أقلام وأراء

د. عمرو حمزاوي: اتفاق شرم الشيخ: مسؤولية الولايات المتحدة

د. عمرو حمزاوي 21-10-2025: اتفاق شرم الشيخ: مسؤولية الولايات المتحدة

اتفاق وقف إطلاق النار في شرم الشيخ الذي أُبرم في تشرين الأول/أكتوبر 2025 يمثل لحظة محورية في مسار الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، إذ يأتي بعد سنوات من التصعيد العسكري المتكرر والانسداد السياسي الذي أضعف قدرة الأطراف المعنية على التوصل إلى حلول مستدامة. ما يميز هذا الاتفاق هو طبيعة المرحلة التي اعتمد عليها، حيث تم تبني مقاربة تدريجية تشمل خطوات ملموسة أولية مثل الانسحاب العسكري الجزئي، الإفراج عن رهائن، وتوسيع إيصال المساعدات الإنسانية، مع وعود بخطوات لاحقة تتعلق بالقضايا الأكثر تعقيدا مثل إدارة قطاع غزة والضمانات الأمنية طويلة الأمد. وقد أسهمت التغيرات الإقليمية والدولية، بما في ذلك الدور النشط لمصر والدول العربية الأخرى، والتوازنات الجديدة في المنطقة، في خلق مساحة سياسية أدت إلى إبرام هذا الاتفاق.

في هذا السياق، يبرز الدور الأمريكي كمحرك وضامن أول لنجاح الاتفاق، من خلال تقديم مجموعة متكاملة من الضمانات، الحوافز، والعقوبات التي يمكن أن تضمن التزام إسرائيل وحماس بالتنفيذ الفعلي لمضمون الاتفاق. بالنسبة لإسرائيل، يمكن أن تتضمن هذه الضمانات التزاما أمريكيا واضحا بالدعم الأمني والسياسي، بما في ذلك تقديم طمأنة لمخاوفها من تهديدات أمنية مستقبلية في غزة، مع مواصلة الدعم العسكري المحدود المرتبط بالقدرة الدفاعية، بما يضمن أن الالتزام بالاتفاق لا يأتي على حساب أمنها القومي. أما الحوافز، فيمكن أن تشمل تسريع العمليات الإنسانية والبنية التحتية، دعم مشاريع إعادة الإعمار، وتسهيلات اقتصادية مباشرة للفلسطينيين في القطاع، مما يزيد من جدوى التزامهم بالهدنة ويخلق حافزا اقتصاديا وسياسيا للتعاون.

من جهة العقوبات، يجب أن تكون واشنطن مستعدة لتطبيق تدابير محددة ضد أي طرف ينتهك بنود الاتفاق، مع التأكيد على أن العقوبات ستكون محددة، متدرجة، وشفافة لضمان قدرتها على ردع الانتهاكات دون تفاقم الأزمات الإنسانية أو خلق شعور بالإحباط السياسي بين المدنيين. على سبيل المثال، يمكن ربط العقوبات بعقود اقتصادية أو برامج مساعدات مشروطة بالالتزام، بحيث يصبح أي خرق للتعهدات مصحوبا بتكاليف ملموسة، ما يعزز من جدية الأطراف في التمسك بالاتفاق.

في الوقت نفسه، لا يمكن لإدارة أمريكية أن تعمل بمعزل عن البيئة الإقليمية والدولية الداعمة. هنا يأتي الدور العربي، لا سيما مصر والسعودية والإمارات وقطر، الذين يمكن أن يساهموا في تقديم ضمانات إضافية وتسهيلات لوجستية وسياسية تُكمل الجهود الأمريكية. فمصر، على سبيل المثال، يمكن أن تعمل كطرف وسيط دائم، يراقب التنفيذ الميداني ويقدم تقييمات دقيقة لمستوى الالتزام من قبل الأطراف، بينما توفر الدول العربية الأخرى دعما سياسيا واقتصاديا يرفع من تكلفة أي انتهاك للاتفاق.

أما الدور الأوروبي، فيمكن أن يركز على الدعم المالي والتقني، مع تقديم برامج متابعة وإشراف على المشاريع الإنسانية والتنموية، بما يوفر شبكة أمان متعددة الأطراف تعزز من استدامة الاتفاق. هذا التفاعل بين الضمانات الأمريكية والحوافز الاقتصادية، مدعوما بالتسهيلات الإقليمية والإشراف الأوروبي، يمكن أن يقلل بشكل كبير من المخاطر المرتبطة بانتهاكات محتملة ويخلق آلية ضغط متدرجة وفعّالة.

من المهم أيضا أن تكون الحزمة الأمريكية مرنة بما يكفي للتعامل مع التعقيدات السياسية الداخلية للطرفين. فإسرائيل، على سبيل المثال، تواجه ضغوطا داخلية من أحزاب وسياسات قد تعارض أي تراجع عسكري أو تنازل عن بعض المناطق، بينما حماس تتحرك ضمن سياق اجتماعي وسياسي محلي يتطلب توازنا بين التنازلات السياسية والحفاظ على نفوذها الداخلي. هنا تظهر أهمية أن تكون الضمانات والحوافز الأمريكية مصممة بدقة لتقديم مخرج سياسي واضح لكل طرف، مع تقديم إشارات قوية بأن الالتزام بالاتفاق يصب في مصلحته الاستراتيجية.

نقطة حاسمة أخرى هي ضرورة آليات متابعة صارمة وشفافة، تشمل تقارير دورية ومراقبة ميدانية، بحيث تصبح أي مخالفة واضحة ومعلنة، ما يعزز من القدرة على تنفيذ العقوبات أو تقديم الحوافز بطريقة فعّالة. هذه الآليات يجب أن تتضمن إشرافا أمريكيا مباشرا، مع إشراك مصري وأوروبي محدود لضمان مصداقية التقييم دون فقدان السيطرة الأمريكية على المسار.

في الخلاصة، فإن نجاح اتفاق شرم الشيخ يعتمد على قدرة الولايات المتحدة على أداء دورها كمحرك وضامن أول، من خلال تقديم حزمة متكاملة من الضمانات، الحوافز، والعقوبات المصممة بعناية لتتناسب مع مصالح الطرفين، ودعم ذلك بمساندة إقليمية عربية وأوروبية مدروسة. التوازن بين الضغط والحافز، والقدرة على الردع والمرونة في التعاطي مع المستجدات السياسية، يمثل مفتاح الاستقرار طويل الأمد في قطاع غزة وضمان استمرار تطبيق الاتفاق، بما يقلل من مخاطر الانزلاق نحو تصعيد جديد ويؤسس لإطار أكثر استدامة للتعايش السياسي والأمني بين الأطراف المعنية.

 

 

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى