د. عوض سليمية: تباينات في المواقف بين المحور الروسي الصيني والموقف الامريكي تجاه خطة ترامب في قطاع غزة: مجلس الامن ساحة صراع كبرى
د. عوض سليمية 15-11-2025تباينات في المواقف بين المحور الروسي الصيني والموقف الامريكي تجاه خطة ترامب في قطاع غزة: مجلس الامن ساحة صراع كبرى
المشروع الامريكي المقترح بصيغته الاولية والذي تم تقديمه الى اعضاء مجلس الامن الدولي منذ 6 نوفمبر، الهادف الى توفير تفويض دولي لخطة ترامب المصممة لوضع اليد الامريكية على قطاع غزة؛ يواجه تحفظاً ورفضاً مزدوجاً من قبل العضوين الدائمين في المجلس -روسيا والصين ودولاً عربية، الامر الذي دفع الادارة الامريكية الى إدخال مزيد من التعديلات على بنوده من اجل تمريره دون عوائق، ومع ذلك فإن فرص مروره ما زالت منخفضة.
كشفت وكالة أسوشيتد برس في تقريرها عن ظهور فجوات كبيرة في المواقف بين اعضاء مجلس الامن خاصة كل من موسكو وبكين والموقف الامريكي الوارد في مسودة المشروع المقدم لمجلس الامن، جوهر هذه الخلافات يكمن في: اعتراض الطرف الصيني-الروسي-العربي/الجزائر على، الغاء دور “مجلس السلام الدولي” الذي سيرأسه ترامب بإعتباره “مجلس حكم انتقالي”، والمطالبة باعتبار مجلس الامن الدولي هو مرجعية قوة الاستقرار الدولية وليس مجلس السلام الدولي؛ تغييب دور السلطة الوطنية الفلسطينية في القطاع؛ غياب جدول زمني لانهاء الاحتلال الاسرائيلي لقطاع غزة؛ وتغييب مسار إقامة دولة فلسطينية مستقلة. بعبارة اخرى، نسفت بكين وموسكو النقاط الجوهرية التي حرصت واشنطن على صياغتها في مسودة مشروعها كمسار مُؤكد لفرض الوصاية على قطاع غزة.
هذا الموقف الناشئ وفقاً للتقرير، دفع واشنطن لتبني نوع من الاستجابة المشروطة في إدخال تعديلات على مسودة النص؛ تمثلت في إبقاء اللغة المستخدمة في صياغة المشروع الاول الخاصة بــ “مجلس السلام الدولي” مقابل إدراج بند جديد ينص على “توفير المزيد من الالتزام بتقرير المصير للشعب الفلسطيني وإقامة الدولة”؛ شريطة: “تنفيذ الاصلاحات المطلوبة من السلطة الفلسطينية وتَقدُم مسار إعادة الاعمار في القطاع”، لكن هذا النص الوارد في الصيغة الجديدة كان فضفاضاً كالعادة ولم يكن التزاماً حديدياً. في المطلب المتصل بتحديد جدول زمني للانسحاب الاسرائيلي من القطاع، عادت واشنطن من جديد للمراوغة في صياغة الكلمات والمصطلحات في الصيغة الجديدة، وربطت الانسحاب بنزع السلاح من قبل قوة الاستقرار الدولية المزمع تشكيلها من جنسيات متعددة. وهو ما رفضته الدول المرشحة للمشاركة في القوة متعددة الجنسيات في وقت سابق.
رسائل واشنطن التحذيرية كانت حاضرة لتدعيم صراعها الدبلوماسي داخل اروقة مجلس الامن، وجاءت مقرونة بتهديدات مبطنة في حال لم يتم تمرير مشروع القرار في مجلس الامن. ظهر هذا التهديد بوضوح في رسالة بعثة واشنطن للأمم المتحدة والتي ورد فيها إن “محاولات إثارة الفتنة” في إشارة للموقف الروسي-الصيني، سيكون لها “عواقب وخيمة وملموسة” على الوضع في قطاع غزة. على هذا النحو المعقد، فإن امام واشنطن بحسب دبلوماسيين، ثلاث خيارات: الاول، قبول التعديلات الجوهرية المطلوبة من قبل اعضاء مجلس الامن الدائمين والمنتخبين. ثانياً، إخضاع مشروع القرار المُعدل للتصويت وقبول النتائج. أو، تجنب التصويت في مجلس الامن واعلان مشروع “تحالف الراغبين” للدول الراغبة للمشاركة في خطة ترامب بعيداً عن مواقف الدول الاعضاء في مجلس الامن.
الموقف الروسي المُنسق مع الصين – على ما يبدو، والرافض للمشروع الامريكي لم يتوقف عند مستوى إدخال تعديلات جوهرية شبه مرفوضة من واشنطن، بل ذهبت موسكو الى ابعد من ذلك في تحديها للموقف الامريكي، وقدمت مسودة مشروع خاص بها للأعضاء الدائمين في مجلس الامن مضاداً تماماً للمشروع الامريكي، جاء فيه إن “الهدف من مسودتنا هو تمكين مجلس الأمن من تطوير نهج متوازن ومقبول وموحد لتحقيق وقف دائم للأعمال العدائية”. وفقاً لرويترز، طلبت المسودة الروسية من الأمين العام للأمم المتحدة تحديد خيارات لإنشاء قوة دولية لتحقيق الاستقرار في غزة، وتجاهلت المسودة الروسية أي اشارة لــ “مجلس السلام” الوارد في الخطة الامريكية.
واشنطن التي اعتادت ان تتحرك في كل انحاء العالم بلغة القوة العسكرية بعيداً عن القوانين الدولية والمبادئ السائدة في العلاقات الدولية، وسط تعمد كامل لتعطيل معظم قرارات مجلس الامن الدولي باستخدام سلاح الفيتو القاتل، خاصة عندما يتعلق الوضع بالصراع الاسرائيلي الفلسطيني، تسعى اليوم لانتزاع قرار دولي يفوضها قانونياً بالسيطرة على قطاع غزة، وفرض رؤيتها السياسية على مستقبل القضية الفلسطينية تحت مسميات “السلام والاستقرار”، وتدفع بإيقاع سريع لا يخلو من التهديد لتبني مشروعها من قبل اعضاء مجلس الامن. هذا التحول المفاجئ في المواقف الامريكية يدفع نحو مزيد من التشكيك في نوايا واشنطن المستقبلية، ويضيف مزيداً من حالة عدم الثقة السائدة على مستوى العالم في المواقف الامريكية ومقصدها الفعلي من الحصول على قرار من مجلس الامن الدولي.
في هذا السياق، فإن تمسك إدارة ترامب بإنشاء “مجلس السلام الدولي” واسناد كافة المهام الامنية والاقتصادية والسياسية…الخ، المتعلقة بقطاع غزة ضمن جدول اعماله بعيداً عن مجلس الامن الدولي وحضور السلطة الوطنية الفلسطينية، هو وصفة في مسار نقض المشروع الامريكي من قبل كل من بكين أو موسكو وربما كلاهما معاً. بالمقابل، تتحفظ اسرائيل على بند نشر القوات الدولية متعددة الجنسيات في القطاع التي وردت في خطة ترامب، وتراه امراً “سيئاً” تحت مبررات أن نشر هذه القوة سيقوض حرية العمل العسكري للجيش الاسرائيلي داخل القطاع، وفي سبيل إجهاض الفكرة، وضعت اسرائيل فيتو على مشاركة بعض الجنسيات في القوات الدولية، وفي مقدمتها القوات التركية.
