د. مصطفى يوسف اللداوي: في ظلال طوفان الأقصى “57”: الكيان الصهيوني غاضبٌ من سياسة وسائل التواصل الاجتماعي
د. مصطفى يوسف اللداوي 25-3-2024: في ظلال طوفان الأقصى “57”: الكيان الصهيوني غاضبٌ من سياسة وسائل التواصل الاجتماعي
اعتمد العدو الإسرائيلي كثيراً على شبكات وسائل التواصل الاجتماعي الضخمة، الواسعة الانتشار والشديدة التأثير، في تمرير روايته الكاذبة، وفرض وقائعه المزيفة، والتعتيم على ما يرتكبه من مجازر دموية يومية بحق الشعب الفلسطيني، واعتبر أن معركته مع الفلسطينيين ليست فقط في الميدان على أرض غزة، كما في عموم فلسطين، وإنما هي في أذهان العالم ووعيه، ولدى الرأي العام كله، فهو يريد أن يشرع عدوانه، وأن يبرر جرائمه، وأن يشوه صورة الفلسطينيين ويلبسهم ثوب العنف والإرهاب، ويلصق بهم تهم القتل والاغتصاب، وقطع الرؤوس وبقر البطون، وحرق النساء والأطفال، وغير ذلك مما تفتق عنه عقل نتنياهو وفريقه القاتل المجرم، وصدقه بايدن وقادة دول أوروبا وغيرهم.
كانت شركات التواصل الإجتماعي قد شنت خلال الأشهر الست الماضية حرباً قاسيةً ضد ملايين الحسابات الشخصية، الفلسطينية والعربية والإسلامية، ولجأت إلى شطبها كلياً أو إغلاقها مؤقتاً، بحجة أنها تخالف قوانينها، وتنتهك الخصوصيات الشخصية، وتقوم بأنشطة مزعجة تتعارض وقوانينها، وحرمت أصحابها من الحق في استخدامها، رغم أنهم التزموا أنظمتها ولم يخالفوا قوانينها، وقاموا بتقديم شكاوى إليها، يطالبونها برفع الحظر عن حساباتهم، ويؤكدون أنهم يلتزمون شروطها ولا يخالفون سياساتها، ورغم ذلك فإن شكاوهم لم تلق آذاناً صاغية، ولا قبولاً أو تفهماً حسناً منهم.
لم تتراجع الشركات عن سياساتها الضابطة والقاسية بحق الناشطين على صفحاتها، ومضت في تقييد حركتهم والحد من انتشارهم، ولاحقت حساباتهم الجديدة والأخرى البديلة، وكل ما ارتبط بهواتفهم أو دل على شخصياتهم، مهما حاولوا التمويه والالتفاف، وتغيير المعلومات واستبدال الأسماء، إلا أن المحتوى الوطني يدل عليهم، والمواقف القومية والسياسية تظهر انتماءهم، مما استدعى قيام الشركات بفرض المزيد من الإجراءات العقابية بحقهم، علماً أنه لا استثناء بين الشركات الناشطة والعاملة في مجال التواصل الاجتماعي، بما فيها شركة “توك توك”، التي ظن الكثير من النشطاء المشتركين فيها، أنها بعيدة عن النفوذ الصهيوني، وأنها تتبع بلاداً صديقة، ولا تخضع لسياساتٍ أجنبية عنصرية.
في الوقت نفسه فتحت هذه الشركات الفضاء واسعاً والأفق رحباً للناشطين الإسرائيليين وحلفائهم من المؤمنين بالصهيونية والداعين لها والمبشرين بها، الذين يتبنون الرواية الإسرائيلية ويدافعون عنها، ولا يبدو أنها تطبق عليهم ذات السياسة، أو تفرض عليهم نفس الشروط، رغم أن صفحاتهم تعج بالعنصرية وتنضح بالكراهية، وفيها صور مقززة، ودعوات مشبوهة، ومشاهد مستفزة، وفيها ما يشير إلى تعميق الكراهية والدعوة إلى العنف وممارسة الإرهاب، وقتل المواطنين وطرد السكان، وتحريض المستوطنين على استخدام السلاح والمبادرة إلى إطلاق النار ضد الفلسطينيين، دون خوفٍ من قيودٍ أو قانونٍ أو ملاحقةٍ قضائية.
