د. فايز رشيد يكتب – المنطقة واحتمالات الحرب

د. فايز رشيد 26/11/2019
«إسرائيل» مشغولة بالانتخابات الثالثة التي ربما تكون هي الحلّ للأزمة المتفاقمة بعد فشل أكبر حزبين في تشكيلها. أيضاً انشغلت الأوساط السياسية «الإسرائيلية» والعربية وأصدقاء نتنياهو الأمريكيين بقرار النائب العام مندلبليت توجيه لوائح اتهام ضدّه، ومواجهة احتمال سجنه! لكن القضاء «الإسرائيلي» ليس بهذه النزاهة المتصورة، فقضاء حكم على الضابط شيدمي مرتكب مجزرة دير ياسين بخمسة قروش لا يمكنه أن يكون عادلاً! ثم إن قضاءً يبرئ قاتل الناشطة الأمريكية راشيل كوري لا يمكنه أن يكون نزيهاً. معروف عن نتنياهو قدرته على تصدير أزماته من خلال إشعال حروبٍ محدودة في المنطقة. ولهذا اغتال قائداً في الجهاد الإسلامي هو بهاء أبو العطا في غزة، وحاول اغتيال قائد ثانٍ هو أكرم العجوري في دمشق، وقصف غزة طوال يومين.
كان لافتاً للنظر أنه قبل عشرة أيام عين بنيامين نتنياهو العنصري المتطرف وعدوه اللدود نفتالي بينيت وزيراً للحرب، وهو الذي اصطدم مع نتنياهو عدة مرات، واتهمه بالعجز والتخاذل والتقصير في مهمته كرئيس للوزراء بسبب ردّه العاجز على ما أسماه ب «عنف» الفلسطينيين الصادر من قطاع غزة، وطالب بموقف أكثر تشدداً في التعامل مع القطاع في الحملة الانتخابية التي سبقت جولة الانتخابات الأولى في شهر إبريل / نيسان الماضي. وللشك في قدراته العسكرية البحتة لم يوافق على تعيينه كلّ من الجنرال يوآف غالانت وعضو الكنيست يوآف كيش من «الليكود» الذي برر موقفه بالقول: «إن هناك مرشحين أفضل من بينيت الجاهل عسكرياً لتعيينهم في أهم منصب حساس في حكومة تصريف الأعمال».
أيضاً سارع ترامب لمحاولة إنقاذ نتنياهو من ورطته السياسية والقضائية بعد تقديم النائب العام مندلبليت ثلاثة اتهامات ضده عبر تصريح لوزير خارجيته مارك بومبيو بشرعنة المستوطنات «الإسرائيلية» في الضفة الغربية واعتبارها قانونية في مخالفة واضحة لوثيقة أمريكية صدرت عام 1978 تعترف فيها بأن المستوطنات غير قانونية وغير شرعية. في حسابات ترامب أيضاً إعادة ترشيحه للرئاسة عام 2020، وذلك من خلال محاولة استرضاء القاعدة العريضة للمسيحيين الإنجيليين الذين يدعمون اليمين «الإسرائيلي» لأسباب دينية، واستمالة اللوبي الصهيوني واليهود الأمريكيين، وهو بذلك يحرص على فرض معايير إطار الحل النهائي للصراع تطبيقاً ل «صفقة القرن» ومقاييسها.
ومن الواضح أن إدارة ترامب تسعى لإعادة رسم ملامح الصراع ووضع محددات جديدة له على نحو يكون لمصلحة «إسرائيل» على حساب الفلسطينيين والعرب. وفي هذا الإطار، جاء قرار الاعتراف بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال، ثم قطع التمويل عن ال «أونروا»، وما تبعهما من وقفٍ لكل المساعدات عن الفلسطينيين، ثم القرار حول الجولان. وانطلاقاً من سوابقه على مدى عقد زمني من حكمه، سيحاول نتنياهو الخلاص بشن حرب في غزة أو في الشمال، حرب تكون محدودة وتجمع «الإسرائيليين» من حوله في ظل وزيره الجديد للدفاع الذي وصفه أليكس فيشمان في مقالة له في «يديعوت أحرونوت»: بأنه «ليس أكثر من صبي يلعب بالنار».
وفي السياق ذاته يكتب الرائد نداف بن حور ومايكل آيزنشتات مقالة في صحيفة «أمريكان إنترست» عنوانها «حرب الشرق الأوسط الكبرى عام 2019» يقولان فيها: تثير التوترات المتزايدة على الحدود الشمالية «لإسرائيل» مخاوف بشأن مواجهة أخرى بينها وبين «حزب الله»، أو اندلاع حربٍ بين «إسرائيل» وإيران في سوريا. وقد لا تقتصر حرب مماثلة على المشاركين الأصليين فحسب، بل قد تشمل مجموعة الميليشيات المتواجدة في سوريا وحتى نظام الأسد،كما يمكن أن تمتد إلى كافة أرجاء المنطقة، وبذلك تؤثر في المصالح الأمريكية الحيوية هناك.