أقلام وأراء

د. ناصر اللحام يكتب – تراجع القضاء المدني واستقواء القضاء العسكري

د. ناصر اللحام

قبل أيام صدر القرار التفسيري رقم 2018 الصادر عن المحكمة الدستورية . وقد صدر القرار بغالبية 4 قضاة مقابل 3 قضاة وليس بالإجماع . ويحدد القرار  في صفحات كثيرة وملخصها أن جهازي الشرطة والأمن الوقائي ( الشرطة المدنية ) سيخضعان للقضاء العسكري . ولو أن هناك أي مدني إعتدى على رجل الشرطة فعلا أو قولا ( يمكن أن يكون نشر على الفيس بوك أو مواقع التواصل الاجتماعي ) .  فإن المواطن المدني سيخضع لمحاكمة عسكرية !!

ونحن نسأل الاّن : ما قيمة هذا القرار بعد انضمام فلسطين للمواثيق الدولية ؟ وكيف يمكن محاكمة مدنيين فلسطينيين في الداخل والخارج ( سياسيين أو صحافيين أو ناشطي معارضة ) أمام محاكم عسكرية لأمن الدولة !!!

توقيت القرار ، في الوقت الذي يتوجه فيه الرئيس عباس الى الأمم المتحدة للمطالبة بتنفيذ دولة ديموقراطية على الارض , غير مفهوم . كما أن المواطن غير جاهز لهذه القرارات لعدة أسباب نذكرها الان على شكل نقاط للتفكر .

– لماذا تعمل جهات عدة على دعم وتقوية القضاء العسكري رغم أن كل السلطة قائمة الاّن على وجه أمني وعسكري من ناحية الميزانية ومن ناحية المراسيم ومن ناحية الواقع العملي ؟ وما ينقصنا هو الحكم الرشيد وعدالة التوزيع وليس المزيد من القرارات العسكرية والجنرالات والمرافقين .

– لماذا غاب المجلس التشريعي عن المشهد بصورة كاملة وكانهم أعضاء في برلمان دولة اخرى ولا يعيشون هنا . لم أقرأ اي تعليق أو تعقيب من جانب أي عضو برلمان على هذه المواضيع . ولو إفترضنا ان المجلس لا ينعقد ومعطّل وهذا صحيح . فهل النائب معطّل ؟ وحسب علمي لم يصدر اي مرسوم على تعطيل ذكاء النواب وممثلي الشعب بشكل فردي .

– الأستاذ المحامي داوود الدرعاوي  ( قاضي سابق ) نشر على صفحته على الفيس بوك رسالة تعقيب على القرار أوضح من خلالها البعد الفقهي للتشريع القضائي وخطل القرار المذكور . وهي جديرة بالتفكّر لانها تحذر من عسكرة الحكم في ظل هذا التوجه .

– صحيح أن هناك صعوبة في الفصل ما بين سلوك العسكري خلال وظيفته وبين سلوكه في الحياة المدنية . وهي مسألة فقهية شاقة لان دوام إحساس العسكري بمسؤولياته لا يرتبط بساعات الوظيفة فقط . فهو حارس للقانون وعقوبته تكون أقسى تأديبيا , ولكن ليس بشكل مبالغ فيه وانتقامي لدرجة أن يندم العسكري على أنه دخل هذه الوظيفة ويتمنى كل يوم  لو أنه مدني .

– الامر يتعلق بفقه القانون . والقرار لم يعرض على المجلس التشريعي ولا على الصحافة . ولم يأخذ حقه في النقاش .

– يأتي القرار بعد استقالات في رأس هرم المحاكم ، وفي ظل ” شعور ” بان القضاء المدني يتراجع بقوة أمام قوة الاصلاح العشائري وأمام قوة القضاء العسكري وأمام محكمة الفساد التي تم تشكيلها بمرسوم رئاسي .. وهذا تلقائيا سيضعف النيابة العامة بشكل فوري .

– يعيش الفلسطينيون في الأرض المحتلة تحت قوانين عسكرية للاحتلال ، وغير لائق الاّن تكثيف القضاء العسكري الفلسطيني مع فارق التشبيه . ولكن التزامن فيه مغامرة كبيرة غير محمودة النتائج . وحين تتقدم جرافة اسرائيلية لهدم منزل ضابط أمن لن يستطيع القضاء العسكري أو المدني حمايته .

– في قطاع غزة قوانين وأحكام ومحاكم لا تخضع لمحاكم السلطة في رام الله , وهو أمر لا يسقط بالتقادم ، فلا حماس تعترف بالمحاكم العسكرية للسلطة ولا السلطة تعترف بقرارات المحاكم الفلسطينية في رام الله ,. ولا اسرائيل كقوة احتلال تعتبر كلاهما .

– في هذه الظروف السياسية والاقتصادية والمادية والسايكولوجية والسوسيولوجية ، لا ينصح باللجوء الى قرارات حادة أو أحكام صارمة مبالغ فيها ضد الأفراد المدنيين او العسكريين بإستثناء الجرائم والجنايات الكبرى التي تهدد المجتمع .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى