د. وفاء صندي: تداعيات الحرب على غزة

د. وفاء صندي 23-10-2023: تداعيات الحرب على غزة
لاشك فى ان الشعور بالظلم واليأس هما من فجرا ما شهدته إسرائيل يوم 7 أكتوبر، بعدما فاجأت حركة حماس، إسرائيل، والعالم اجمع، بضربتها الموجعة للمحتل. وعلى الرغم من ان موازين القوة متباينة جدا، ورغم العلم المسبق بأن ردة فعل تل أبيب ستكون قاسية، الا أنه لم يكن امام المقاومة الفلسطينية من خيار لقلب المعادلة وإعادة القضية الى الواجهة، بعد محاولات اقبارها، سوى الدخول فى حرب غير متكافئة سيدفع المدنيون ثمنها. وبعد ان تضع الحرب اوزارها، سوف يعد كل طرف خسائره ومكاسبه قبل العودة الى طاولة المفاوضات.
الى ذلك الوقت، تبدو حصيلة الحرب ثقيلة وتداعياتها كبيرة. الى حدود كتابة المقال، تشير مصادر إلى مقتل ثلاثة آلاف وإصابة قرابة 10 آلاف فلسطينى مدنى فى قطاع غزة، و58 قتيلا وأكثر من 1250 جريحا فى الضفة الغربية. وعلى الجانب الإسرائيلى، قتل ما يزيد على 1300 شخص، بينهم 291 ضابطا وجنديا. صرحت قوات الاحتلال بأنها قصفت، الخميس الماضى 750 هدفا بالقطاع، بنحو 6 الاف قذيفة، تزن 4 الاف طن. وأكد المرصد الأورومتوسطى لحقوق الإنسان أن الجيش الإسرائيلى أسقط على قطاع غزة ذخيرة توازى شدتها ربع قنبلة نووية. ما يعنى ان إسرائيل ترتكب، على مرأى ومسمع العالم، جرائم حرب، وتمنع وصول المساعدات الإنسانية، وتستخدم أسلحة محظورة دوليا، فى مساحة لا تتجاوز 365 كيلومترا مربعا يقطنها 2.3 مليون نسمة.
من خلال هذا التصعيد تريد إسرائيل استعادة هيبتها، وأيضا، تدمير قدرة حركة حماس على حكم قطاع غزة. لكنها بالتأكيد لا تملك خطة ولا خيارات بما يمكن ان يحدث بعد ذلك. الحكومة الإسرائيلية تندفع للإطاحة بحماس دون التفكير المسبق فى استراتيجية خروج من هذه الحرب، وبأى سيناريو، وبأى تكلفة، مما يفتح مستقبل غزة والمنطقة لكل الاحتمالات.
امام الاحتمالات الواردة، يبقى الشىء الأكيد ان القضية الفلسطينية قبل 7 أكتوبر لن تكون مثلها بعد هذا التاريخ. عملية الأقصى وما تلاها من قصف إسرائيلى لغزة سيكون لها تداعيات عديدة. أولى هذه التداعيات على الوعيين الجماعيين العربى والإسرائيلي. فما حققته المقاومة من نجاح فى عبور الجدار الفاصل بين غزة وغلافها، برا، وبحرا، وجوا، امام غياب تام لقوات العدو؛ وقدرتها على دخول المستوطنات والسيطرة عليها؛ واسر مدنيين وجنود دون ان تتمكن القوات العسكرية والاستخباراتية الإسرائيلية من ايقافها؛ سيكون له بالغ الأثر على تعبئة الشعوب العربية، التى ملأتها هذه المشاهد بالثقة، وزرعت بداخلها املا بأن هناك انتصارات تكتب من جديد ستعيد للشعوب العربية قيمتها وقوة ضغطها، وتعيد للقضية الفلسطينية مكانتها الاولى.
على الجانب الآخر، مشاهد وصور الفلسطينيين وهم يكسرون صورة الجيش الإسرائيلى الذى لا يقهر، ادخلت الخوف فى قلوب وعقول الإسرائيليين، فتحطم بداخلهم الكثير من الغرور، الذى سعى جيل المؤسسين لترسيخه فى عقول الأجيال المتتالية. فجأة وبدون سابق انذار، لم تعد فلسطين المحتلة ملاذا آمنا لليهود، ولم تعد أرضهم الموعودة كما كانوا يحلمون. بات الخطر يحيط بهم من كل جانب، والاحساس بالأمان ضاع ولن يعود أبدا الا اذا تحقق السلام المبنى على حل الدولتين.
من تداعيات هذه الحرب، أيضا، تأثيرها على مسارات التطبيع. هنا لا بد من التذكير بأن التطبيع فى حقيقته يتجاوز إسرائيل وحدها، وان الذى يدفع فى هذا الاتجاه هو الغرب وعلى رأسه أمريكا. كل السرديات التى كانوا يعتمدونها فى تسويقهم للتطبيع كانت مبنية على الاشادة بقوة إسرائيل وإمكاناتها العسكرية والاستخباراتية الضخمة، وكلها سقطت مع عبور اول مقاوم فلسطينى للجدار العازل.
من المتوقع اذا استمرت الحرب على غزة، خاصة فى ظل تهديد تل أبيب بشن هجوم برى عنيف وتهجير الآلاف من سكان القطاع، ان يدفع ذلك بعض الدول الى الانسحاب من اتفاقات التطبيع، أو تجميدها لفترة قد تطول.
تبقى حكومة نيتانياهو المسئولة الوحيدة عن كل هذه الاحداث والتطورات. ستجد نفسها فى موقف لا تحسد عليه وهى أمام خيارين لا ثالث لهما: إما أن تنفذ تهديداتها بشن عملية برية واسعة، فتجر المنطقة إلى حرب شاملة لن تستطيع تحمل تبعاتها. او تضرب بشعارات السلام عرض الحائط وتستمر فى قصف المدنيين العزل واستهداف النساء والأطفال، قبل ان تتقبل هزيمتها وتعود الى طاولة الحوار، اذا بقى هناك مجال للحوار!.