ذا أراب ويكلي – ماذا بعد تعثر التقدم التركي في عفرين؟
ذا أراب ويكلي – سامي مبيض* – 20/2/2018
بيروت، لبنان- يبدو أن العملية التركية في عفرين لا تسير على ما يرام مطلقاً. فعلى الصعيد العسكري، مر نحو شهر الآن منذ بدء العمليات، وما تزال القوات الكردية متخندقة عميقاً في عفرين. وليست هناك أي إشارات على أن هذه القوات على وشك الذهاب إلى أي مكان في أي وقت قريب.
وما تزال القوات المدعومة من تركيا غير قادرة على دخول أو إضعاف -ناهيك عن احتلال- المدينة الكردية المتنازع عليها الواقعة إلى الغرب من نهر الفرات. وقد صمم المحاربون الأكراد على عدم التخلي عن المقاومة الشرسة والقتال من الكهوف والأنفاق والجبال.
بالنسبة لهم، هذه مسألة حياة أو موت، لكنها بالنسبة للقوات التركية معركة شاقة في مناطق وعرة وغير مألوفة، وواحدة تبدو أكثر صعوبة مما توقعوا أو مما قالته لهم الحكومة التركية.
في يوم واحد وحسب -10 شباط (فبراير) الحالي، قتل 11 جندياً تركياً، مما رفع إجمالي عدد الجنود الأتراك إلى 28. وعلى الرغم من أن عددهم يبقى أقل بكثير من نحو 1369 الذين قتلوا في الجانب الكردي، وفق إحصاء عسكري تركي، ونحو 30.000 شردوا من عفرين وما جاورها، فإن تركيا تواجه أوقاتاً صعبة في هضم حصيلة الخسائر.
أحد العوامل التي احتوت بألم تقدم القوات التركية، هو فرض الجيش الروسي على تركيا عدم استخدام قواتها الجوية، ومنعه من قصف عفرين من الجو. وكان هذا التقييد المفروض على سلاح الجو التركي قد جاء بعد وقت قصير من إسقاط طائرة روسية على يد ثوار سوريين من الذين تدعمهم تركيا يوم الثالث من شباط (فبراير) الحالي، الأمر الذي تم على إثره إغلاق المجال الجوي السوري في وجه القوات التركية. ثم جاءت الظروف الجوية القاسية التي أدت إلى إبطاء التقدم التركي إلى حد كبير.
وكان الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، قد وعد أصلاً بالقضاء على حزب الوحدة الديمقراطي الكردي وجناحه العسكري، وحدات حماية الشعب، واستئصالهما من عفرين باعتبارهما كليهما “إرهابيين”. ولأنها تقع إلى الغرب من نهر الفرات في داخل منطقة النفوذ الروسي، فإن عفرين تعد مدينة استراتيجية، والتي كان يجب أن تكون واحدة من ثلاثة كانتونات اعتبرها الأكراد حجر زاوية لحكومتهم الفيدرالية في الشمال السوري.
وكان أردوغان راغباً في المضي قدماً في طريقه الخاص لمنع ذلك المشروع من أن يوتي ثماره على الجانب التركي من الحدود مع سورية. وفي صيف العام 2016، قام باقتطاع منطقة آمنة في بلدات جرابلس وعزاز والباب، والتي أمل في أن تكون بمثابة منطقة عازلة بين الأراضي التركية وبين كل من “داعش” والمشروع الكردستاني السوري.
وفي مقابل السماح له بأن يفعل ذلك، نظر أردوغان إلى الجهة الأخرى بينما كانت القوات الروسية والقوات السورية تتقدم نحو مدينة حلب في كانون الأول (ديسمبر) من العام 2016. وعندما ينتهي من دحر الأكراد من عفرين، كان أردوغان يأمل في التقدم إلى مدينة منبج التي يسيطر عليها الأكراد والتي تبعد مسافة 30 كيلومتراً إلى الغرب من نهر الفرات، والتي كانت قد حررت من حكم “داعش” قبل عامين.
من جهته، يشعر البيت الأبيض بالغضب من سياسة أردوغان تجاه الأكراد الذين يعتبرهم الرئيس دونالد ترامب حلفاء استراتيجيين في نسخته من الحرب على الإرهاب. وكان مسؤولون أميركيون قد أشاروا بوضوح إلى أن واشنطن سترد “بشدة” على أي هجوم يُشن على مدينة منبج.
وكان ترامب قد تبنى المشروع الكردي، ورأى فيه شيئا سيكافأ به الأكراد على صلابتهم في المعركة ضد داعش”. والآن، أصبحوا المجموعة العسكرية الوحيدة في الميدان العسكري السوري التي تتلقى المساعدات المالية والعسكرية الأميركية. ويوم 12 شباط (فبراير) الحالي، كشفت وزارة الدفاع الأميركية عن أنها ستخصص في موازنتها للعام 2019 مبلغ 550 مليون دولار لدعم قوات حماية الشعب الكردية، وهو الأمر الذي لا بد أن يكون قد أرسل رعشة خوف في عمود أردوغان الفقري.
كما أن هجوم عفرين يعطي الرئيس أردوغان سمعة سيئة أيضاً. وكان آخر شيء يحتاجه هو المزيد من اغتيال الشخصية بعد اتهامه بأنه أصبح دكتاتوراً لاعتقاله آلاف الأشخاص بعد فشل محاولة الانقلاب الفاشلة التي جرت ضده في العام 2016. والآن، تقول جماعات حقوق الإنسان إنه يستخدم قنابل النابالم، السائل الحارق الذي يحظر القانون الدولي استخدامه في القتال، في الهجوم على عفرين.
وقد حقق شريطا فيديو على الأقل انتشاراً واسعاً على الشبكة، مما يضيف إلى مكامن قلق أردوغان. ويصور أحدهما جنوداً أتراكاً وهم يضربون أسيراً كردياً، بينما يعرض الآخر محاربين سوريين من الذين يتلقون التدريب والتمويل التركي، بينما يدوسون على جثمان مقاتلة كردية بعد قطع ثدييها. ويوم 24 كانون الثاني (يناير) الماضي، ضرب مسجد من القرن السابع عشر في تركيا بنيران كردية. ودمر الهجوم قبة المسجد وقتل شخصين وجرح 11 آخرين، جالباً الصراع عميقاً داخل الأراضي التركية.
بالإضافة إلى ذلك، تعرض المئات من المواطنين والصحفيين والمدونين وناشطي السلام للسجن بسبب قول “لا” لمعركة عفرين. وما يزال أكثر من 600 من بينهم خلف القضبان. وبعد ساعات من بدء عملية عفرين، قال أردوغان إن المحتجين سوف يدفعون “ثمناً باهظاً” مضيفاً “أن قواتنا الأمنية هي فوق أعناقكم”.
وعندما قالت الجمعية الطبية التركية، إن الحرب قد تقود إلى “مأساة إنسانية”، رد أردوغان بقسوة، واصفاً أطباءها بأنهم “حثالة وعملاء للإمبريالية” و”محبون للإرهاب”. وتم تقديمهم على الفور إلى المحاكمة وتم احتجاز 11 منهم. وتم منعهم من استخدام كلمة “تركيا” في اسم جمعيتهم، حيث أعلن أردوغان: “هذه المؤسسة لا علاقة لها بالتركية وليس من شيء فيهم جدير بالانتساب إلى التركية”.
ومن جهته، قال وزير الخارجية التركية، مولود شاوش أوغلو، إن أولئك الذين يدعمون حزب العمال الكردستاني إنما يفعلون ذلك لأنهم يتقاسمون “الأيديولوجية الماركسية الشيوعية” مع المنظمة.
الآن، أصبح أمام أردوغان خياران. الأول هو أن يعلن هزيمته ويدعو قواته إلى الانسحاب والسماح للأكراد بأخذ عفرين. وبالحكم من تاريخه، فإن أردوغان سيفضل أن يقفز من فوق جُرف على أن يفعل ذلك؛ أو أنه قد يكون الزعيم العنيد الذي كانه دائماً، ويمضي قدماً في عملياته بينما تتصاعد حصيلة الخسائر الهائلة على كلا جانبي الصراع.
وقد يتطلب الأمر سنوات -ومجتمعاً تركياً مقسماً لتحقيق ذلك، مبتلى بالإرهاب والاضطراب- لكن هذه أشياء يرغب أردوغان في حملها على كتفيه، فقط حتى يقول للعالم: “لقد كنتُ على حق!”.
*مؤرخ سوري، ومؤلف كتاب “تحت الراية السوداء”. وهو باحث سابق في معهد كارنيجي ومؤسس ورئيس “مؤسسة تاريخ دمشق”.
*نشر هذا المقال تحت عنوان:
Turkish Advance Stumbles in Syria’s Afrin
ترجمة عبد الرحمن الحسيني – الغد – 1/3/2018
abdrahaman.alhuseini@alghad.jo