ذا أراب ويكلي – مستقبل “صفقة القرن” التي يعدها ترامب

ذا أراب ويكلي – مارك حبيب* – 16/12/2018
في إعادة صياغة لعبارة تشارل ديغول سيئة السمعة عن البرازيل، فإن “صفقة القرن” التي يتحدث عنها الرئيس الأميركي دونالد ترامب لحل الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني لها مستقبل عظيم… وسوف يكون كذلك دائما. وكل بضعة أشهر تخرج الشائعات في واشنطن عن أن الصفقة سوف تخرج إلى العلن وتنفذ قريباً. ثم بعد بضعة أشهر، تسمع الشائعات نفسها مرة أخرى.
وسوف نكون دائما على ما يبدو على بعد بضعة أشهر من إحلال السلام في الشرق الأوسط.
حتى لو طرح البيت الأبيض اقتراحاً للسلام في الأيام الأخيرة من العام 2018 أو أوائل العام 2019، فإنه يفترض على نطاق واسع أن الإطار الذي يعرضه فريق ترامب، والذي يقوده صهره والمعجب بالمستوطنات الإسرائيلية، جاريد كوشنر، سوف يستقر بأمان في داخل منطقة راحة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو –وهو ما يعني أنه سيكون بعيداً عن منطقة راحة الفلسطينيين ومعظم العالم العربي.
حتى نكون منصفين –ولغايات الجدل- دعونا نفترض أن كوشنر وزملاءه سينتجون خطة قابلة للتطبيق، والتي تدعو إلى تقديم تنازلات إسرائيلية يعتد بها في الأرض، وتعيد القدس الشرقية إلى الطاولة كعاصمة فلسطينية، وتعالج بالحد الأدنى على الأقل محنة اللاجئين الفلسطينيين. وأنا أعترف بأننا سندخل بذلك أرض الأوهام هنا، ولكن تحملوني.
عندئذ سيكون السؤال: هل القيادات الحالية في إسرائيل والمناطق الفلسطينية، والعالم العربي والولايات المتحدة، في موضع يؤهلها لصياغة التفاصيل المضنية، وأن تسوق التسوية على شعوبها وتضمن إمكانية استدامة أي صفقة؟
دعونا نتأمل طاقم الشخصيات:
سوف يدخل الرئيس ترامب العام 2019، وربما بقية فترة رئاسته، وهو يكافح من أجل حياته السياسية بعد المعلومات التي كشف عنها روبرت مويلر، المدعي الخاص الذي يحقق في تعاملات حملته الانتخابية وتفاعلاتها مع العملاء الروس في العام 2016. وإحدى الشخصيات التي تقع في المركز من هذه التعاملات هي جاريد كوشنر. وبالنسبة لترامب وكوشنر، سيكون تجنب الإقالة ومحاولة الابتعاد عن السجن أهدافا أكثر أهمية في العام 2019 من جلب السلام إلى الشرق الأوسط.
ويعاني نتنياهو من مأزق مماثل مدفوع بالفضائح. وقد أصبحت لديه الآن أغلبية بمقعد واحد فقط في الكنيست حيث تأتيه أعظم الأخطار السياسية من أحزاب أبعد إلى اليمين حتى من حزبه، الليكود، نفسه.
ورئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، مسن ومريض ولا يحظى بالشعبية، ويسيطر على أجزاء فقط من الضفة الغربية. وما يزال التوصل إلى مصالحة بين سلطته وحماس وهماً. وكانت المناورات من أجل استبدال عباس قد بدأت قبل عدة سنوات، وسوف تزداد كثافة فحسب.
وكان يفترض في الصداقة التي يجري الحديث عنها كثيرا بين كوشنر وولي العهد السعودي محمد بن سلمان بن عبد العزيز أن تجلب السعوديين، وبالتالي الكثير من العالم العربي، إلى الطاولة، لكن ولي العهد يعاني من مشاكله الخاصة. وعلى أية حال، لم يكن الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز آل سعود، الذي ما يزال هو المسؤول، سعيداً بتحركات ترامب أحادية الجانب فيما يتعلق بالقدس.
بكل وضوح، لا يتمتع أي من هؤلاء القادة بوضع يمكنه من اتخاذ خطوات جسورة وقوية من أجل تحقيق سلام عادل وقابل للحياة. وحتى لو كان لدى ترامب حجم الانتباه الذي يمكن أن يكرسه لهذه القضية، فإنه سيخاطر في حال قام بعمل أي شيء بناء بفقدان مكون رئيسي ومهم جدا من دائرته الانتخابية –المسيحيين الصهاينة- والذين سيحتاجهم بشدة إذا ما أراد أن يترشح لإعادة انتخابه رئيسا مرة أخرى في العام 2020.
سوف تسقط حكومة نتناهو إذا ألمح إلى قدر كبير من التنازلات، ويغلب أن تجلب انتخابات إسرائيلية جديدة إلى السلطة رئيس وزراء أقل قابلية للسلام.
ومن جهته، يبدو عباس أكثر تركيزاً على منع حدوث انفجار جماهيري وعلى التشبث بالسيطرة على ذلك الجزء الصغير من الأراضي الفلسطينية الذي يسيطر عليه.
بعد أوسلو، كان هذا الصراع لفترة وجيزة واحدا يجري بين حركتين وطنيتين، ودولة إسرائيل والدولة الفلسطينية الوليدة في شكل السلطة الفلسطينية، والتي أجرى قادتها مفاوضات بوساطة أعظم قوة في العالم (وإنما ليست القوة غير المنحازة). واليوم، يمكن تأطير الصراع أفضل ما يكون على أنه يجري بين دولة إسرائيلية متمتعة بقوة غير محدودة (والتي يعود الفضل في الجزء الأكبر منها إلى ذلك الوسيط المنحاز نفسه)، وبين الشعب الفلسطيني (بمن فيه أولئك الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية)، والذي في حين أنه ليس من دون قيادة تماماً، فإنه في عوز إلى قائد.
إن الولايات المتحدة منحازة بعزم لا يلين بحيث أنها غير ذات صلة فعلياً بأي عملية سلام. وهي ليست غير ذات صلة بالصراع –كما رأينا من قرارات ترامب حول القدس، ووكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل الفلسطينيين، والمساعدات الاقتصادية للسلطة الفلسطينية- وإنما هي غير ذات صلة بالسلام. لقد أصبح الوسيط السابق الآن هو السبب الرئيسي في الاضطراب.
بالنظر إلى قوة إسرائيل العسكرية الساحقة والسخاء المالي والسياسي الذي تتلقاه من الولايات المتحدة، فإن الأسئلة الأكثر صلة وأهمية عند هذه النقطة هي: هل هناك أي شيء لن تفعله إسرائيل للحفاظ على سيطرتها المطلقة على الأرض والناس بين البحر المتوسط ونهر الأردن؟ هل هناك أي قوة غير الولايات المتحدة –الاتحاد الأوروبي أو روسيا، على سبيل المثال- والتي تمتلك القدرة على تغيير سلوك إسرائيل؟ هل يمكن للحركة العالمية المتنامية لدعم الحقوق الفلسطينية أن تصل إلى تلك الكتلة الحرجة بحيث تتمكن من إحداث التغيير؟
هذه هي الأسئلة التي ينبغي التركيز عليها في العام 2019.
*محرر قسم “شرق-غرب” في صحيفة “ذا أراب ويكلي”، والأستاذ المساعد في السياسة العالمية والأمن في جامعة جورجتاون في واشنطن.