أقلام وأراء

د. هاني العقاد يكتب – سقط كلب الصيد الامريكي..!

بقلم د. هاني العقاد  *- 8/11/2020

لم تكن سياسة الرئيس الامريكي دونالد ترمب المنتهية ولايته سياسة توحي بانه قد يمكث في الحكم فترة اخرى.. جند كل قدرات البيت الابيض لاجل ارضاء اسرائيل وقدم الهدايا الثمينة لبنيامين نتنياهو، رأس اليمين الاسرائيلي، وأعطاه بلا مقابل وخدم اسرائيل اكثر من الاسرائيليين انفسهم. لم يكترث كثيرا لعدالة تعامل دولته مع الصراع في المنطقة، واختار فريق السلام في الشرق الاوسط من اقرب المقربين الى عرشة افراد عائلتة، صهره كوشنرودفع بخبراء في تصفية الصراعات ليعملوا معه بالاضافة الى طاقم سري من الخبراء السياسيين مختصين في تنفيذ خطط تصفية الصراع الفلسطيني الاسرائيلي.. خطة “صفقة  القرن” والتي اعتبرها اسقطت ترمب وشكل سعيه لتطبيقها من طرف واحد ضربة قاضية له وكشف اوراقه السياسية.

لم يهتم ترمب بمستوى العدالة في التدخل في قضية الشرق الاوسط ولا حتى علاقاته بالعالم العربي التي اعتبرها علاقات لأجل نهب ثروات العرب تحت حجه حماية اراضيهم وعروشهم من السقوط.. وظف القدرات العسكرية والاستخبارية للبنتاغون لاجل المال والنفط والذهب العربي ليس اكثر بغض النظر عن المصالح الامريكية في المنطقة.

فشل ترمب في تحقيق توازن اقليمي في الشرق الاوسط وافضت سياسته لاحداث توترات اقليمية خطيرة بين دول الخليج العربي وجيرانهم.. قسم المنطقة الى مناطق نفوذ ومحاور المحور الامريكي المصري السعودي الخليجي والمحور التركي الروسي الايراني لاجل تشكيل حلف كبير تتربع اسرائيل على رأسه.. انسحب من الاتفاق النووي الايراني من طرف واحد لاجل عيون اسرائيل وفرض عقوبات جديدة على ايران حتى تتوقف عن السعي لتصنيع القنبلة النووية التي تمتلك منها اسرائيل العشرات بالاضافة الى اكثر من 250 راس نووي.. فرض عقوبات على المدعية العامة للجنائية الدولية واوقف اي مساهمات مالية لهذه المنظمة باعتبارها محمكة غير مستقلة وتنوي مقاضاة الضباط الامريكان الذين عملوا في افغانستان بالاضافة لمقاضاة القادة الاسرائيليين الذين يتهمهم الفلسطينيون بالضلوع في ارتكاب جرائم حرب ضد الفلسطينيين في اوقات مختلفة.. واصدر اوامر بتجميد اصول موظفي المحكمة ومنعهم من دخول اراض الولايات المتحدة الامريكية.. وتعدى الامر المحكمة الجنائية الدولية كثيرا ليعادي كل المؤسسات الدولية المدافعة عن حقوق الانسان وامر باعتبار كل من “منظمة هيومن رايتس ووتش”  و”منظمة العفو الدولية – امنستي”  و”اوكسفام”  منظمات معادية  للسامية لا ينبغي على الحكومة الامريكية دعمها.

 فرض حصار مالي كبير على السلطة الفلسطينية لانها رفضت “صفقة القرن” واغلق مكتب منظمة التحرير في واشنطن، وأوقف مساهمة الولايات المتحدة المالية لـ”الاونروا” وسار قدما في تصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين واتخذ من التدابير السياسية والقرارات التي من شأنها ان تخرج هذه القضية عن طاولة المفاوضات في اطار اي تسوية بين الفلسطينيين والاسرائيليين..!

اعطى الاسرائيليين كل شيء، فاعلن ان القدس عاصمة ابدية لكيانهم ونقل سفارة الولايات المتحدة من تل ابيب الى القدس واغلق القنصلية الامريكية التي ترعى العلاقات الفلسطينية الامريكية. لم يبق شيء الا وفعله لاسرائيل ولم يرفض اي طلب لنتنياهو حتى بدا ككلب الصيد الابيض لصياد حاقد يصطاد الفريسة ويأمر كلبه بالاسراع لاحضارها.. هكذا يعتبر الاسرائيلين ترمب وهكذا تعاملوا معه منذ اللحظة الاولى لوصوله إلى البيت الابيض.. واكبر دليل انه لهث وراء العرب واستخدم كل ادوات التهديد ليعقدوا اتفاقات تطبيع مع اسرائيل على اعتبار ان هذه الاتفاقات سوف توحي للناخب الامريكي ان رئيسهم  يمتلك سياسية خارجية ناجحة، لكن هذا كله جاء بعكس ما توقع وسرعان ما اداروا ظهورهم له عندما عرفت اجهزتهم الدقيقة انه لن ينجح في الانتخابات الرئاسية، حتى انهم لم يبكوا كثيرا على سقوطة لانه اعطاهم ما لم يقدر اي رئيس للولايات المتحدة الخمسة والاربعين السابقين على اعطائه لهم.

انتهى ترمب للابد وانتهى دوره الذي أداه ببراعة ككلب صيد امريكي ابيض يبقى في قفى سيده، ينتظر منه اي اشارة ليأتي بالصيد الثمين، فجاء لهم بصفقات تجارية وعسكرية وامنية وسياحية تدر على اقتصاد اسرائيل المليارات، واستخدم ما لدى ادارة البيت الابيض من امكانيات للضغط على العرب لابرام هذه الاتفاقات التي في قالبها السياسي تقوض حل الدولتين الذي تنكر له، حسب طلب نتنياهو واليمين الاسرائيلي، وتبنى استراتيجة تصفية الصراع لصالح الحركة الصهيوينة.. كل هذا  كان خدمة مجانية لدولة اسرائيل، الا ان اسرائيل تعتبر اليوم ان ترمب لم يكمل مشروع الدولة اليهودية الكبرى ولم يعترف لاسرائيل بضم مستوطنات الضفة الغربية وفرض السيادة عليها بعد، وهذا قد يدفع نتنياهو لاستغلال الاسابيع المتبقية في ولاية ترمب للاسراع في تنفيذ مخطط الضم  والبدء بارسال رسائل تعاطف مع ترمب عبر فريدمان وكوشنر وبومبيو ليضمن اعلان ترمب بذلك  قبل مغادرة البيت الابيض “كبغل تائه في مزرعه ليست ملكه”، كما قالت نيويوك تايمز مؤخرا.

لعل نتنياهو يعتبر هذا الملف من اهم المفات التي تحضر اسرائيل لطرحه على ساكن البيت الابيض الجديد جو بايدن، لهذا بدأ نتنياهو يفتح ملف صداقته القديمة لبايدن.. وسوف يهتف نتنياهو لبايدن الرئيس الجديد وسوف يقدم التهاني له مبكرا بالرغم من انه يظهر انه لن يفعل ذلك قبل النتائج النهائية للانتخابات الامريكية. وسوف يبدأ معه سياسة الود والتقرب والحرص ليستكمل المشروع اليميني المتطرف، وبالتالي استكمال المخطط الاسرائيلي في الدولة اليهودية الكبرى واعتراف العرب والفلسطينيين بها  دون ان يكون للفلسطينيين اي كيان سياسي مستقل..! وسيحاول نتنياهو خلال الفترة القادمة اختبار مدى اخلاص بايدن لاسرائيل في السكوت عن مخطط الضم سعيا لفرض الحل الاسرائيلي المدعوم امريكيا على الفلسطينيين من طرف واحد..!

* كاتب فلسطيني يقيم في قطاع غزة.

dr.hani_analysisi@yahoo.com    

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى