د. عمرو حمزاوي: الضربة الأمريكية نتنياهو كفائز صريح

د. عمرو حمزاوي 24-6-2025: الضربة الأمريكية نتنياهو كفائز صريح
بعيدا عن التقييم العسكري الدقيق لنتائج الضربات الأمريكية ضد المنشآت النووية الإيرانية والذي سيستدعي شيئا من الوقت، يمكن فيما خص التداعيات السياسية لعملية «مطرقة منتصف الليل» التمييز بين خاسرين كثر وفائزين محتملين وفائز صريح في الشرق الأوسط.
الفائز الصريح هو رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي حققت له إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بضربها للبرنامج النووي الإيراني ما لم يكن الجيش الإسرائيلي ليقدر عليه وما رفضته الإدارات الديمقراطية لباراك أوباما وجوزيف بايدن. بغض النظر عن مدى الدمار الذي ألحقته الضربات الأمريكية بالمنشآت النووية في فوردو ونطنز وأصفهان والحسابات الزمنية الدقيقة لحدود تأخير القدرات الإيرانية بفعلها، فإن دفع النووي الإيراني إلى الوراء على نحو مؤثر حتما قد حدث. ويصب ذلك في مصلحة أمن إسرائيل وفقا لرؤية نتنياهو التي تعتبر إيران مصدر التهديد الوجودي الأول لبلاده. وإذا ما أضفنا إلى الضربات الأمريكية استهداف إسرائيل لعلماء ومسؤولي البرنامج النووي الإيراني خلال الأسبوعين الماضيين، فإن تحييد الخطر النووي المحتمل من طهران ولفترة من الزمن يمثل نجاحا صريحا لرئيس وزراء تل أبيب.
نتنياهو أيضا هو الفائز الصريح لكونه اقترب خطوة أخرى من تهديد استقرار نظام الجمهورية الإسلامية وتحجيم دورها الإقليمي في الشرق الأوسط. منذ 7 أكتوبر 2023، والحكومة الإسرائيلية تضغط عسكريا وبشدة على وكلاء إيران في فلسطين ولبنان والعراق واليمن وأسهمت ضرباتها العسكرية في إسقاط نظام بشار الأسد الذي كان حليفا مهما لها.
والآن، وبفعل خليط الهجمات الإسرائيلية المتتالية ضد المنشآت العسكرية والقدرات الصاروخية لإيران والضربات الأمريكية وبعد العجز الإيراني عن حماية الوكلاء (الدمار الذي لحق بحزب الله نموذجا) يبدو نظام الجمهورية الإسلامية عاجزا عن حماية أمنه ومصالحه المباشرة. وعلى الرغم من رشقات الصواريخ في اتجاه المدن الإسرائيلية وتحسب الولايات المتحدة الراهن لاحتمالات الرد الإيراني ضد القواعد والمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط وكذلك احتمالات إغلاق مضيق هرمز، لا شك في كون شرعية نظام الجمهورية الإسلامية داخليا وهي اعتمدت على إيديولوجية معادية لإسرائيل وأمريكا وشرعيته إقليميا وهي استندت إلى إبعاد خطر اعتداءات إسرائيلية وأمريكية محتملة بتوظيف شبكة الوكلاء لتهديدهما وإشغالهما، قد تعرضت لهزة عنيفة.
لم يعد افتراض بقاء نظام الجمهورية الإسلامية دون اهتزازات حقيقية صائبا، وستدلل الشهور القادمة على حدود عدم الاستقرار السياسي والغليان المجتمعي الذي سيواجهه حكام طهران. وإقليميا، وبعد الضربات المتتالية لوكلائها وحلفائها ثم ضربها هي مباشرة وفي قدس أقداسها المتمثل في البرنامج النووي، يصعب للغاية تصور عودة إيران إلى مكانها السابق كقوة إقليمية مؤثرة ومنافسة لإسرائيل ومعادية بفاعلية للمصالح الأمريكية وهو المكان الذي شغلته منذ سقوط نظام صدام حسين في العراق 2003.
ويصب هذا التطور الدراماتيكي في شرق أوسط ما بعد 7 أكتوبر 2023 في مصلحة الرؤية الاستراتيجية والسياسية لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي يزعم أن بلاده قادرة على إعادة صياغة معادلات القوة في الإقليم على نحو يجعل منها الطرف الشرق أوسطي الوحيد ذي اليد الطولى عسكريا وأمنيا. يرغب نتنياهو وتحالفه اليميني المتطرف في تصفية القضية الفلسطينية، وفي إنهاء وجود وكلاء إيران ودور نظام الجمهورية الإسلامية كمصادر تهديد للمصالح الإسرائيلية، وفي فرض تطبيع مع البلدان العربية دون حق تقرير مصير للشعب الفلسطيني ودون مبادئ الأرض مقابل السلام والأمن الجماعي. وبإنزال دمار بالبرنامج النووي الإيراني والقدرات العسكرية وفرض حالة من عدم الاستقرار الداخلي والتحجيم الإقليمي، يقترب نتنياهو أكثر من ذلك.
علينا أيضا ألا نتجاهل أن إسرائيل تبدو اليوم إقليميا صاحبة قوة عسكرية وأمنية واستخباراتية مهيمنة تستطيع الوصول إلى من يعاديها بمفردها أو بمساعدة الولايات المتحدة الأمريكية، ولديها سلاح نووي يجعلها الدولة الوحيدة التي بحوذتها أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط، وتسيطر على فضائها السياسي حكومة يمينية متطرفة ترى في توظيف الأداة العسكرية سبيلها الوحيد لتحقيق الأمن وتدفعها مغامراتها بالأسلحة المتقدمة إلى النزوع نحو إلغاء كامل الحقوق الفلسطينية استيطانا وتهجيرا وقتلا وتشريدا وتحجيم الأعداء المحتملين والحديث المتكرر عن «شرق أوسط جديد» تفرض هي فيه سلامها وبالقوة. بحربها على إيران وبتوريطها للولايات المتحدة في الأمر، ترسل حكومة اليمين المتطرف في تل أبيب رسالة تهديد إلى كافة العواصم الإقليمية، عربية وغير عربية، أن يدها الطولى ها هي هنا وقادرة على الوصول إلى كل مكان.
أخيرا، يطل نتنياهو كالفائز الصريح من الضربات الأمريكية للمنشآت النووية الإيرانية لأنه رفع أسهمه داخليا بتحقيق هدف قومي وسياسي طويل المدى لإسرائيل، ألا وهو التخلص من البرنامج النووي للجمهورية الإسلامية.
كان في توجيه ضربات عسكرية لإيران مخاطرة كبرى أرادها نتنياهو وتحالفه اليميني المتطرف لنقل المعركة إلى هناك وبعد عمليات مكثفة ضد الوكلاء في الشرق الأوسط. كان في الضربات الإسرائيلية مخاطرة كبرى لحتمية توقع رد إيراني أعنف من الردود السابقة في أعقاب قتل إسماعيل هنية وحسن نصر الله، ولعدم تثبت نتنياهو من استعداد الإدارة الأمريكية للرئيس دونالد ترامب للتورط عسكريا. غير أن المخاطرة الكبرى يبدو وكأنها تعود عليه اليوم بانتصار مرحلي كبير يتمثل في تأخير البرنامج النووي الإيراني وزعزعة استقرار الجمهورية الإسلامية وتحجيم دورها الإقليمي، ويتمثل أيضا في توريط الولايات المتحدة في الحرب على إيران، وفي حشد الرأي العام الداخلي من خلفه ودفعه إلى قبول الخسائر البشرية والمادية للصواريخ الإيرانية عن طيب خاطر.
ويظهر مجرد التحليل السريع لتصريحات ومواقف زعماء المعارضة الإسرائيلية وتعليقات المؤثرين في الحياة السياسية والعامة حقيقة التوافق على صحة ورجاحة المخاطرة الكبرى التي أقدم عليها نتنياهو والشعور بالعرفان له، لسياسي يواجه داخليا فضائح فساد وخارجيا اتهامات بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
أما فيما خص الخاسرين الكثر والفائزين المحتلمين للضربات العسكرية الأمريكية، فيأتي في المرتبة الأولى للخاسرين كافة دول الشرق الأوسط الأخرى التي تريد الأمن الجماعي والحلول السلمية للنزاعات والصراعات وتبحث عن شرق أوسط خال من كافة أسلحة الدمار الشامل وليس من برنامج نووي لطرف وحيد. ومن بين الفائزين المحتملين، ولو أن الأمر سيتوقف أيضا على ردود الأفعال الإيرانية، يأتي الرئيس الأمريكي ترامب الذي اتخذ قرار التورط في الحرب وعبء مؤيديه المعارضين للتدخل العسكري الأمريكي في الخارج وحزبه الجمهوري من خلفه دون منازعة تذكر.