د. محمد عباس ناجي: ما دلالات زيارة وزير الخارجية الإيراني إلى الصين؟
قام وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي بزيارة إلى الصين، في 27 ديسمبر 2024 ولمدة يومين، حيث التقى نظيره الصيني وانغ يي، ونشر مقالاً في صحيفة “الشعب” الصينية، أكد فيه أهمية التعاون الثنائي بين طهران وبكين وضرورة التشاور المستمر حول التطورات التي تشهدها الساحتان الإقليمية والدولية. وتكتسب تلك الزيارة أهميتها من جهة توقيتها، سواء فيما يتعلق بوصول الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في 20 يناير 2025، أو فيما يتصل باحتمال تجدد التصعيد العسكري بين إيران وإسرائيل، أو فيما يرتبط بتصاعد حدة التوتر بين باكستان وحركة “طالبان” الأفغانية على خلفية الضربات العسكرية الأخيرة التي وجهتها إسلام أباد داخل حدود أفغانستان.
أهداف عديدة
يمكن القول إن طهران وبكين تسعيان عبر الزيارة التي قام بها عراقجي للأخيرة إلى تحقيق أهداف عديدة يتمثل أبرزها في التالي:
1- الاستعداد لعودة ترامب إلى البيت الأبيض: تبدي كل من إيران والصين قلقاً ملحوظاً إزاء وصول الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في يناير 2025، بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية التي أُجريت في نوفمبر 2024. إذ ترى إيران أن ترامب يسعى إلى تجديد سياسة “الضغوط القصوى” في مواجهتها لدفعها نحو تغيير سياستها في الملف النووي، فيما لا تستبعد الصين أن يعود الرئيس الأمريكي المنتخب إلى الحرب التجارية معها، عبر فرض قيود على التصدير والاستثمارات والتكنولوجيا. وهنا، فإن أحد أهداف الزيارة يتمثل في توجيه رسالة مباشرة إلى ترامب مفادها أن العلاقات الثنائية بين الدولتين سوف توفر مساحة للحركة وهامشاً أوسع للمناورة في مواجهة أية ضغوط قد تفرضها السياسة الجديدة التي سوف يتبناها ترامب تجاههما.
2- رفع مستوى التعاون النفطي بين الصين وإيران: تعد الصين أكبر مشترٍ للنفط الإيراني، حيث تسعى إيران دائماً إلى رفع مستوى صادراتها النفطية من أجل تحدي العقوبات المفروضة عليها من جانب الولايات المتحدة الأمريكية. وتشير تقديرات عديدة إلى أن واردات الصين من النفط الإيراني تصل إلى نحو مليون برميل نفط يومياً، على نحو يجعل الصادرات النفطية الإيرانية تشكل 10% من الواردات الصينية من النفط، ويسعى الرئيس ترامب إلى فرض ضغوط على كل من بكين وطهران عبر تقييد قدرة الأخيرة على تصدير مزيد من النفط إلى الأولى في إطار ما يسمى بـ”تصفير الصادرات النفطية”، وهي إحدى الآليات التي سبق أن تبناها خلال ولايته الرئاسية الأولى. ومن هنا، فإن بكين وطهران تحاولان عبر تلك الزيارة رفع مستوى التنسيق فيما بينهما للتعامل مع الإجراءات التي يمكن أن يتخذها ترامب لتحقيق هذا الهدف.
3- تأكيد الدور الإيراني في مبادرة “الحزام والطريق”: تلعب إيران دوراً جغرافياً حيوياً في مبادرة “الحزام والطريق” التي تهدف الصين من خلالها إلى إعادة إحياء طريق الحرير القديم وتعزيز الروابط التجارية والتنموية بين آسيا وأوروبا وأفريقيا، وتشمل الجهود المشتركة تعزيز البنية التحتية للنقل والطاقة، مثل تطوير الموانئ والسكك الحديدية، مما يسهم في تسهيل حركة البضائع عبر الأراضي الإيرانية كما تسعى إيران إلى جذب الاستثمارات الصينية في مشروعاتها التنموية، والاستفادة من المبادرة لتخفيف آثار العقوبات الاقتصادية، وتعزيز موقعها كمركز لوجستي إقليمي.
4- تنويع التحالفات عقب تعثُّر روسيا في سوريا: رغم أن إيران تسعى إلى تعزيز العلاقات الثنائية مع كل من روسيا والصين، حيث تستعد حالياً لإبرام اتفاقية شراكة استراتيجية مع موسكو على غرار تلك التي وقعتها مع بكين في مارس 2021؛ إلا أن ذلك لا ينفي أن طهران تُبدي قلقاً ملحوظاً إزاء توجهات السياسة الخارجية التي تتبعها روسيا. وفي رؤية اتجاهات عديدة، فإن الأخيرة عملت على عرقلة المفاوضات التي أُجريت في الفترة الماضية بشكل غير مباشر بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية من أجل الوصول إلى اتفاق جديد حول البرنامج النووي، يعيد الأخيرة إلى هذا الاتفاق، ويدفع إيران إلى الالتزام بتعهداتها فيه.
كما تبدي إيران قلقاً من السياسة التي تتبعها روسيا في التعامل مع تطورات ما يجري على الساحة السورية، بعد نجاح هيئة تحرير الشام والفصائل السورية المعارضة في الإطاحة بنظام الرئيس السوري بشار الأسد، في 8 ديسمبر 2024. صحيح أن روسيا تعد أحد الأطراف التي خسرت بعد سقوط النظام السوري، إلا أن ذلك لا ينفي أنها تبدو حريصة على الاحتفاظ بقنوات تواصل مع القوى التي وصلت إلى السلطة في دمشق، فضلاً عن تنسيقها الملحوظ مع تركيا وإسرائيل، على نحو يثير استياءً وتخوفات عديدة لدى طهران، التي تسعى تلك القوى إلى ملء الفراغ الناتج عن انسحابها من سوريا، على خلفية إسقاط حليفها الإقليمي الأساسي في المنطقة، وهو النظام السوري.
من هنا، فإن إيران تسعى إلى توسيع هامش الخيارات وحرية الحركة المتاحة أمامها على الساحة الدولية، بحيث لا تعتمد فقط على روسيا، رغم احتياجها الشديد إلى استمرار التعاون مع الأخيرة، خاصةً على المستويين النووي والعسكري، ولا سيما بعد أن أدت العمليات العسكرية الأخيرة التي شنتها إسرائيل ضد إيران في 26 أكتوبر 2024 إلى تدمير منظومات الدفاع الجوي الإيرانية من طراز “إس 300″، على نحو أصبح يوفر محفزاً لإسرائيل من أجل شن ضربات عسكرية أوسع نطاقاً قد تطال بعض المنشآت النووية الإيرانية.
5- تأمين الفيتو الصيني في مجلس الأمن: تتوقع إيران أن تتصاعد حدة الضغوط الدولية المفروضة عليها، ولا سيما من جانب الدول الغربية، في عام 2025. إذ إن اقتراب موعد ما يسمى بـ”يوم النهاية” في 18 أكتوبر 2025، والذي يعني إلغاء العقوبات الدولية التي كانت مفروضة عليها وتم تعليقها بمقتضى الاتفاق النووي، وإطلاق يدها في بعض الأنشطة النووية الحساسة، يمكن أن يدفع الدول الغربية إلى قطع الطريق أمام استفادة إيران من هذا الامتياز، من خلال تفعيل ما يسمى بـ”آلية الزناد” التي تعني إعادة تطبيق تلك العقوبات قبل حلول يوم 18 أكتوبر 2025، بحجة عدم التزام إيران بتعهداتها في الاتفاق النووي.
من هنا، ترى إيران أن تعزيز العلاقات على المستوى الثنائي مع الصين يمكن أن يؤمن لها فيتو في مجلس الأمن تستطيع من خلاله مواجهة الضغوط التي يمكن أن تمارسها الدول الغربية عبر المجلس خلال المرحلة القادمة، خاصة في ظل اتساع نطاق الخلافات بين الطرفين، حول الاتفاق النووي، والدور الإقليمي الإيراني في الشرق الأوسط، والدعم العسكري الإيراني لروسيا في الحرب الأوكرانية، ومزدوجي الجنسية.
6- تعزيز التنسيق حول الملف الأفغاني: تحظى التطورات التي طرأت على الصعيد الأفغاني منذ وصول حركة “طالبان” إلى السلطة مجدداً في أغسطس 2022، باهتمام خاص من جانب الصين وإيران. ومن دون شك، فإن هذا الاهتمام تزايد في أعقاب التصعيد العسكري الحالي بين باكستان وحركة “طالبان”، والذي نشب على خلفية الضربات التي شنتها الأولى داخل أفغانستان بحجة ملاحقة بعض الجماعات الإرهابية التي نفذت عمليات إرهابية داخل باكستان خلال الفترة الأخيرة. وبالطبع، فإن التنسيق حول التطورات الأفغانية يمثل -في الغالب- أحد محاور المباحثات التي أجراها عراقجي في بكين، خاصة أن الدولتين تتبنيان رؤية مشتركة تقوم على أن أحد أهداف الانسحاب العسكري الأمريكي من أفغانستان كان يتمثل في تصدير الأزمة الأفغانية إلى الخصوم الدوليين والإقليميين للولايات المتحدة الأمريكية، لا سيما روسيا والصين وإيران.
ختاماً، سوف تعمد إيران إلى توسيع نطاق التعاون على المستوى الثنائي مع الصين، حيث سوف تبذل مزيداً من الجهود من أجل إزالة العقبات التي ما زالت تحول دون تطبيق اتفاقية الشراكة الاستراتيجية التي وقعتها مع بكين في 27 مارس 2021، استعداداً للاستحقاقات الاستراتيجية الصعبة التي ربما تواجهها خلال المرحلة القادمة، ولا سيما بعد وصول الرئيس ترامب إلى البيت الأبيض وبدء مرحلة جديدة من الضغوط الأمريكية على طهران وبكين.
انترريجونال للتحليلات الاستراتيجية