في الواقع، حرب المشاريع والمشاريع المضادة القائمة بين واشنطن من جهة، وكل من بكين وموسكو بإسناد عربي من جهة اخرى، تُنبئ بتعذر تمرير احداها على حساب الآخر في مجلس الامن الدولي. هذا الصراع يروق لحكومة اليمين المتطرف في اسرائيل، والتي ترى ان الحفاظ على الوضع القائم الان والمتمثل في احتلال اسرائيل لأكثر من 53% من اراضي قطاع غزة؛ الى جانب التحكم في المعابر بما فيها معبر رفح الذي يعتبر الممر الدولي الوحيد للقطاع نحو جمهورية مصر العربية، السيطرة على محور فيلادلفيا، بالإضافة الى التحكم في تدفق المساعدات والاغاثة العاجلة التي يحتاجها قرابة 2 مليون فلسطيني تم حشرهم في الجانب الغربي من القطاع. هذه الحقائق القائمة والمقرونة الان بصعوبة تمرير مسودات الادارة الامريكية في مجلس الامن بشكلها الحالي، ربما تشجع ترامب للذهاب الى السيناريو الثالث الذي تحدث عنه الدبلوماسيون وهو، إعلان تحالف الراغبين للانضمام الى خطته. وبدء تنفيذ اعمال “ريفييرا الشرق الاوسط” التي أعلن عنها في وقت سابق من هذا العام، في الجزء الشرقي لقطاع غزة او ما يمكن تسميته “غزة الشرقية”؛ من جانب واحد بعيداً عن مواقف الاعضاء الدائمين في مجلس الامن وخاصة روسيا والصين.
عند التدقيق في التسريبات المتعلقة بمخطط تقسيم قطاع غزة؛ بين المنطقة التي تسيطر عليها اسرائيل والواقعة شرق الخط الاصفر وبين المنطقة الغربية التي تسيطر عليها حماس، الى جانب رسائل التهديد المبطنة الصادرة عن الدبلوماسيين الامريكيين بوجوب تمرير مسودة المشروع الامريكي في مجلس الامن والا ستكون هناك “عواقب وخيمة”، بالتزامن مع اقتراب الانتهاء من المرحلة الاولى المتعلقة بتسليم كامل جثث الاسرائيليين، تلوح في الافق مخاطر اعتماد الخط الاصفر بمثابة جدار برلين الجديد وتثبيت حالة التقسيم القائم الان في القطاع، و/أو منح ترامب الضوء الاخضر لنتنياهو باستئناف حرب الابادة الجماعية على قطاع غزة، جميع هذه الاجراءات المتوقعة ستكون تحت مبررات تعطيل خطة ترامب “للسلام والاستقرار” من قبل اعضاء مجلس الامن الدولي، وهذا ما يتمناه نتنياهو واعضاء الائتلاف المتطرف في حكومته.
في مقترحاتها الثلاث المقدمة لمجلس الامن الدولي، تتجاهل إدارة ترامب ونخب واشنطن، المسار الاقصر والمقبول فلسطينياً، عربياً ودولياً لإعادة الحياة الى قطاع غزة، والذي يبدأ من خلال عودة السلطة الوطنية الفلسطينية لإدارة وحكم القطاع دون قيد أو شرط، وإن مفتاح الاستقرار والازدهار في الشرق الأوسط لا يمكن تفعيله إلا بعد إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وتجسيد قيام دولة فلسطين المستقلة، بما يتماشى مع قرارات مجلس الأمن الدولي ومقررات الأمم المتحدة ومبادرة السلام العربية الى جانب إعلان نيويورك. في هذا السياق، فإن السعي الامريكي المحموم لتكريس حقائق جديدة على الارض، وتقديم حلول او مبادرات مؤقتة من خلال انتزاع قرارات دولية تتجاهل في جوهرها الجذور الحقيقية للصراع؛ ستؤدي حتماً إلى زيادة تعميق الصراع. إن السلام المستدام يتطلب التزاماً أمريكياً حقيقياً بمسار عادل وموثوق يضمن استعادة حقوق الشعب الفلسطيني ويضع حدًا لمعاناته المستمرة، بعيدًا عن محاولات تكرار نماذج الاستعمار والوصاية بطرق ملتوية، تحت شعارات وهمية هدفها بات مكشوفاً للجميع، ولا تحتاج الى عدسات مُكبرة لرؤية مقاصدها السامة.
مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook



