ناجي صادق شراب: الطريق إلى الدولة الفلسطينية
د. ناجي صادق شراب 15-8-2022م
من المفارقات التاريخية والسياسية عدم قيام الدولة الفلسطينية أو الحيلولة دون قيامها وخصوصاً من قبل بريطانيا الدولة المنتدبة على فلسطين وفقاً لنظام الانتداب الذي أقرته عصبة الأمم الذي كان من أهدافه تصنيف الدول حسب تقدمها والعمل على استقلالها في النهاية . ورغم أن فلسطين صنفت في نظام «أ» أي القادرة على الاستقلال، إلا أن بريطانيا وظفت انتدابها للتمهيد لقيام الدولة اليهودية تنفيذاً وتطبيقاً لوعد بلفور، بمنع قيام الدولة الفلسطينية والتي كان يمكن أن تكون نموذجاً للدولة الواحدة لكل مواطنيها، فعملت من ناحية على تسهيل نقل الأراضي الفلسطينية للمؤسسات اليهودية، وتشجيع الهجرة، وتسليح الجماعات اليهودية، وعندما أدركت قدرة الحركة الصهيونية على اقامة الدولة اليهودية؛ عرضت القضية على الأمم المتحدة ليتم إصدار أول قرار أممي بقيام إسرائيل ومنحها الشرعية الدولية، والمفارقة هنا أن هذه الدولة مُنحت ما يقارب ال55 في المئة من مساحة فلسطين رغم أن اليهود سكانياً كانوا يشكلون أقلية لا تزيد على 6 في المئة، والمفارقة الثانية، الإعلان عن قيام الدولة العربية الفلسطينية بمساحة تقارب 44 في المئة، والقدس تحت وضع دولي.
والمفارقة الثالثة أن الإعلان عن الدولة العربية كان اسمياً ولفظياً لإدراك بريطانيا من ناحية أن الفلسطينيين وهم الأغلبية السكانية ويمتلكون غالبية الأرض (أكثر من تسعين في المئة) لن يقبلوا بالقرار لأنه يتعارض مع هدف سياسة الانتداب وحق الشعب في تقرير مصيره، لكن الهدف هنا كان واضحاً وهو لا للدولة الفلسطينية حتى تقوم إسرائيل كدولة، فقيام الدولة الفلسطينية وفقاً للفكر الاستعماري والصهيوني يعني نفياً لقيام إسرائيل الدولة، وما زال هذا الفكر قائماً ومسيطراً، ولو كان عكس ذلك لقامت الدولة الفلسطينية. والسؤال هو: ما العمل لعدم قيام الدولة الفلسطينية وتحولها لمجرد وعد لفظي، وغير قابلة للحياة ؟ فقامت إسرائيل وبدعم دولي بحرب 1948 والتي أنهت القرار الأممي 181 باحتلالها أراض مقررة للدولة الفلسطينية وأكملت احتلالها لكل الأراضي بحرب 1967.
ولم تتوقف عند ذلك؛ بل عملت على تنفيذ مشاريعها الاستيطانية والتهويدية لكل الأراضي الفلسطينية والتعامل مع الشعب الفلسطيني ككتلة سكانية لها بعض المطالب والاحتياجات الاقتصادية، وتمارس عليه كل أشكال الحصار. ورغم اتفاق أوسلو الموقّع معها من قبل منظمة التحرير والذي كان الهدف البعيد منه قيام الدولة الفلسطينية إلا أنها حولته لاتفاق أمني، وهنا لا ينبغي التقليل من مسؤولية السلطة الفلسطينية. ولم يتوقف الأمر عند حدود ما قامت به إسرائيل وقتذاك، حيث لم تبقِ إلا ما يقارب العشرة في المئة لأكثر من خمسة ملايين فلسطيني يعيشون في الضفة وغزة.
والمفارقة السياسية الأخرى أنه وعلى الرغم من كثرة القرارات الدولية التي أصدرتها الأمم المتحدة ومنظماتها المتعددة والتي تقرّ حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، إلا أن هذه القرارات بقيت مجرد غطاء يحفظ ماء وجه الأمم المتحدة، وبقيت بدون قوة للتنفيذ بسبب الفيتو الأمريكي في مجلس الأمن والذي وفّر الحماية لإسرائيل وحال دون تطبيق الفصل السادس والسابع من ميثاق الأمم المتحدة. ورغم معاهدات السلام التي تم توقيعها مع إسرائيل فهي ترفض قيام الدولة الفلسطينية، وأقصى ما تقبل به سلطة حكم ذاتي أقل من دولة، وقد لا تمانع من وجود دولة فلسطينية بروتوكولية تمارس بعض الصلاحيات السيادية خارجياً بقيام علاقات دبلوماسية وهو الأمر القائم الآن. والسؤال الدائم ما هو الطريق للدولة الفلسطينية وهل من أمل تبقّى لقيام الدولة؟. والإجابة ببساطة تكمن في عناصر الدولة الثلاث، الأرض والشعب والسيادة.
ومن هذه العناصر لا يوجد إلا الشعب، فالأرض تسيطر عليها إسرائيل سيطرة كاملة وتتحكم في كل مواردها ومنافذها، والغرابة أنها من تمنح أو توافق على منح تراخيص للبناء الفلسطيني وألغت المنطقة «ج»، وتتحكم في من يدخل ويخرج. وأما السيادة فالسلطة لا تمارسها، حتى تصاريح لمّ الشمل وهي حق للمواطن الفلسطيني هي من توافق عليها. في سياق كل هذه المعطيات لم يبقَ من الدولة الفلسطينية إلا اسمها. والبديل لذلك هو الطريق الطويل للدولة الواحدة لكل مواطنيها. ويبقى السؤال هل من رؤية فلسطينية لانتزاع الحق في الدولة ؟ وللقفز على حل الدولتين يطفو على السطح السياسي من يذهب للقول بدولة غزة، وحل الكونفدرالية الثلاثية، والسيناريو القديم المتجدد في الفكر الصهيوني الأردن والوطن البديل. ومع كل هذا تبقى الدولة الفلسطينية الحلم الوطني والوعاء السياسي للهوية الوطنية الفلسطينية، والدولة هي حق تاريخي ثابت للشعب الفلسطيني.