أقلام وأراءدراسات وتقارير خاصة بالمركزشؤون فلسطينية

د. يوسف يونس يكتب – الرد على من لا يستحق الرد

بقلم د. يوسف يونس (نائب رئيس مركز الناطور للدراسات والابحاث) – 22-4-2020م

تابعت كما تابع الكثير من أبناء شعبنا الحلقات المسجلة التي بثتها قناة الميادين مع احمد جبريل بصفته شاهدا على التاريخ ، محاولا ان يقدم للجمهور العربي والفلسطيني ، شهادته على مرحلة تاريخية هامة من مراحل الثورة الفلسطينية. وحقيقة لم اتفاجئ بحجم الأكاذيب التي حاول ان يسوقها جبريل للمشاهدين، باعتبار انها تأتي تصديقا للمثل العربي: “ما اكذب من شاب اتغرب الا عجوز قد ماتت اجياله”. فالكثير من أبناء الجيل الحالي لم يعش تلك المرحلة ، ولم تنقل له الكثير من تفاصيلها، وبالتالي من السهل ان يقول او يحكي مايريد. ولذلك فانني اجد نفسي مدفوعا للرد مقدما الكثير من التفاصيل عن دوره التآمري، الذي لم يكن سوى أداة في يد النظام السوري.

استطاعت حركة فتح أن تجمع بين تلك التناقضات الفكرية الفلسطينية في إطار مشهد سياسي يحمل هدفاً واحداً وهو “تحرير فلسطين”. ونجحت قيادة حركة فتح في خطواتها التأسيسية في تجاوز تلك الاختلافات الفكرية الشديدة في تلك المرحلة، بالرغم من التدخلات الخارجية والأوضاع الإقليمية التي ساعدت على استثارة تلك التناقضات الفكرية، في محاولة لاستقطاب الحركة الناشئة في المشهد السياسي العربي المضطرب.

لقد شكلت معركة الكرامة حدثاً مفصلياً هاماً في تاريخ الثورة الفلسطينية المعاصرة، ليس فقط من جهة بروز حركة “فتح” كحركة قائدة للنضال الفلسطيني ، وإنما فتحت الباب أمام مطامع أطراف عربية ودولية ساعية للسيطرة على الورقة الفلسطينية وصولاً إلى تحقيق طموحاتهم الإقليمية وتعزيز دور تلك الدول في منطقة الشرق الأوسط مستغلة “الشتات الفلسطيني” لتجنيد عناصر وأطراف فلسطينية تخدم أجندات ومصالح تلك الدول.

وبعد أن خرجت المقاومة الفلسطينية من الأردن بعد أحداث أيلول حدث تطوران مهمان كان لهما تأثير كبير على المسرح السياسي في المنطقة وهما وفاة الرئيس عبد الناصر حيث دخل العالم العربي مرحلة عدم التوازن نتيجة للفراغ الذي تركه، أما الحدث الآخر فهو وصول حافظ الأسد إلى الحكم في سورية والسيطرة على حزب البعث واقصاء الجناح اليساري في الحزب. وشرع الأسد في توسيع نفوذ سوريا الإقليمي في المنطقة،  لجعلها “دولة استقطاب وقيادة” في اطار استراتيجيته لإعادة إحياء مشروع سوريا الكبرى. ودفعت هذه التوجهات ياسر عرفات أن يكون حذراً في العلاقات مع النظام السوري، ما جعل العلاقة بين الجانبين تمر بالكثير من الانتكاسات والتوترات العنيفة والتي تحولت إلى معارك سعى خلالها النظام السوري إلى التخلص من ياسر عرفات وصولاً إلى تحقيق أهدافه الاستراتيجية بالاستعانة بحلفائه في داخل الصف الفلسطيني، وهذا هو بالفعل كان الدور الذي قام به المدعو احمد جبريل ، الذي حاول ان يكون شاهدا على العصر وعلى التاريخ الفلسطيني، متناسيا ان هذا التاريخ قد كتب بدماء الشعب الفلسطيني الذين سقطوا على طريق مؤامرات جبريل وامثاله لتحقيق اطماعهم الشخصية التي لم ولن تتحقق.

لقد أضاع أحمد جبريل الجزء الأكبر من حياته في خدمة الأهداف السورية والليبية وخلق الصراعات والأزمات داخل الساحة الفلسطينية وتصفية حسابات شخصية مع حركة فتح التي اعتبرها عدوه الأول، بل أنه وجه جهده وامكانات تنظيمه التي كانت كبيرة بفعل الاحتضان السوري الكامل للتنظيم إلى جانب الدعم السخي الذي قدمه العقيد معمر القذافي من المال والسلاح والتأييد السياسي لتوجهات جبريل.

احمد جبريل ، وُلد متآمرا :

احمد جبريل ، من مواليد قرية يازور ضواحي حيفا عام 1938، وهاجرت اسرته عام 1948 إلى سوريا وكان عمره عشر سنوات، حصل مع أسرته على الجنسية السورية في مرحلة الرئيس شكري القوتلي عام 1956 والتحق بالجيش السوري وترقى ليحصل على رتبة ضابط. وفي عام 1965 وبعد انطلاقة حركة فتح قامت المخابرات السورية بتأسيس “جبهة التحرير الفلسطينية” بقيادة الضابط السوري “احمد جبريل”.

حاولت السلطات السورية فرض سيطرتها على حركة فتح واشترطت السماح لها بالنشاط العسكري على أراضيها مقابل ان تتم عملية دمج حركة فتح مع إطارين فلسطينيين محسوبين على حزب البعث السوري، وهما: الجبهة الثورية بقيادة محمد زهدي النشاشيبي وكمال كعوش وفهمي هوين  ويوسف عرابي، وجبهة التحرير الفلسطينية بقيادة أحمد جبريل وعلى بشناق، كلاهما من ضباط الجيش السوري. وانضم بالفعل يوسف عرابي وأحمد جبريل كعضوين في قيادة مجلس الطوارئ الذي ضم التنظيمات الثلاثة وتشكل من لجنة إعلامية وتنظيمية وعسكرية.

وخلال تلك الفترة بدأ أحمد جبريل بتحريض اللجنة المركزية لحركة فتح في الكويت ضد ياسر عرفات بحجة اندفاعه باتجاه الكفاح المسلح، الأمر الذي قد يورط سوريا في حرب ليست مستعدة لها، وطالب بإعفاء ياسر عرفات من مسؤوليته وتعيين يوسف عرابي بدلاً منه، وحضر من الكويت كل من عادل عبد الكريم وعبد الله الدنان إلى دمشق واجتمعوا مع بعض القيادة السورية وأبلغوهم بأن هناك قرار من اللجنة المركزية بالكويت بعزل عرفات وتعيين يوسف عرابي بدلا منه (هذه شهادة الأخ سليم الزعنون أبو الاديب في كتابه سيرة ومسيرة). ونظراً للاعتبارات الجغرافية، وبفعل الضغوط السورية ، أصدر أعضاء اللجنة المركزية في الكويت، بضغط من عادل عبد الكريم وعبد الله الدنان ومحمود فلاحة، قراراً بعزل ياسر عرفات من قيادة قوات العاصفة وتعيين يوسف عرابي قائداً للمجلس العسكري (قيادة قوات العاصفة). وتم إرسال القرار مباشرة إلى يوسف عرابي دون اطلاع ياسر عرفات وخليل الوزير.

وحدث الصدام الذي كان نتيجته مقتل يوسف عرابي واعتقال كل من : (ياسر عرفات، أبو صبري، أبو جهاد ، مختار بعباع عبد الكريم العكلوك، زكريا عبد الرحيم، وعبد المجيد زغموط)، بتعليمات مباشرة من حافظ الأسد الذي كان وزيرا للدفاع في تلك الفترة. وبعد ثلاثة اشهر تم اطلاق سراح القيادات باستثناء كل من زكريا عبد الرحيم وعبد الكريم العكلوك وعبد المجيد زغموط الذي  صدر ضده حكم بالاعدام وظل قابعا في السجون السورية لما يقارب 34 سنة حتى انتقل إلى رحمة الله عام 2000 م ، ليكون اول ضحايا اطماع المدعو احمد جبريل في مسيرة الثورة الفلسطينية.

احمد جبريل يهرب من مواجهة العدو في معركة الكرامة 1968م :

توفرت المعلومات لدى القيادة الفلسطينية عن استعدادات إسرائيلية لاجتياح منطقة الكرامة في اغوار الأردن بهدف القضاء على قيادة حركة فتح وذلك في اعقاب تصاعد العمليات الفدائية في عمق الأرض المحتلة ، وبعد دراسة تلك المعلومات اتخذ القرار من قيادة حركة فتح أنها ستكون في طليعة الكفاح المسلح الفلسطيني وأنها قررت التصدي للهجوم الإسرائيلي.

وجهت اللجنة المركزية دعوة لاجتماع عسكري عاجل في منطقة  الكرامة لكل من قيادة قوات التحرير الشعبية، والجبهة الشعبية وخلال المداولات اتخذ أحمد زعرور وأحمد جبريل القرار بالانسحاب شرقا إلى التلال خارج بلدة الكرامة تطبيقا لمبدأ أن “الحفاظ على الذات هو أعقل خيار في وجه عدو يتمتع بالتفوق”، ولم يكن لقرار الجبهة الشعبية بالانسحاب أي أثر على قرار حركة فتح وقوات التحرير الشعبية بالمواجهة. فقد اتخذت قيادة حركة فتح هذا القرار لتبديد أسطورة التفوق الإسرائيلي منذ حرب حزيران 1967م ولفتح صفحة جديدة في المقاومة العربية تشكل منعطفاً ودرساً سيذكره التاريخ.

وللأسف يأتي جبريل اليوم ليشهد على تاريخ لم يحضره وآثر ان يهرب من مواجهته ، فكيف يمكن لهذا الهارب ان يشهد بما لم يرى ويحكم على من قاتل وواجه وكان في الصفوف الأولى وصنع التاريخ الذي تفخر به أجيال شعبنا جيلا وراء جيلا .. فعلا أبت السفاهة ان تفارق أهلها.

القاتل الذي لا يتورع عن سفك الدماء:

اندمجت جبهة التحرير الفلسطينية بقيادة احمد جبريل مع مجموعة شباب الثأر ومجموعة أبطال العودة في اطار الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين عام 1967م بزعامة جورج حبش ، وبعد عشرة شهور ، وقبل ان تكتمل اعمال هيكلة الجبهة الشعبية التنظيمية وقبل ان تنتهي من اعدادها للبرنامج السياسي الوطني ولاجهاضها وتوجيه ضربة لها أعلن أحمد جبريل في تشرين اول 1968 انشقاقه عن الجبهة الشعبية مع ما يقارب 30 – 50 شخصا وشكلوا الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، القيادة العامة، باسناد ورعاية لوجستية كاملة من المخابرات السورية، التي قامت باعتقال الدكتور جورج حبش لمدة عام وانقذه من السجن الدكتور وديع حداد الذي قام باختطافه من سيارة السجن وتهريبه الى بيروت ، حيث ارسل الرئيس جمال عبد الناصر طائرة خاصة لنقله للقاهرة.

وفي منتصف عام 1976 حدث انشقاق في الجبهة الشعبية القيادة العامة حيث قامت مجموعة بقيادة أبو العباس وطلعت يعقوب، علي إسحق، أحمد نجم، عمر شبلي (أبو أحمد حلب) وعشرات غيرهم، من عناصر الجبهة بالانشقاق عن الجبهة بحجة غياب التصور الفلسطيني للأحداث والأولويات السورية الدائمة لدى جبريل.

وفي 30/7/1976م تمكنت مجموعة “أبو العباس” من تطويق مقر احمد جبريل في الفاكهاني وأوشكت على تصفيته، وهنا نستعرض شهادة اللواء محمود الناطور “أبو الطيب” قائد القوة 17 عن تلك المرحلة قائلا : “طلبني أبو عمار وقال لي: إنني أحملك المسؤولية في حال حصل أي شيء لأحمد جبريل وتحركت على رأس قوة وما أن وصلت حتى شاهدت المسلحين التابعين لأبي العباس يحاصرون مقر احمد جبريل وهنا شرعت في عملية إنقاذه وبعد أن قمت بتطويق المنطقة وفتحت ثغرة لتخليص أحمد جبريل طلبت من مفيد المصري أن يذهب ويعرف على نفسه بأنه جاء من طرف العمليات المركزية ويصرخ بصوت عال مع مجموعة من قواتنا ويقول بأن أحمد جبريل وصل إلى غرفة العمليات بطرف اللواء سعد صايل وبالفعل انسحب الجميع إلى العمليات المركزية، وهنا تمكنت من إخراج أحمد جبريل من الحصار وبدأنا وإياه بالركض حتى وصلنا السفارة العراقية ودخلناها سوياً ومن هناك اصطحبته إلى مقر قواتنا في الفاكهاني وكان يوجد منزل ضيافة ملاصق لمبنى قوات ال17 فوضعنا به أحمد جبريل تحت الحراسة المشددة . وبعد فترة حضر أبو عمار وتحدث مع أحمد جبريل وتم الاتفاق معه أن يبقى بضيافتنا حتى تهدأ الأمور وبعد ثلاثة أيام طلب مني جبريل أن أحضر له جهاز لاسلكي من قواته في حارة الناعمة فقمت بإحضار الجهاز وبقى جبريل في ضيافتنا نحو 15 يوماً” (شهادة اللواء محمود الناطور “أبو الطيب” – كتاب حركة فتح بين المقاومة والاغتيالات).

وبعد شهرين قام أحمد جبريل بوضع عبوة ناسفة في البناية المكونة من خمسة طوابق التي يقيم فيها أبو العباس والتي تبعد عن ثكنة قوات ال17 بحدود 150متراً وعن مكان إقامتي 180متراً وبعد أن فجر جبريل العبوة تهدمت البناية بالكامل ومن حسن حظ أبو العباس أنه كان قد غادر البناية قبل تفجيرها ومن سوء حظ سكانها أنهم جميعا سقطوا ضحايا تحت البناية حيث بلغ عدد القتلى في الانفجار 200 شخص من الابرياء.

وبعد كل الذي فعلناه لإنقاذ جبريل كان رد الجميل لياسر عرفات في قصف مخيم البداوي لقتل أبي عمار وأبي جهاد والعشرات من أبناء حركة فتح والشعب الفلسطيني .. فعلا اذا اكرمت الكريم ملكته واذا اكرمت اللئيم تمردا.

جبريل في خدمة مخططات سورية ضد الثورة الفلسطينية في لبنان :

اسهم أحمد جبريل في تنفيذ المخططات السورية لاحتلال لبنان عام 1976 ، برعاية اميركية ، في اطار النظام الاقليمي الذي خططه وزير الخارجية الأمريكية هنري كيسنجر الذي اعتبر أن : “الولايات المتحدة تلعب دوراً رئيسياً في لبنان، وأنها تشجع التدخل السوري هناك”. وجاءت هذه الخطة ضمن إستراتيجية سورية اميركية لإضعاف الثورة الفلسطينية. وتزامنت هذه الاستراتيجية الامريكية مع انخراط أحمد جبريل وعبد الحليم خدام وعبد السلام جلود للتآمر على القيادة الفلسطينية في بيروت بهدف تصفيتها وبمشاركة كاملة لقوات طلائع حرب التحرير الشعبية “قوات الصاعقة” التي كان يقودها زهير محسن عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية حينها، عندما شرعوا وبمساعدة قوات الجيش السوري في السيطرة على مقرات منظمة التحرير الفلسطينية في بيروت الغربية، في خطوة تم احباطها بشجاعة القيادة الفلسطينية ومقاتلي الثورة الذين تصدوا لهذه المؤامرة في بداياتها. والتي لم تكن الأخيرة على طريق مؤامرات احمد جبريل.

وشهدت المنطقة اصطفافات خطيرة تسعى جميعها لشغل الفراغ الذي تركته مصر، بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد، فقد تم تشكيل تحالف سوري عراقي بدعم ليبيا تبلور من خلال الميثاق القومي بين البلدين في 26-10-1978م والذي ركز الجهد للسيطرة على الورقة الفلسطينية فقاموا باستعدادات مكثفة للتحضير لاجتماعات المجلس الوطني الفلسطيني في دورته الرابعة عشر في دمشق بتاريخ 15-1-1979م للحصول على أغلبية في قيادة منظمة التحرير، حيث لعب احمد جبريل دورا هاما في المطالبة بضرورة تشكيل قيادة جديدة لمنظمة التحرير لإنهاء سيطرة حركة فتح وتفرد ياسر عرفات. وكان طارق عزيز وعبد الحليم خدام داخل اجتماعات المجلس الوطني الفلسطيني، لكن الرئيس أبو عمار تمكن من إحباط المؤامرة وإفشالها.

واستطاعت حركة فتح تطوير قدراتها العسكرية الأمر الذي عزز من مكانتها ودورها المحوري في المنطقة، بصورة أثارت تخوفات الكثير من الأطراف الإقليمية والدولية وهو الأمر الذي مهد الطريق أمام الاجتياح الإسرائيلي لجنوب لبنان في آذار 1978م في “عملية الليطاني”، وبفضل صمود المقاتلين الفلسطينيين تعزز الدور الإقليمي والدولي لمنظمة التحرير الفلسطينية.

وشعر النظام السوري بخطورة الموقف ، وبدا متناغما مع إسرائيل تجاه مخططاتها لاجتياح لبنان والتخلص من قيادة منظمة التحرير الفلسطينية بقيادة ياسر عرفات،  حيث كشفت المعلومات عن تفاهمات سرية ساهمت في اجتياح إسرائيل للبنان عام 1982م. وفي هذا الإطار يكشف جوزيف أبو خليل (أحد قيادات حزب الكتائب) أنه كان قد كُلف من بشير الجميل بالقيام بجولة عربية وأوروبية: ذهبت إلى مصر والكويت والأردن وإلى (باريس) وإلى (لندن) ودمشق، لنقول، بأن هناك مشروع اجتياح إسرائيلي للبنان وفي إحدى لقاءاتنا مع نائب الرئيس السوري عبد الحليم خدام قال: نعرف ذلك، وتلك ضربة محدودة ستوجه لياسر عرفات والمنظمات الفلسطينية.  إلا أن الصمود الأسطوري للثورة الفلسطينية كان له الأثر الأكبر في الاعتراف بها عربياً وإقليمياً ودولياً حيث سقطت مقولة “شطب منظمة التحرير الفلسطينية” وتقرر إشراك المنظمة في تقرير مستقبل الفلسطينيين والأخذ بمقولتها لإقامة دولة فلسطينية مستقلة في أية اتفاقات للسلام. إلا أن هذا الانتصار السياسي الفلسطيني أثار “التخوف” السوري من جديد ولذلك تقرر العمل على إضعاف المنظمة وشقها أو احتوائها، أو تشكيل منظمة بديلة بوصاية سورية.

وفي هذا الجانب لابد ان اسجل شهادة للتاريخ ، ردا على أكاذيب احمد جبريل الذي قال ان : “ياسر عرفات كان قد خطط للخروج من بيروت لتمرير مشروعه للحل السلمي، مؤكدا ان سورية كانت قد وافقت على استقبال قوات الثورة الفلسطينية بالكامل”. وردا على هذا التزوير فانني اريد ان أؤكد ان خروج قوات منظمة التحرير من بيروت كان قد تم بموافقة كافة الفصائل، التي لم تعترض على الخروج، أما الموقف السوري الرسمي والذي تم إبلاغه إلى الوسيط الأمريكي فيليب حبيب بصورة رسمية في البداية تمثل في موافقة السلطات السورية على استقبال قيادة منظمة التحرير الفلسطينية وليس قواتها. وبعد تدخل السعودية لدى الرئيس الأسد تم إعلان قبول السلطات السورية على استقبال 5 – 6 آلاف مقاتل فلسطيني فقط وأنه كان يفضل أن تتوجه غالبية القوات الفلسطينية إلى دول عربية أخرى. إضافة إلى أن الرئيس حافظ الأسد كان يضع ضمن حساباته استقبال القيادات والقوات المقربة من النظام السوري ومنها قوات “الجبهة الشعبية – القيادة العامة” والجبهة الشعبية والجبهة الديمقراطية إضافة إلى بعض القيادات والوحدات العسكرية التابعة لحركة فتح والمقربة من النظام السوري.

واعتبر حافظ الأسد أن خروج قوات الثورة الفلسطينية من بيروت في العام 1982م شكل فرصة مواتية لتحقيق مشروع سورية الكبرى ، ولذلك قرر العودة إلى بيروت، لا سيما بعد اطلاعه من قبل القيادة السوفييتية بأن إسرائيل سوف تنسحب من بيروت وأن هناك توجه لاستبدالها بالقوات المارونية. وقامت إستراتيجية الرئيس الأسد في تلك الفترة على ضرورة دعم الانشقاق في حركة فتح لافتعال معارك دامية مع قوات ياسر عرفات تمهيدا لطردها من البقاع وطرابلس وشمال لبنان.

واعتبرت القيادة السورية ان الفرصة باتت مؤاتية للتخلص من ياسر عرفات والسيطرة نهائيا على الورقة الفلسطينية واللبنانية وبدأت في دعم المنشقين لطرد قوات الثورة الفلسطينية بصورة نهائية من مناطق البقاع وطرابلس والجبل ، مستفيدة من الدعم الليبي المالي الغير محدود  في تلك الفترة، وتحالف المنشقون عن حركة فتح مع احمد جبريل الذي واصل مشواره الدموي الحافل بالجرائم حيث شارك في مؤامرة حصار طرابلس شمال لبنان وقصف المخيمات الفلسطينية دونما ان يضع أي اعتبار لابناء الشعب الفلسطيني الذين يقطنون هذه المخيمات والذين سقط منهم المئات جراء القصف الوحشي الذي نفذوه وسقط جرائه المئات من أبناء الشعبين الفلسطيني واللبناني في معركة كان عنوانها السيطرة على حركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية والقرار الوطني الفلسطيني. ولم يكن جبريل وحلفاءه يضعون اية اعتبارات للعدو الإسرائيلي الذي كان يتواجد على الأرض اللبنانية في تلك الفترة  مواصلا اعتداءاته واحتلاله لجزء كبير من لبنان.

واتضح فعليا أن النظام السوري يسعى لفرض هيمنة أحمد جبريل على القرار الفلسطيني بدلا من المنشقين وهو الأمر الذي لاقى اعتراضات من بعض قياداتهم الذين فضلوا العودة إلى حركة فتح خلال السنوات التي أعقبت الانشقاق وهو ما يعكس حقيقة التوجهات السورية وراء الانشقاق والذي كان يتمثل في إضعاف الرئيس عرفات وحركة فتح بما يفتح المجال أمام الفصائل الفلسطينية الموالية لسورية للسيطرة على القرار الفلسطيني ومنظمة التحرير الفلسطينية بما يخدم المصالح الإستراتيجية السورية.

وعندما فشلت المؤامرة في العام 1983م ، ونجحت منظمة التحرير بقيادة ياسر عرفات ، الخروج من طرابلس وإعادة صياغة مراكز القرار الوطني الفلسطيني المستقل بعيدا عن الهيمنة والوصاية السورية ، جاء القرار الميداني بتصعيد حركة فتح عملياتها ضد قوات الاحتلال الإسرائيلية في جنوب لبنان بعد أن عاد المئات من مقاتليها، استشعرت القيادة السورية بخطوة عودة حركة فتح الى لبنان ولذلك صدرت التعليمات السورية لاحمد جبريل والمنشقين لمواجهة هذه “الهجمة العرفاتية” بافتعال حرب المخيمات الأولى في بيروت 1985 – 1986 وبمشاركة حركة امل، حيث قتلوا المئات من أبناء شعبنا في اطار محاولاتهم ابعاد منظمة التحرير الفلسطينية وقياداته الشرعية عن بيروت، استكمالا لما بدأته دبابات شارون عندما اجتاحت بيروت في العام 1982م.

وعندما فشلوا في مؤامرتهم ، امام صمود مقاتلي حركة فتح في مخيمات بيروت ، أعادوا الكرة مجددا وبمشاركة المنشقين عن حركة فتح في حرب المخيمات الثانية عام 1988 ، حيث قاموا بحصار مخيم شاتيلا وبرج البراجنة وغيرهما من صباح الثالث من نيسان عام 1988 حتى مساء السابع والعشرين من تموز 1988 سقط فيها مئات من الفلسطينيين، وهجر ألالاف إلى مخيمات الجنوب اللبناني ، تحقيقا لهدف التخلص من انصار ياسر عرفات وابعادهم نهائيا عن بيروت ، ويتذكر الجميع الجولات التي قام بها المدعو احمد جبريل جولات في المخيمات المهدمة بعد اجتياحها مع مرافقيه والتقاطهم الصور التذكارية وسط الدمار وجثث أبناء الشعب الفلسطيني.

احمد جبريل والأرض المحتلة :

على امتداد تاريخ التنظيم تجاهل أحمد جبريل الأراضي الفلسطينية سواءً في المناطق المحتلة عام 48 أو في الضفة الغربية وقطاع غزة، ولذلك يجد الكثير من أبناء فلسطين هذا الرجل بعيداً عنهم بل أن الكثير لا يعرفوه، إذ أنه كان قد اكتفى بالتمركز في مخيم اليرموك قرب مدينة دمشق وبدرجة أقل في مخيمات لبنان موجهاً جهده وتفكيره منذ بداية الحرب الأهلية في لبنان عام 1975 نحو ضرب حركة فتح والسيطرة على منظمة التحرير الفلسطينية  لتزعمها بدعمٍ من نظام الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد. ولو أنه كُرِّس ولو بجزءٍ منه للعمل ضد الاحتلال لكان قد كفل للرجل الصعود الى مناصب عليا ضمن قيادة العمل الوطني الفلسطيني، ولكنه اهتم بدلاً عن ذلك بالسعي لتدجين منظمة التحرير الفلسطينية لتحقيق أحلامه بتزعمها ووضعها في غرفةً صغيرة تخدم الأنظمة التي عمل لمصالحها.

كلمة للتاريخ:

استشهاد قادة حركة “فتح” برصاص الإحتلال الإسرائيلي لم تنسي أحمد جبريل حقده ، واختار وعبر محاولة يائسة تبرئة “معمر القذافي” من دم الامام موسى الصدر، محملا الشهيد ياسر عرفات المسؤولية عن اختفاءه ، وكما يبدو الامر محاولة يائسة لابعاد الشبهات عن نفسه باعتباره احد اهم أدوات النظامين السوري والليبي خلال سنوات حياته، وعليه الا ينسى تورطه في الكثير من المهمات القذرة ، وعلى رأسها ملف لوكربي!.

لقد شهد التاريخ الفلسطيني العديد من الابطال والذين حفروا أسماؤهم في ذاكرة شعبنا الذين لن ينساهم ابدا، فتضحياتهم لن تذهب سدى ، وندعوك أيها المدعو احمد جبريل الى مراجعة تسجيلات جنازة الشهداء ياسر عرفات وأبو جهاد والكثيرين من الشهداء ، لتعرف مدى محبة واعتزاز أبناء شعبنا بهؤلاء القادة الذين استشهدوا وهم على ثوابتهم تجاه قضيتهم وشعبهم.

اما أولئك الذين كانوا دوما في الصف المعادي ، فان شعبنا لن ينساهم ابدا ، ولن ينسى جرائمهم ، ولن ينسى حقدهم ، ولن ينسى خياناتهم التي لن تنال من عزيمة شعبنا واطفاله ونساءه ورجاله، وستذهب كل محاولاتهم للشهادة امام التاريخ ، كما تفعل الرياح في ذرات التراب ، فالتاريخ لا يصنعه الا الابطال ، اما الخونة والجبناء فانهم ليسوا الا عابرون في كلام عابر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى