أقلام وأراء

د. عمرو حمزاوي: لماذا يصمت الإسرائيليون؟

د. عمرو حمزاوي 16-9-2025: لماذا يصمت الإسرائيليون؟

هذه محاولة للنظر إلى الداخل الإسرائيلي مدفوعة بأسئلة محددة.

كيف لا يتحرك المجتمع الإسرائيلي لإيقاف حرب الإبادة في غزة؟ هل تتماهى الأغلبية المجتمعية مع سياسات وممارسات رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ويمينه المتطرف والرامية إلى تصفية القضية الفلسطينية استيطانا وضما في الضفة الغربية وإبادة وتهجيرا في غزة؟

كيف لا يضغط المجتمع المدني الإسرائيلي الذي يرفع لواء الديمقراطية وحكم القانون وحقوق الإنسان على حكومة اليمين المتطرف لكي تتوقف عن عملياتها العسكرية التي أشعلت كافة حدود بلادهم باستثناء الحدود مع مصر وأنتجت خريطة واسعة من الدماء والدمار في الشرق الأوسط؟

كيف تصمت النخب الأمنية والسياسية في تل أبيب على تقويض بنيامين نتنياهو لاتفاقيات السلام القائمة بين إسرائيل وبعض الدول العربية وعلى الإجهاز على فرص التطبيع بينها وبين دول عربية أخرى، والأمران يمثلان مصلحة وجودية للشعب اليهودي الذي لم يقبله جواره الشرق أوسطي بعد ولن يقبله سوى بإنهاء احتلال الأراضي الفلسطينية وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة وفقا لمبدأ الأرض مقابل السلام وحل الدولتين؟

كيف تتجاهل ذات النخب حقيقة أن نتنياهو يواصل حربه مدفوعا بحسابات البقاء الذاتي دون اعتبار لا لاستعادة الرهائن الإسرائيليين ولا لعشرات الآلاف القتلى والمصابين الذين أسقطتهم آلته العسكرية في غزة، يفعل هذا بينما يحول يمينه المتطرف إسرائيل إلى دولة مارقة يبتعد عنها عديد حلفائها التقليديين في الغرب باستثناء الراعي الأمريكي؟

كيف تقترب حرب شهدت وتشهد جرائم ضد الإنسانية وعنفا ممنهجا ومروعا ضد المدنيين الفلسطينيين من نهاية عامها الثاني، وبنيامين نتنياهو باق في منصبه كرئيس للوزراء واليمين المتطرف يستحوذ على مقاعد الحكم وسياسات الاستيطان والضم في الضفة الغربية تتصاعد ووقائع الإبادة والتهجير في غزة تتراكم؟

خلال الأسابيع الأولى من حرب غزة، ومن غير تبرير للجرائم والانتهاكات التي كانت القوات الإسرائيلية تتورط بها في القطاع، كانت الإجابة على كافة هذه الأسئلة هي أن الشعب الإسرائيلي واقع تحت تأثير الصدمة الجماعية لإرهاب حماس في 7 أكتوبر 2023 وأن النزوع نحو الانتقام من الشعب الفلسطيني يعطل مضامين النظر والتقييم العقلانيين لإرهاب الدولة الذي كانت إسرائيل تمارسه بحق أهل غزة وللعنف المستمر في الضفة احتلالا واستيطانا وضما.

 

أين المدافعون عن الديمقراطية والعلمانيون واليسار الإسرائيلي الآن وهم يتابعون حكومة متطرفة تتوحش وتتورط في حرب إبادة؟

خلال الأسابيع الأولى من الحرب، وإزاء التأييد العام لسياسات حكومة اليمين المتطرف بما فيها منع دخول المياه والغذاء والمستلزمات الطبية إلى القطاع وحصار الضفة في تنصل كامل من مسؤوليات إسرائيل كسلطة احتلال ومن قواعد القانون الدولي وقواعد حماية المدنيين التي ينص عليها القانون الدولي الإنساني، كانت الإجابة على كافة هذه الأسئلة هي أن أغلبية الإسرائيليين تتفق مع الأهداف المعلنة للحرب والتي حددها نتنياهو في تدمير حماس والسيطرة الأمنية الشاملة على غزة والقضاء على حل الدولتين بضم الضفة والقدس الشرقية والعمل على استعادة الرهائن الإسرائيليين.

كانت تلك هي الإجابات على كافة هذه الأسئلة خلال الأسابيع الأولى من الحرب. غير أن تمادي حكومة اليمين المتطرف في جرائمها التي صارت مرادفا للإبادة في غزة وإطلاقها لعنف المستوطنين في الضفة وضرباتها العسكرية ضد لبنان وسوريا واليمن والحرب بينها وبين إيران وصولا إلى غاراتها على قطر، إزاء كل هذا لم تعد إجابات الأسابيع الأولى كافية لتفسير صمت أغلبية الإسرائيليين وتمكينهم لبنيامين نتنياهو ومجرمي اليمين المتطرف الآخرين من البقاء على مقاعد الحكم.

فالمشهد العام في إسرائيل هو مشهد تواطؤ صامت للأغلبية مع جرائم حكومة نتنياهو، تواطؤ صامت يذكر بصمت الألمان على جرائم النازيين وصمت السوفييت على جرائم ستالين وصمت أغلبيات أخرى على جرائم مستبدين حكموها بالحديد والنار، صمتهم الذي سببه إما التأييد أو الخوف.

غير أن أغلبية الشعب الإسرائيلي لا تصنف نظام بلادهم السياسي كنظام مستبد لكي يقال إن صمتهم على الجرائم المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني هو صمت الخائفين وتواطؤ ضحايا الديكتاتورية، كما أن قطاعات واسعة من بين هذه الأغلبية قامت قبل 7 أكتوبر 2023 بانتفاضة شعبية ضد تعديلات دستورية أراد نتنياهو واليمين المتطرف تمريرها واعتبرتها تلك القطاعات تقويضا للديمقراطية ولحكم القانون. انتفض شباب المدن والمجتمع المدني العلماني وأطياف اليسار الإسرائيلي دون خوف دفاعا عن الديمقراطية قبل حرب غزة، فأين هم الآن بعد ما يقرب عامين من حرب إبادة وخرائط دماء ودمار غطت الأراضي الفلسطينية وعموم الشرق الأوسط؟ أين هم الآن، علما أن كون أهداف الحرب التي حددها اليمين المتطرف وتماهت أغلبية الإسرائيليين معها قد تحققت؟ فحماس فقدت جل قدراتها العسكرية ولم يعد باستطاعتها تهديد سلطة الاحتلال، والقوات الإسرائيلية تفعل في غزة ما يحلو لها، وتصفية القضية الفلسطينية لا يقاومها سوى صمود المدنيين الفلسطينيين الأبطال ورفض مصر والأردن للتهجير وحشدهما للتأييد الإقليمي والدولي. أين المدافعون عن الديمقراطية والعلمانيون واليسار الإسرائيلي الآن وهم يتابعون حكومة متطرفة تتوحش وتتورط في حرب إبادة لا تختلف عن حروب إبادة سابقة كان من بينها إبادة النازي لليهود الأوروبيين؟

إسرائيل اليوم دولة ذات سلوك إقليمي مارق. عدوانها المتصاعد وغطرستها العسكرية اللامحدودة يهددان الأمن في الشرق الأوسط، ويشعلان صراعات عنيفة وسباقات تسلح في منطقة تعاني من انعدام استقرار مزمن. كما أنها تقوض اتفاقيات السلام القائمة مع بعض الدول العربية، وتحد بشدة من فرص تطبيع علاقاتها مع الآخرين، وتهدد في نهاية المطاف مصالح شعبها الذي يسعى إلى حياة آمنة في جوار غير عدائي. فالحرب تهدد أيضا مستقبل الاتفاقات الإبراهيمية، وتخلق بيئة إقليمية ترفض إسرائيل وحكومتها المتطرفة مثلما ترفض نتنياهو والمتطرفين الآخرين وما يرتكبون من جرائم ويمارسون من غطرسة عسكرية.

لماذا يصمت الإسرائيليون، وماذا ينتظرون لكي يتخلصوا من حكومة الجنون والحرب في تل أبيب؟

 

 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى