أقلام وأراء

د. ناجى صادق شراب يكتب – لا بديل عن حل الدولتين

د. ناجى صادق شراب – 12/3/2021

لا سلام من دون دولة فلسطينية، والحقيقة التي ينبغي التأكيد عليها هي أن أمن إسرائيل لم يتحقق ويترسخ،على الرغم من كل الدعم الاستراتيجي الذي تقدمه لها الولايات المتحدة، وعلى الرغم من معاهدات السلام الموقعة معها، وعلى الرغم من تفوق قوتها العسكرية. بدليل كم حرب قامت وكم انتفاضة اندلعت، وكم عدد الضحايا من المدنيين من الجانبين، وبدليل أنه حتى اللحظة ما زالت  كل مظاهر العنف والمواجهة بين الطرفين قائمة ومستمرة؛ بل في تزايد كبير.

إذاً قضية أمن وبقاء إسرائيل ليست في معاهدات السلام مع الدول العربية، هذه المعاهدات يمكن أن تقيم علاقات شاملة، لكنها لن تمنع الفلسطينيين من مواصلة نضالهم ومقاومتهم بكل الأشكال لكي تقوم الدولة الفلسطينية. ولا يقتصر الأمر على حق الشعب الفلسطيني في مواصلة مقاومته، لأنه لم يوجد شعب في العالم رضي بالاحتلال والهيمنة ، فالقانون الحتمي هو النضال حتى التحرر وإسرائيل ليست استثناء.

فبعد مرور أكثر من سبعين عاماً على قرار التقسيم رقم 181 لعام 1947 ما زال خيار التقسيم قائماً ولم يسقط بالتقادم الزمني؛ بل إنه يتم التلويح به الآن كأحد أهم المقاربات لحل القضية الفلسطينية. وقد يذهب الكثيرون للقول إن حل الدولتين لم يعد قائماً وغير قابل للحياة، وإن هناك العديد من التحديات والمعيقات التي تقف في طريق قيام الدولة الفلسطينية مثل، القدس واللاجئين والمياه والأمن والحدود والمستوطنات. وهذه وقائع لا يمكن تجاهلها؛ لكن حلها قد يتم عبر حل الدولتين. ولئن فشلت كل المقاربات السلمية منذ أوسلو الذي كان سيكسر الجمود ويقود للحل السلمي القائم على الدولتين، لكن تنامي دور اليمين في إسرائيل وتوليه الحكم بعد اغتيال إسحق رابين عام 1995 أفشل فكرة الدولة الفلسطينية، لأنه يؤمن بفكرة الوطن البديل، أي أن يكون الأردن هو وطن الفلسطينيين.

وبالمقابل، فإن وصول حركة حماس وسيطرتها على غزة عام 2007 زاد من خيار ديمومة الصراع وزيادة اللجوء للحرب بدليل 3 حروب استهدفت القطاع من 2007 إلى 2014. والاحتمالات مفتوحه للمزيد. وإذا كان اتفاق أوسلو وصل لمرحلة الموت السريري، فإن موضوع الدولة الفلسطينية يبقى حياً وقائماً، ولا يمكن لفكرة الدولة الفلسطينية أن تموت لسبب بسيط هو أن هناك شعباً فلسطينياً يزيد عدده عن الثلاثة عشر مليوناً وقابلاً للزيادة بدرجة كبيره في السنوات القادمة لا يمكن أن يبقى بلا وطن، ناهيك عن أن الدولة الفلسطينية أصبحت حقيقة دولية بمكانتها كدولة مراقب في الأمم المتحدة ما يعنى قلب كل معادلات الصراع.

وإذا لم تقم دولة فلسطينية مستقله فإن إسرائيل مهددة من داخلها، ومن محيطها، وكما قال أولمرت رئيس وزراء إسرائيل السابق: «إذا وصلت إسرائيل إلى درجة التصويت الحر الشبيه بما حصل في جنوب إفريقيا، فإن دولة إسرائيل تكون قد انتهت، ويبقى حل الدولتين الممكن سياسياً لعدم إمكانية أي حل آخر». وفي مناقشة ما إذا كان حل الدولتين ميتاً أم حياً، هنا الخلط بين اتفاق أوسلو وبين حل الدولتين، فأوسلو مرحلة سياسية انتقالية انتهت بقيام المؤسسات السياسية الفلسطينية، وبقيام سلطات الدولة وهي تشكل نواة لأية دولة فلسطينية.

في عام 1988 أعلنت منظمة التحرير الدولة الفلسطينية استناداً إلى قرار التقسيم، الذي تم الاعتراف به ولأول مرة وبشرعيته كأساس لحل الدولتين. اليوم وبعد أكثر من معاهدة سلام مع إسرائيل، واعتراف منظمة التحرير بإسرائيل كدولة، فإن صيغة أممية جديدة تستند إلى قرار التقسيم قد تكون ممكنه. ومما يساعد على ذلك وقف إسرائيل لعملية الضم كما جاء في أعقاب الإعلان عن اتفاق السلام مع الإمارات.

يبقى حل الدولتين حياً وقائماً ولا بديل له، والمطلوب الآن مشروع مفصل للسلام استناداً للمبادرة العربية. فلا قيام لدولة فلسطينية دون أن تشعر إسرائيل أنها آمنة، كما أن إسرائيل لن تنعم بالأمن ما لم تقم الدولة الفلسطينية، هذا الخيار والحل أصبح ممكناً الآن بعد معاهدة السلام بين إسرائيل وأكثر من دولة عربية، ثمن هذا السلام إذا أريد له البقاء يكون بقيام الدولة الفلسطينية، وهذا بيد إسرائيل وليس بيد الدول العربية ولا الفلسطينيين، لأن العرب يقدمون السلام اليوم والفلسطينيون قبلوا بالمبادرة العربية كأساس للسلام. هذه مسؤولية إدارة الرئيس بايدن وأوروبا والدول العربية والعالم لفرض صيغة للسلام بقيام الدولة الفلسطينية تنهى معها الصراع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى