ترجمات أجنبية

ذا أراب ويكلي  – جورجي أفندليان –  الارتباك يميِّز دور الولايات المتحدة في شمال شرق سورية

ذا أراب ويكلي  – جورجي أفندليان* –  17/11/2019

يواصل الرئيس الأميركي دونالد ترامب تعكير المياه وجعل الصورة ضبابية عندما يتعلق الأمر بسياسة الولايات المتحدة في شمال شرق سورية. وقد سحب ترامب القوات الأميركية من المناطق الحدودية في شمال شرق سورية في تشرين الأول (أكتوبر)، مباشرة بعد مكالمة هاتفية أجراها مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. وسمح ذلك الانسحاب للقوات التركية وحلفائها السوريين باحتلال المنطقة وقتل أكثر من 100 من المقاتلين والمدنيين الأكراد، وتسبب في فرار أكثر من 100.000 كردي. ومع ذلك، قال ترامب إنه عازم على سحب جميع القوات الأميركية البالغ عددها 1.000 جندي من البلاد.

أثارت هذه السياسة انتقادات واسعة النطاق في الولايات المتحدة، حتى بين حلفائه الجمهوريين في الكونغرس ومؤيديه من المسيحيين الإنجيليين. وكان مسؤولو وزارة الدفاع الأميركية، من المدنيين والعسكريين على حد سواء، والذين لم يتشاور ترامب معهم بشأن قراره، غاضبين بشكل خاص لأن القرار عنى التخلي عن حلفاء الولايات المتحدة من الأكراد السوريين الذين تحملوا وطأة الخسائر في الحملة ضد تنظيم “داعش”، وبدافع القلق من احتمال أن يتمكن “داعش” من معاودة الانتعاش من دون وجود عسكري أميركي في المنطقة.

ولذلك، صدر رد فعل كبير عن البنتاغون، لدرجة أن ترامب وافق على إبقاء حوالي 600 جندي في شمال شرق سورية، إلى الجنوب من المنطقة الخاضعة للسيطرة التركية. ويبدو أن هذه الفكرة قد بيعت لترامب على أساس أن بقاء القوات سيكون وسيلة للاحتفاظ بحقول النفط الموجودة في منطقة دير الزور، والتي تقع في منطقة تسيطر عليها قوات سورية الديمقراطية التي يقودها الأكراد السوريون.

راقت فكرة النفط هذه بشكل خاص لترامب، الذي يحب السياسة الخارجية القائمة على المعاملات. وقد أدلى في البداية بتعليقات مفادها أن عائدات الحقول ستذهب للولايات المتحدة، لكن مسؤولي البنتاغون “أوضحوا” تصريحاته ليقولوا إن الهدف سيكون إبقاء حقول النفط بعيدة عن أيدي “داعش”، مع استخدام عائدات الحقول لدعم قوات سورية الديمقراطية.

ثم أُخضعت هذه السياسة إلى مزيد من التصفية والتنقيح عندما صرح رئيس الأركان المشتركة للجيش الأميركي، الجنرال مارك ميلي، على شاشة التليفزيون الأميركي في 10 تشرين الثاني (نوفمبر) بأن القوات الأميركية البالغ عددها 600 جندي سوف تستخدم بشكل أساسي لضمان “الهزيمة الدائمة لـ‘داعش’”.

وشدد ميلي على أنه “ما يزال هناك مقاتلون من ‘داعش’ في المنطقة، وما لم تتم المحافظة على الضغط… فإن هناك إمكانية حقيقية للغاية لتهيئة الظروف” لعودة ظهور “داعش” من جديد.

وأكد اللواء في البحرية وليام بيرن، نائب مدير الأركان المشتركة، فكرة أن حماية حقول النفط ستكون هدفاً ثانوياً حين قال: “المهمة هي هزيمة ‘داعش’. وسيكون تأمين حقول النفط مهمة مساندة لتلك المهمة، والغرض من هذه المهمة هو حرمان ‘داعش’ من إيرادات تلك البنية التحتية النفطية”.

ومع ذلك، قال ترامب، خلال مؤتمره الصحفي مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يوم 13 تشرين الثاني (نوفمبر)، إن الهدف الوحيد لوجود القوات الأميركية في شمال شرق سورية هو حماية النفط. وقال: “نحن نحتفظ بالنفط. لدينا النفط. النفط آمن. تركنا قوات في الخلف فقط من أجل النفط”.

تسبب هذا التعليق بدوره في صدور رد فعل سلبي. ولم يبد أن ترامب يتناقض مع البنتاغون فحسب، بل إنه تسبب أيضاً في إرباك حلفاء الولايات المتحدة في الحرب ضد “داعش” الذين كانوا يجتمعون في واشنطن. وقال دبلوماسيون لم تُذكَر أسماؤهم إن تعليقات ترامب أثارت الشكوك في أنها أياً كانت الاتفاقات المبرمة مع الولايات المتحدة، فإنه يمكن أن يقوضها بتهوره.

من المحتمل أن يكون ترامب قد أدلى بتعليقات حول حماية النفط باعتبارها المهمة الأميركية الوحيدة من أجل تهدئة أردوغان وطمأنته بأن الولايات المتحدة لن تكون حامية قوات سورية الديمقراطية، التي يزعم أردوغان أن مقاتليها الأكراد إرهابيون. ومع ذلك، ناقض إعلانه ادعاء وزارة الدفاع الأميركية بأنها ستواصل العمل مع قوات سورية الديمقراطية ضد “داعش”. ومما لا شك فيه أن رداً سيصدر مرة أخرى عن وزارة الدفاع على تصريحات ترامب الأخيرة.

تترك هذه السياسة الأميركية الجديدة العديد من الأسئلة من دون إجابة. لقد باعت قوات سورية الديمقراطية النفط للحكومة السورية، فهل يعني ذلك أن المسؤولين الأميركيين سيفعلون الشيء نفسه؟ وإذا لم يكن الأمر كذلك، فأين ولمن سيتم بيع النفط؟ من المفترض أن بالإمكان إرساله بواسطة شاحنات إلى العراق. ومع ذلك، بموجب القانون الدولي، يجب أن يكون النفط الموجود في الأراضي السورية تحت سلطة الحكومة السورية. وإذن، كيف تقوم واشنطن بتربيع هذه الدائرة؟

 ثانياً، ماذا عن أكثر من 100.000 لاجئ سوري كردي فروا من منازلهم، ومعظمهم إلى العراق، أثناء الغزو التركي في تشرين الأول (أكتوبر)؟ هل لدى الولايات المتحدة التزام أخلاقي بمساعدتهم؟ من المؤكد أن أردوغان لا يريدهم أن يعودوا إلى ديارهم السابقة؛ وهو يخطط، بدلاً من ذلك، لإعادة توطين الكثير من اللاجئين العرب السوريين الموجودين في تركيا في تلك المنطقة لضمان أن لا يستطيع الأكراد إعادة بناء دويلتهم هناك.

أخيراً، ماذا عن قوات سورية الديمقراطية ومعسكرات السجون التي تسيطر عليها والمليئة بمقاتلي “داعش” وعائلاتهم؟ هل سيتم نشر جزء من الـ600 جندي أميركي في هذه المعسكرات؟ هل ستستمر هذه القوات المتبقية في دعم قوات سورية الديمقراطية في عملية استئصال خلايا “داعش”؟

 لسوء الحظ، لم تتم الإجابة عن أي من هذه الأسئلة، وهو ما يقدم مثالاً آخر على سياسة ترامب السورية المحيرة والمضللة.

*محاضر في كلية باردي للدراسات العالمية بجامعة بوسطن، وهو محلل سابق في قسم الشرق الأوسط في وزارة الخارجية الأميركية.

 *نشر هذا التقرير تحت عنوان : 

 Confusion marks US role in north-eastern Syria

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى