العادل” من حيث “تحتسب ومن حيث لا تحتسب”. استدعاء لفظ “القصاص” في لغة البيان يُشير بشكل تلقائي للمقولة الشهيرة “العين بالعين والسن بالسن” و”الجروح قصاص”، خاصة أن التفجيرات قد خلّفت بالفعل إصابات بالغة ترقى للعاهات المستديمة في العيون وبتر لأصابع اليد وأجزاء من الوجه، مما يفتح الباب على مصراعيه لاحتمالات رد حزب الله ومدى جدية خيار عودته لاستهداف المدنيين بعد أن تخلى عن هذا الخيار منذ سنوات.
فحجم الترويع الذي بلغته هذه التفجيرات بين أوساط جمهور حزب الله واللبنانيين عموماً يرتب على حزب الله مسئولية ثقيلة قد تجعله يُقدم على توجيه رد مماثل دون تأخير، مما يرجح أن الرد سيكون عاجلاً ولن يستغرق عدة أسابيع كما كان حال الرد على اغتيال فؤاد شكر. وفي ذلك، يجد حزب الله نفسه محاصراً بين ضرورة رد سريع ونافذ يمتص غضب مناصريه الذين أصابهم الكثير من الترويع، وبين عدم رغبته في الخضوع لاستدراج نتنياهو الذي يريد إشعال حرب موسعة خلال الأسابيع القليلة التي تسبق انطلاق الانتخابات الأمريكية، مما يعني أن الحزب قد يُقدم على تنفيذ عمليات نوعية موجعة ضد أهداف إسرائيلية غير تقليدية وغير متوقعة تخالف نمط الاستهداف المعتاد وربما لن يكون معنياً كثيراً بإعلان المسئولية عنها، خاصةً إذا ما تخطى أثرها العسكريين إلى المدنيين وتسببت في ترويع عام مشابه لما جرى في بيروت وعدة مناطق لبنانية أخرى.
يبقى الفيصل في ملامح وطبيعة ومدى رد حزب الله فيما سيعلنه الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله خلال خطابه المرتقب بعد نحو 48 من لحظة الهجوم الإسرائيلي. ولكن على الأقل يشير التنويه المبدئي عن خطاب لنصرالله إلى أن هذا الاختراق الإسرائيلي النوعي رغم انتشاره الكبير قد فشل في القضاء على رأس حزب الله وأن الأخير قد استوعب الضربة وأنه حالياً بصدد دراسة توجيه الرد المناسب عليها، مع التسليم بأن الرد قد يكون من خارج قواعد الاشتباك المعتادة.
[1] بيان مجلس الوزراء اللبناني، 17-9-2024، https://www.ministryinfo.gov.lb/93762 – تحديث منتصف اليوم التالي رصد ارتفاع الضحايا إلى 12.
[2] “حزب الله ينعي 10 من عناصره”، موقع النشرة، 17-9-2024، t.ly/7F7ny
[3] “إصابة سفير إيران لدى لبنان.. وزوجته توضح حالته”، موقع قناة العربية، 17-9-2024، https://2u.pw/s8J7YKci
[4] “سنودن: سبب انفجار أجهزة اتصالات حزب الله هو متفجرات مزروعة وليس عملية قرصنة”، موقع النشرة، 17-9-2024، t.ly/zhW_u
[5] Bassem Mroue, Abbey Swell & Kareem Chehayeb, “Hezbollah is hit by a wave of exploding pagers that killed at least 9 people and injured thousands”, the Associated Press, 18 September 2024, https://apnews.com/article/lebanon-hezbollah-israel-exploding-pagers-8893a09816410959b6fe94aec124461b
[6] “وزارة الاقتصاد التايوانية: لايوجد سجل للتصدير المباشر إلى لبنان”، موقع النشرة، 18-9-2024، t.ly/TT1aZ
[7] “حزب الله: انفجار أجهزة البايجر لدى عدد من العاملين في الحزب والأجهزة المختصة تقوم بالتحقيقات”، موقع المنار، 17-9-2024، https://almanar.com.lb/12481977
[8] “حزب الله: نحمل العدو الإسرائيلي المسئولية الكاملة عن هذا العدوان الإجرامي”، موقع النشرة ، 17-9-2024، t.ly/1tany
[9] “حزب الله: سنواصل عملياتنا لإسناد غزة”، موقع النشرة، 18-9-2024، t.ly/OOYNS
[10] “أوسع خرق أمني لحزب الله الحدث في نقاط”، جريدة النهار، 17-9-2024، t.ly/Ok2hR
[11] Barack Ravid,”Israel conducted Lebanon pager attack fearing Hezbollah was onto the operation”, Axios, 18 September 2024, https://www.axios.com/2024/09/18/hezbollah-pager-explosions-israel-suspicions
[12] “أوسع خرق أمني لحزب الله …”، مرجع سابق.
[13] المرجع السابق.