ذي هيل: انهيار الدولار: الأزمة لم تعد مجرد نظرية

ذي هيل 28-4-2025، د. فيفيكاناند جاياكومار*: انهيار الدولار: الأزمة لم تعد مجرد نظرية
تشير وجهة النظر التقليدية إلى أن فرض الولايات المتحدة للرسوم الجمركية سيؤدي إلى ارتفاع قيمة الدولار الأمريكي مقابل عملات شركائها التجاريين الرئيسيين. وبما أن الرسوم الجمركية تزيد من تكلفة الواردات، فإنها قد تُقلل حجمها، وبالتالي تُقلل الطلب على العملات الأجنبية لسداد ثمنها. يمكن أن تؤدي التعريفات الجمركية أيضًا إلى ارتفاع الأسعار المحلية، وربما تُؤدي إلى زيادة توقعات التضخم على المدى القصير. وبالتالي، يُتوقع من الاحتياطي الفيدرالي أن يُحافظ على سياسة نقدية أكثر تشددًا مقارنةً بالبنوك المركزية الرئيسية الأخرى، وهو ما يُعزز الدولار عادةً. لكن ما تشهده الأسواق مؤخرًا يقلب هذه الفرضيات رأسًا على عقب، ويطرح تساؤلات جوهرية حول مستقبل الدولار كعملة احتياطية عالمية.
وفوق ذلك، يُفترض أن الدولار، باعتباره “عملة الملاذ الآمن”، يستفيد خلال فترات عدم اليقين من تدفقات استثمارية نحو سندات الخزانة الأمريكية، التي تُعدّ من أكثر الأصول أمانًا. لكن الواقع خالف كل هذه التوقعات.
فمنذ ذروته الأخيرة في يناير/ كانون الثاني، هبط مؤشر الدولار الأمريكي (DXY) إلى أدنى مستوى له خلال ثلاث سنوات، رغم تصاعد التوترات الجيوسياسية والمخاطر الاقتصادية. وعلى الرغم من أن السياسات التجارية التي انتهجها الرئيس دونالد ترامب خلقت حالة من الفوضى، وتسببت في مخاوف من اندلاع حرب تجارية عالمية، فإن الدولار الأمريكي فقد الكثير من جاذبيته كعملة ملاذ آمن.
لأول مرة في التاريخ الحديث، بدأ المستثمرون يشككون في الدور التقليدي للدولار وسندات الخزانة الأمريكية كركائز للاستقرار المالي، نتيجة للسياسات المتقلبة وغير المتوقعة التي تتبعها الإدارة الأمريكية، إلى جانب التهديدات لاستقلالية المؤسسات الاقتصادية.
وتراجعت السردية التي تمحورت حول “الاستثنائية الأمريكية” والنمو المدفوع بالتخفيضات الضريبية، ليحل محلها قلق حقيقي من الركود الاقتصادي، وربما حتى “الركود التضخمي” – وهو مزيج قاتل من النمو البطيء والتضخم المرتفع – ما يقلص شهية المستثمرين نحو الأصول الأمريكية.
بيانات الخزانة الأمريكية تبرز حجم التحدي: ففي عام 2024، تجاوزت مدفوعات الفائدة على الدين العام (949 مليار دولار) الإنفاق الدفاعي (826 مليار دولار)، في مؤشر على تصاعد الضغوط المالية. ومع تزايد الحديث عن القمع المالي، تتجه الأنظار إلى مدى قدرة الإدارة الحالية على ضبط السياسات دون الإضرار بجاذبية سندات الخزانة.
وفي ظل هذه الظروف، اتسعت الفجوة بين عوائد السندات الأمريكية ونظيرتها الأوروبية، مثل سندات البوند الألمانية، بينما سجل اليورو والين الياباني مكاسب أمام الدولار، في مشهد يعكس تحوّلًا في سلوك المستثمرين. وارتفعت أسعار الذهب بشكل غير مسبوق، متجاوزة 3500 دولار للأونصة، في إشارة إلى تصاعد القلق العالمي من فقدان الدولار لمكانته.
فهل نحن أمام أزمة مؤقتة؟ أم بداية تحوّل هيكلي في النظام المالي العالمي؟
الدولار عادة ما يمر بدورات صعود وهبوط تستمر لسنوات، وقد تكون هذه بداية مرحلة هبوط طويلة جديدة، مدفوعة بتغيرات هيكلية في النظام النقدي الدولي. ورغم ما يتمتع به الدولار من مزايا الشبكة والهيمنة المؤسساتية، يلفت جاياكومار إلى أن “الأبحاث الاقتصادية تُظهر أن الدولار لم يكن محصنًا في الماضي، إذ إن استبداله بالجنيه الإسترليني كعملة احتياطية حدث في وقت أبكر مما يُعتقد، بفعل تعميق الأسواق الأمريكية في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي”.
توسّع أوروبا في إصدار سندات موحدة مقوّمة باليورو، إلى جانب تحرير الصين لحساب رأس المال وتعزيز انفتاحها المالي، قد يُعجّل بانتقال النظام المالي العالمي من نموذج أحادي القطب إلى نموذج متعدد الأقطاب. كما أن جهود مجموعة “بريكس” والاقتصادات الناشئة الأخرى تهدف إلى كسر الاعتماد المفرط على الدولار، في مسعى للتحرر من هيمنته على النظام المالي العالمي.
الحفاظ على موقع الدولار كعملة مهيمنة يتطلب إجراءات حاسمة: “بدلًا من تعميق التحالفات وضمان استقرار النظام المالي، تمارس إدارة ترامب لعبة خطيرة قد تُعجّل بانهيار الثقة في الدولار”. وبينما يترنح الدولار وسط هذه التحولات العميقة، بات على المستثمرين وصنّاع السياسات التعامل مع الأزمة كاحتمال واقعي، لا كمجرد نظرية اقتصادية.
د. فيفيكاناند جاياكومار أستاذ الاقتصاد المشارك في جامعة تامبا