نتيجة للمتغيرات الدولية، وارتفاع الأصوات المنددة بالسياسات الإسرائيلية، والرافضة لعملياتها العسكرية في قطاع غزة والقدس والضفة الغربية، واعتماد العديد من الدول على خطابها الإعلامي الوطني في نشر الصور وكشف الحقائق الجارية في قطاع غزة، وتسليط الضوء على الممارسات العسكرية لجيش الاحتلال الإسرائيلي، بدأت الصورة الحقيقية البشعة للكيان تظهر، وصدرت تحذيراتٌ أمريكية وكندية وأوروبية للحكومة الإسرائيلية بأن صورتها لدى العالم تتغير، وأنها في حاجةٍ إلى أجيال كثيرة حتى تستعيد صورتها النمطية الديمقراطية التي عرفت بها في المنطقة وتميزت بها عن دولها.
فرض الواقع نفسه على الأرض بقوةٍ ووضوحٍ، وبجلاءٍ وسفورٍ، ولم يعد العدو الإسرائيلي يستطيع أن يخفي جرائمه، أو أن يخفف من وقعها ويلطف من عنفها، فالصورة الحقيقية أخذت تنتشر بسرعةٍ، وتنتقل إلى كل مكانٍ، كما أن كبرى وكالات الأنباء الدولية، الغربية والأمريكية، بدأت تكشف الحقيقة، وتسلط الضوء على حجم الجرائم الإسرائيلية، وتظهر أن ردة الفعل الإسرائيلية الرسمية، التي ينفذها الجيش والأجهزة الأمنية، يفوق بكثير الرغبة في الانتقام ورد الاعتبار، ومحاولة استعادة الأسرى وإعادة “المخطوفين”.
يبدو أن وسائل التواصل الاجتماعي قد رفعت القيود التي فرضتها، أو حففت من درجة تطبيقها، وتوقفت نسبياً عن إغلاق الصفحات وحظر الحسابات، وسمحت للمحتوى الفلسطيني بالظهور والانتشار، ولم تعد تمارس ذات السياسة القاسية التي كانت تحظر الرواية الفلسطينية، وتمنع نشر الفضائح الإسرائيلية، فيما بدا أنها محاولة للتصحيح أو الاعتدال، الأمر الذي أغضب الإسرائيليين وأزعجهم، وأخرجهم عن طورهم فاتهموا الشركات بالتواطؤ والانحياز، وليس بعيداً أن يتهموها بمعاداة العنصرية وتأييد الإرهاب، رغم أن هذه السياسات ليست دائمة أو مطمئنة، وليست أكيدة أو أمينة، وإنما قد يكون هدفها امتصاص النقمة، ورد التهمة واستعادة الثقة، أو تنبيه الإسرائيليين إلى خطورة ما يرتكبون على مستقبل مشروعهم واستقرار كيانهم.
فهل أن مُلَّاك شركات التواصل الاجتماعي الدولية، المتعاطفين تاريخياً مع الكيان الصهيوني، والمتعاونين معه والمتبرعين له، والمنحازين إليه والمقاتلين بوسائلهم إلى جانبه، والمناوئين للعرب والمحاربين للمحتوى الفلسطيني، قد استفاقوا حقاً من غفلتهم واكتشفوا خطأهم، وعرفوا الحقيقة وخضعوا لها، وقرروا الانحياز إلى الحق والتخلي عن الباطل، وأدركوا أنهم بتواطئهم وانحيازهم، وبتضليلهم للرأي العام وفرضهم للرواية الإسرائيلية، شركاء في جرائم الإبادة البشعة والمجازر الوحشية التي يرتكبها جيش الكيان يومياً بحق المدنيين الفلسطينيين من النساء والشيوخ والأطفال.